منصور النقيدان

انطلق أمس اليوم الأول لملتقى أبوظبي الاستراتيجي الثالث، الذي نظمه مركز الإمارات للسياسات، وجاءت كلمة وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش تلخيصاً لكيف ترى الإمارات اليوم العالم من حولها، وكيف ترى نفسها ودورها الإقليمي والدولي، وما نهجها للمساعدة في إحلال السلام وفرض الاستقرار، مشيراً إلى أن اللايقين السياسي يعم العالم اليوم، وأنه مهما يكن فإن العالم لا غنى له عن دور أميركي حاسم في التخفيف من مآسي هذا العالم، وحل أزماته. الإمارات حسب قرقاش مؤمنة بأن مكافحة الإرهاب لا يمكن فصلها البتة عن مكافحة التشدد والتطرف في العالم. الإمارات اعتمدت في نهجها التنموي داخلياً ثلاثة أسس: دعم الشباب، ودعم المرأة، وترسيخ التسامح والتعايش، وأن هذه الدعائم هي رسالة الإمارات الملهمة للعالم، ويؤكد الوزير الإماراتي أن السياسة الخارجية لبلده تعكس هذا النجاح الداخلي في مساعيها لدعم الإصلاح في العالم العربي ومساعدة الحكومات لفرض استقرار مجتمعاتها، وتخفيف الصراعات ومساعدة ضحايا الحروب في اليمن في العراق وسوريا وفي ليبيا.

النقاش الذي دار في الجلسة الأولى كان صريحاً وخففت من جهامة الحقائق المحزنة روح النكتة التي شارك فيها المتحدثون. «على إيران في حوارها مع دول الخليج أن تكون واضحة وصريحة معترفة بأخطائها، ولكن أيضاً على دول الخليج أن تقر بأخطائها في العراق وسوريا». تبدو هذه النبرة التي أطلقتها ابتسام الكتبي صادمة ومزعجة للذات، وهي محقة، فالخليجيون يحتاجون إلى أن يكونوا أكثر صدقاً في نقدهم للذات، وأكثر صراحة في الحديث عن دورهم فيما يحدث، ودول الخليج لها مصالحها وأهدافها وعندها مخاوفها، وهذا ربما يجعل مواقفها في بعض القضايا متفاوتة، وبالتأكيد لها نتائجها غير المرغوبة، وفوق ذلك فهي كما تقول الكتبي: «عليها أن تحاور نفسها قبل أن تبدأ الحوار الصريح مع إيران».

أحياناً يصدف أن يدور حوار بين بعض الباحثين الخليجيين والإيرانيين، فيشير الإيرانيون إلى أنهم معنيون أصلاً بالحوار مع الغرب ولا وقت لديهم للخليج، وأن الملف الخليجي والحوار مع دوله يشكل هماً ثانوياً، وأن إيران لا تعرف شيئاً اسمه دول مجلس التعاون، فهي تتعامل مع كل دولة على حدة. ابتسام الكتبي أشارت في تعليق لها إلى أننا عاطفيون في ردود أفعالنا. مدير الجلسة تركي الدخيل تساءل: ما الذي استفدتموه الآن؟ أنتم تنوحون ولكن إيران هي التي فازت في الأخير وعقدت اتفاقها وتمددت، ولكن كيف سيكون مستقبل المنطقة في العهد الجديد للولايات المتحدة الأميركية؟ هذا كان موضوع نقاش في الجلسة الأولى التي شارك فيها الشيخ محمد الصباح، الذي يميل شخصياً إلى أن قانون «جاستا» لن يكون له مستقبل، بل ستهال عليه التراب.

لكن الحقيقة التي لا نريد أن نفكر فيها أن إلغاء هذا القانون هو شبه مستحيل، وأن أكبر تهديد تواجهه السعودية الدولة الكبرى في الخليج هو هذا القانون وتبعاته والوصمة التي أحدثها وسيحدثها هذا القانون، وإغراء الضواري والطامعين في زعزعة استقرارها. لا أقسى من أن يتخلق انطباع عالمي بأن هذه المنطقة أفسدها الرفاه والثراء، وأنها غدت منبعاً للشرور ونشر التطرف! إن هذا حسب خبير سعودي جدير بالاحترام شعور يتنامى داخل أميركا، وهو أمر كريه ومؤلم لا نحب سماعه، ولكن لم يفت الأوان بعد، ولكي تنجو هذه المنطقة وينجو الخليج فإن عليهم أن يعدوا للسنوات القادمة العجاف عدتها، وكون المملكة اليوم ومصر هما دعامتا النظام العربي فإن إيمان العرب بدول الخليج أولاً هو ما سوف يساعد في تأسيس عالم عربي جديد كما دعا إليه أنور قرقاش.