عقل العقل

مر مجلس التعاون الخليجي في مسيرته الممتدة لحوالى 36 عاماً بالقليل من الإنجازات على الصعد كافة، حتى إن آمال وطموحات بعض أبناء المجلس بدأت بالتلاشي وعدم الاهتمام. يرى بعضنا أن التنقل بالبطاقة الوطنية بين دول المجلس والاستثمار وحق التملك لمواطني دول المجلس في دوله إنجاز عظيم، ولكن مثلاً، قضية العملة النقدية الخليجية لم تخرج إلى الواقع بسبب خلافات بين دول المجلس.

كلنا يعرف ويطالب منذ أعوام بأن يكون التركيز على الملف الاقتصادي للاتحاد بين الدول الخليجية، والذي لو سار وفعّل بواقعية وتنازلات لكنّا اليوم نتحدث عن اتحاد سياسي لدول المجلس. لو افترضنا مثلاً أن شبكة الخطوط الحديدية تم إنشاؤها قبل 10 أعوام عندما كان هناك فائض ضخم في موازنات دول المجلس، لقطعنا شوطاً كبيراً في عملية التكامل الاقتصادي والاجتماعي، ولكننا اليوم نسعى لتنفيذ مثل هذه المشاريع فقط في الإعلام، وعلى أرض الواقع لم نرَ أي بداية فعلية لمثل هذه المشاريع الحيوية.

دول الخليج تعاني الآن من ظروف اقتصادية صعبة تختلف من دولة لأخرى، ولكن ليست بتلك الفوارق الواضحة، فهي لأعوام تعتمد في اقتصاداتها على النفط، واليوم كلنا يعلم أن هذه السلعة متقلبة الأسعار وهناك بدائل فعلية للنفط التقليدي.

من جهة أخرى، نجد التركيبة الديموغرافية مختلة في دول الخليج، إذ يصل عدد الأجانب نسبةً إلى المواطنين إلى أرقام مفزعة، بلغت نحو 80 في المئة، وفي المملكة مثلاً، أعلنت هيئة الإحصاءات العامة أن الأجانب في المملكة حوالى 11 مليوناً مقارنة بـ22 مليون مواطن.

لن أتحدث عن الأخطار السياسية والاجتماعية من هذا الخلل في هذه التركيبة المختلة للسكان في دول الخليج على رغم أهميتها، ولكن القضية كيف تتعاطى دول الخليج مع قضية البطالة بين سكانها وبخاصة الشباب منهم، إذ تتفاوت نسب البطالة من دولة إلى أخرى، ففي المملكة تصل إلى 12 في المئة، وفي الإمارات إلى 14 في المئة، وفي البحرين 7 في المئة، بحسب بعض التقارير، مع هذه الأرقام المفزعة تكون القضية مقبولة في عهد الطفرة النفطية، ولكن كل دول الخليج تعاني من هذه المشكلة، التي قد تكون قنبلة موقوتة إذا لم يتم معالجتها على مستوى الدول مجتمعة، فلا يكفي إصدار بعض الأنظمة وعدم تفعيلها أو ضبابيتها، فلماذا مثلاً لا يكون للمواطن الخليجي الأولوية في التوظيف في دول المجلس وفي أي قطاع حتى القطاعات العسكرية؟ فأرقام أبناء الدول الخليجية الذين يعملون في دول خليجية أخرى تظل متواضعة، بل إن بعض الدول لا تحبذ عمل أبنائها في تلك الدول ولأسباب غير معروفة وغير منطقية، وقد تكون قطر رائدة في استقطاب الكفاءات الخليجية ومعاملتها كما تعامل مواطنيها، فلا يمكن أن نتحدث عن مصير واحد كما نفعل منذ عشرات السنيين ولا نعمل على تخطي مثل هذه المسألة ونرحب بالأجانب في دولنا ونحرّمها على أبناء الخليج.

نستبشر خيراً بتصريحات ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الأسبوع الماضي على هامش الاجتماع الأول لهيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية لدول مجلس التعاون، عندما قال إنها فرصة «للتكتلات» في عالم اقتصادي يشوبه التقلبات، وأعتقد أن الاعتماد وتسهيل حركة العمل بين أبناء دول المجلس هي من الخطوات المهمة للقضاء على البطالة، وتقليل الآثار الخطرة للعمالة الوافدة في منطقتنا، فمن يعلق الجرس؟!