زياد الدريس

طوال التاريخ السياسي للبشرية، ظل المال عصباً أساسياً لتوجهات الدولة وانحيازاتها، وليست القيم كما يظن كثيرون، هذا طبعاً باستثناء حالات فردية ضئيلة، لا تكسر القاعدة.

ثم توسّع النفوذ المالي داخل كيان الدولة وتمدّد مع تطور النموذج الرأسمالي للدولة الحديثة، فأصبح أصحاب رؤوس الأموال هم ذوو التأثير والنفوذ الأكبر في قرارات الدولة.

ولما تغوّلت الرأسمالية وطغت في منتصف القرن الماضي، أصبحت الشركات هي التي تدير الدول وتحدد أين تكمن مصالحها، بل إن الشركات الكبرى هي التي تتحكم في عملية التصويت للرئيس القادم!

وبدا جليّاً في الآونة الأخيرة أنْ لم يبقَ للرأسمالية الجارفة من هدف تطمح إليه سوى أن يكون رئيس الشركة هو رئيس الدولة.

وبفوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية، الأسبوع الماضي، تكون الرأسمالية قد حققت بالفعل ذروة طموحها ونجاحاتها.

هل نستطيع إذاً أن نقول إن هذه هي نهاية الرأسمالية؟!

دعونا نتعرف إلى ملامح الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأميركية:

‎إنه رجل أعمال ومطوّر عقاري وصاحب مطاعم وكازينوات ومنتج إعلامي ومذيع برنامج ألعاب ومصارع ولاعب غولف. وبحسب «ويكيبيديا»، فقد غدا اسم (ترامب) ماركة تجارية مسجلة على عدد من المنتجات العقارية والغذائية والتعليمية (للتعليم العام والعالي) والمطبوعات والأسواق والأزياء الرجالية والساعات والآيس كريم والفودكا، وقد يكون من المهم لتفسير بعض الظواهر الاجتماعية المحيطة به أن نعرف بأن دونالد ترامب هو المالك لمنظمة ملكة جمال الكون!

‎تعرّض هذا البلدوزر المالي للإفلاس (الجزئي) ثلاث مرات في حياته، في العام ١٩٩١ عندما تراكمت عليه ديون عديدة كادت تودي بتجارته كلها، وما إن تعافى من النكسة حتى كاد أن يقع مرة أخرى في العام ١٩٩٥ جراء مقامرة كبرى. ثم أعلن أو كاد أن يعلن إفلاسه في العام ٢٠٠٨ إبان الأزمة المالية التي ضربت العالم كله، لكنه رجع وتعافى مالياً من جديد، حيث وضعته مجلة «فوربس» في العام ٢٠١٥ في مصاف الأثرياء ببلايين الدولارات.

لن أنشغل بتصريحات ترامب (الانتخابية)، سواء تلك التي مع إسرائيل، أو تلك التي ضد المهاجرين، لأننا بتنا نعرف ما تبلغه الوعود الانتخابية من مصداقية بعد استلام الرئاسة. لكني سأنشغل وأقلق من نزعاته الرأسمالية، التي هي ليست من الوعود الانتخابية بل من صُلب بُنيته العقلية والسلوكية.

يتضح من تاريخ ترامب الطويل، أنه إنسان عنيد ومقامر، ولن يتورع عن المقامرة بمستقبل أميركا الاقتصادي والسياسي، والمقامرة عادةً ما تُفضي إلى كسب كل شيء أو خسارة كل شيء!

لن يقبل ترامب الحالة المتأرجحة التي تبدو عليها واشنطن الآن، إذ لا هي بالقطب الأوحد كما تشتهي، ولا هي التي استسلمت لقطب أوحد آخر كما يشتهي بوتين. هل سيحسم ترامب هذه الوضعية الرخوة لحالة أميركا، فيؤول بها إلى أحد الخيارين الحاسمين؟!

والسؤال الذي يعنينا أكثر: هل سيقامر الرئيس الجديد بمشاكل العالم عموماً، وبنزاعات الشرق الأوسط بشكل خاص؟!

يدرك ترامب بمهارته المديدة في اقتناص الفرص الاستثمارية أن تجارة الحروب والسلاح في الشرق الأوسط يمكن أن تظل أحد «مصادر تنويع الدخل» للولايات المتحدة!

للأسف، فإن هذا هو المبرر الحقيقي الوحيد للرئيس الأميركي المقامِر كي يُبقي على اهتمامه بمنطقة الشرق الأوسط و «رعايته» لمشكلاتها المستديمة.