فهمي هويدي

ظننا أن لجنة العفو عن المحبوسين يمكن أن تكون بادرة للانفراج تسهم في إنصاف المظلومين الذين تم حبسهم لأشهر أو سنوات دون أن توجه إليهم تهمة أو زج بهم في قضايا خطأ أو دون مقتضى. إلا أننا أفرطنا في حسن الظن فيما يبدو. شجعنا على حسن الظن أن الرئيس عبد الفتاح السيسي ذكر في تصريح له أمام مؤتمر الشباب أن باب العفو مفتوح للجميع باستثناء الذين شاركوا في العنف. إلا أننا فوجئنا بخبر أبرزته صحف الخميس ١١/١٠ نقل عن أحد أعضاء اللجنة قوله إن قائمة المفرج عنهم التي يجرى إعدادها الآن، لن تشمل المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين. وذلك تصنيف جديد يختلف عن مضمون كلام الرئيس الذي اعتبر المشاركة في العنف معيارا لبحث احتمالات العفو من عدمه، الأمر الذي يعنى أن تصريح عضو اللجنة، إذا تأكدت صحة ما ذكره، ضيق واسع كما يقال، واحتكم ليس إلى قيم العدل والإنصاف وإنما جعل الهوى السياسي معيارا لتقرير مصير كل محبوس. ذلك أن الضلوع في العنف من عدمه معيار موضوعي يمكن التثبت منه، أما الإقصاء تبعا للانتماء السياسي فهو بمثابة احتكام إلى معيار شخصي تحدده التقارير الأمنية التي لا يعتبرها القضاء المصري دليلا يعول عليه للإدانة، وإنما مجرد شهادة يؤخذ بها أو تستبعد. وبالمناسبة فإن أغلب القضايا التي حكم فيها بالإدانة استنادا على تحريات الشرطة إذا عرضت على محكمة النقض فهي إما أن تقضى بالبراءة أو بإعادة المحاكمة.

إننا إذا استبعدنا نهج كتائب الإبادة وخطاب الكراهية والشيطنة الذي يقسم المجتمع إلى إخوان أشرار مكانهم الأبدي أقبية السجون، وآخرين صاروا أبرارًا لمجرد أنهم لا ينتمون إلى فسطاط الأشرار، فسوف يدعونا ذلك إلى إعادة النظر في مقولة عضو اللجنة المذكورة. إذا فعلنا ذلك واهتدينا بمعيار الإنصاف الذي ينشد رفع الظلم فسوف نرى المسألة من منظور آخر مختلف تمامًا.

سنكتشف مثلا أن المتهمين في قضايا الإخوان ليسوا جميعهم من الإخوان، لكن بينهم أناسا أضيفوا مصادفة إلى قوائم المتهمين بالانضمام إلى جماعة محظورة. وهي التهمة التقليدية التي تلصق بأي شخص يقبض عليه حتى وإن كان يساريًا أو غير مسلم أصلا. وأمثال هؤلاء الأبرياء كثيرون بعضهم ألقي القبض عليهم بسبب بلاغ كيدي أو أثناء مرورهم بجوار مظاهرة غاضبة في الشارع أو في فناء كلية أعلنت الإضراب أو أثناء زيارة لمطلوبين آخرين، هناك آخرون ــ كثيرون أيضا ــ كانوا ضمن الإخوان ولم تكن لهم أي علاقة بالعنف وإنما فرضت عليهم أدلة واعترافات لا علاقة لهم بها، وهو ما يتم عادة في ظل إكراهات نعرفها جيدًا.

أمثال هؤلاء المظلومين ينبغي أن تبحث حالاتهم، لكي يعطوا أملا في استعادة حريتهم ومعها آدميتهم. ليس فقط لأن ذلك من مقتضى الإنصاف والعدل ولكن أيضًا لأننا لا نعرف ما يمكن أن يفضى إليه استمرار مظلوميتهم، وما يحدث شعورهم باليأس من تغيير في سلوكهم الشخصي، أو في موقف أهاليهم، ولا ينبغي في هذا الصدد أن نقلل من شأن التقارير التي تحدثت عن تحول بعض المظلومين من الشباب عن الفكر الوسطي المعتدل وانتقالهم إلى أفكار داعش والقاعدة وغير ذلك من جماعات العنف والتكفير.

أكرر أن حديثي ينصب على المظلومين الذين ألقت بهم المقادير في غياهب السجون لغير ذنب جنوه، وليس لدى دفاع عمن ثبت أنه ارتكب عنفا فأسال دما أو خرب مرفقا، وإن تمنيت أن نحرر مصطلح العنف ونضبطه، لأن بيننا من بات يعتبر المعارضة عنفا وكذلك مجرد الخروج في مظاهرة سلمية أو الانضمام إلى منظمة حقوقية ترصد انتهاكات حقوق الإنسان.

إن ما طرحه عضو لجنة العفو الذي حاول رئيس اللجنة تخفيف أثره، ليس سوى صدى لموقف الأجهزة الأمنية، وهو ما يفسد فرحتنا ويصيبنا بالتشاؤم وخيبة الأمل، فضلا عن أنه يعمق من أزمة الثقة في المبادرات التي نكتشف بمضي الوقت أنها مجرد مسكنات تشيع أملا كاذبا يغلف الظلم ويسوغ استمراره، ناهيك عن أنه يعد مسلكا يضاعف من الاحتقان والمرارات، ولا يخدم الاستقرار المنشود من أي باب.