شمسان بن عبد الله المناعي

 هل الانتصار من خلال الحروب العسكرية التي يقوم بها التحالف الدولي على «داعش» سوف تترتب عليه نهاية الإرهاب في العالم؟ صحيح أن كل دول العالم تريد نهاية لـ«داعش» والإرهاب ولكن ماذا بعد «داعش»؟ اختزال ظاهرة الإرهاب في العالم في تنظيم داعش فقط فيه كثير من التجاهل لظاهرة الإرهاب وحقيقتها في العالم. في الماضي تم اختزال الإرهاب في تنظيم «القاعدة»، وولدت «القاعدة» تنظيمات أكثر إرهابًا منها وهي «داعش» وأخواته! هناك أشكال متعددة للإرهاب في مناطق متعددة من العالم؛ ومنها على سبيل المثال الميليشيات الطائفية الإرهابية التي شكلتها إيران، وتحديدًا في العراق «الحشد الشعبي»، وفي سوريا ولبنان «حزب الله» واليمن «الحوثيين» وتمدها بالمال والسلاح لتحقيق أهدافها وتقوم بالتدخل في شؤون هذه الدول، ألا يسمى ذلك إرهابًا، وألا يتسبب ذلك في نشأة إرهاب مضاد من التجييش الطائفي المضاد؟
يقول ديفيد غاردنر، في صحيفة «الفايننشيال تايمز» البريطانية إن «الحملات العسكرية لاستعادة مدينتي الموصل العراقية والرقة السورية من أيدي (داعش)، لا تعني أن هذا التنظيم بدأ يتصدع، كما تشكّك هذه الحملات أيضا في نجاح الرئيس الأميركي أوباما في الانتصار على (داعش) في الرقة والموصل قبل انتهاء فترة ولايته». ويعتقد غاردنر أن الإرهاب في العراق وسوريا لن يتم حسمه عبر ساحات القتال، بل يحتاج إلى وجود طرح سياسي شامل واستراتيجية متكاملة لتحويل مشاعر المسلمين عن الفكر الذي يروجه «داعش» وأمثاله. محاربة «داعش» تحتاج إلى إقامة نظام حكم يمثل كل مكونات البلد، ففشل الحكومة العراقية في محاربة «داعش» نابع من عجزها ومن انعدام شرعية تمثيلها لكل مكونات الشعب العراقي، وكذلك الحال مع النظام السوري.
ولعل أول بؤرة بدأ منها الإرهاب هي إسرائيل التي مارست الإرهاب ضد الشعب الفلسطيني ولا تزال، وتجاهل المجتمع الدولي وبالتحديد أميركا وبعض الدول الأوروبية للقضية الفلسطينية، حيث ظل هذا الشعب لأكثر من نصف قرن من دون وطن أو دولة، وتعرض لأصناف من أعمال العنف الإسرائيلية ألم يكن ذلك إرهابًا؟ وكل القرارات التي وافق عليها مجلس الأمن حول هذه القضية إما أنها تم وضعها على الرفوف وإما نقضها من خلال استخدام أميركا للفيتو لأكثر من قرار لحل هذه القضية. إن الإرهاب لن ينتهي في العالم ونركز هنا على القضية الفلسطينية لأنها سبب لكل الانتفاضات التي قامت في الدول العربية.
لذا حتى يتم القضاء على ظاهرة الإرهاب يجب إيجاد حل لقضية الشعب الفلسطيني ذلك هو المدخل لاجتثاث ظاهرة الإرهاب من جذورها، ولن يتم ذلك من دون إصلاح هيكلية النظام الدولي الذي أصبح كما لو كان تحكمه دولتان فقط هما روسيا وأميركا بعيدًا عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن. وهناك أصوات في أوروبا أقرت بهذه الحقيقة، حيث شنت النائبة بمجلس اللوردات البريطاني البارونة جينيفر تونغ، هجوما حادًا على إسرائيل، مؤكدة أنها سبب تصاعد الإرهاب وظهور تنظيم داعش، الأمر الذي دفع البعض للمطالبة بعزلها.
وقالت تونغ - المعروفة بهجومها على إسرائيل ومساندتها للقضية الفلسطينية - في مناقشة بمجلس اللوردات حول الأوضاع المعيشية للأطفال الفلسطينيين، إن إسرائيل «تخلق جيلا من الإرهابيين الذين سيجدون ضغينة مبررة تجاه إسرائيل والدول التي تساندها»، بحسب صحيفة «الإندبندنت» البريطانية.
وأضافت البارونة بعد مناقشة حوادث إطلاق النار على الأطفال الفلسطينيين من جانب جنود إسرائيليين، أن «معاملة الإسرائيليين للفلسطينيين سبب أساسي في ظهور التطرف و(داعش)».
ولذا على دول العالم إذا ما أرادت أن تتخلص من ظاهرة الإرهاب أن توجد حلا للقضية الفلسطينية، وأن تدرك أن القضية الفلسطينية هي قضية عربية إسلامية لوجود المسجد الأقصى.
ومما زاد من تعقيد هذه القضية لكي تكون مصدرًا للإرهاب المضاد هو أن بعض الصراعات التي تحدث في المنطقة أخذت من القضية الفلسطينية قميص عثمان لتبرير تدخلها في دول المنطقة وتحقيق أطماعها الخاصة؛ مثل إيران التي تدخلت في لبنان وأوجدت منظمة إرهابية حسب التصنيف الدولي، هو «حزب الله» لكي يدخل في حروب مع إسرائيل على حساب قضية الشعب اللبناني، حيث إن «حزب الله» أصبح دولة داخل الدولة وتدخل في القضية السورية، وهنا نتساءل عندما تختطف دولة ألا يسمى ذلك إرهابًا وتدخلا في قضايا عربية كثيرة وهو لا يزال مصدرًا للإرهاب.
لذا فإن المدخل السياسي وحل قضايا الشعوب هو الحل للقضاء على الإرهاب الدولي، وعلى هذا الحل لا بد أن تجتمع الأمم، أما أن نرسل الطائرات والأسلحة ونقوم بحروب الأرض المحروقة كما يحصل الآن في حلب، حيث تقوم الطائرات الروسية بقصف حلب على بكرة أبيها، ولا تفرق بين مقاتل ومدني، فهذا لن يقضي على الإرهاب إنما سوف يزيد الإرهاب إرهابًا أكثر منه، وهذا ما سوف يحدث في العراق واليمن وكما يقول الشاعر:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا/ ويأتيك بالأخبار من لم تزود
فهل تعي دول العالم المتقدمة حقيقة الإرهاب وأسبابه الحقيقية وفق الرؤية الشاملة التي طرحتها، أم تظل ماضية في حشد الجيوش واستخدام أحدث الأسلحة، وبذلك يظل الإرهاب وباءً لا يمكن