محمد خلفان الصوافي
تحتفل الأمم المتحدة ومعها دولة الإمارات اليوم بـ «يوم التسامح» العالمي الذي يوافق السادس عشر من نوفمبر من كل عام. وبلا شك، فإن تخصيص هذا اليوم ليكون يوماً للتسامح بدءاً من عام 1996، ليس بلا معنى أو دون أسباب، خاصة خلال العقدين الماضيين، حيث شهدت هذه الفترة حالات من العنف والتطرف بكل أنواعهما، وإنْ كان العنف المذهبي هو الأكثر بروزاً، حيث ذكّرتنا تلك الحالات بما كان يحدث في القرنين السابع والثامن عشر من حروب دينية في أوروبا. وقد طرحت فكرة أو مصطلح التسامح في ذلك الوقت من قبل الفيلسوف الإنجليزي «جون لوك».

وبالنظر لإقرار هذا اليوم كيوم دولي للتسامح، فإنه جاء كحاجة منطقية ضمن تغيرات دولية منها، انتهاء الدولة العنصرية في جنوب أفريقيا، وشراسة الحروب العرقية والدينية عقب ذلك في كل من البوسنة والهرسك ورواندا وبوروندي، وما نراه اليوم في المنطقة على أيدي تنظيمات مثل «داعش» وقبله تنظيم «القاعدة»، إلى أن وصلت الحدة مداها بين أبناء البلد الواحد (السنة والشيعة)، وكان أحدث ذلك في مطلع هذا الأسبوع الهجوم على مرقد صوفي وعلى مسجد للشيعة في باكستان.

إن مجرد تخصيص يوم عالمي للتسامح يؤكد أن الأمر يحمل دلالات بأن الفكر المضاد له أصبح يحتل أولوية قصوى في الخطاب والممارسة، وبالتالي فإن الأمر لم يكن مصادفة، لا في الماضي ولا في وقتنا الحالي، ولا أظن أنه جاء نتيجة لرفاهية التفكير لدى صانعي القرار في العالم، وإنْ كان الأمر بالنسبة لدولة الإمارات له تشخيص آخر وهو «السلوك الاستباقي» كما هو المعتاد في كل خطواتها الوقائية التي تسبق وقوع الحدث، ولأنها تعيش وسط منطقة متفجرة بالتعصب الديني والطائفي واللذين عانت منهما بلدان كثيرة، ولأنها تستضيف جاليات من مختلف الأديان والأعراق، والأهم لأن منهج الإمارات في حل المشكلات والأزمات يقوم على تبني استراتيجية استباقية في معالجة الأسباب والمصادر والاحتمالات.

وبشكل عام، يبدو المجتمع الدولي وكأنه يفتقر إلى بيئة ثقافية وسياسية تزرع قيمة التسامح والاعتدال أو الوسطية، فبملاحظة أن هناك صعوداً للأحزاب اليمينية المتطرفة أو الأشخاص الذين يميلون إلى الخطاب العنصري في الغرب ضد أهل الشرق، فإن هناك في الشرق جماعات تدين بفكر يبشر بإقصاء الآخر المختلف معه أياً كان، وهذا الآخر قد يكون من دينه نفسه وربما طائفته، ما يعني أننا بحاجة إلى أكثر من يوم للتسامح في العام كي ننتصر على العنف بالكامل.

تخصيص يوم للتسامح مهم والاحتفال مع بقية الدول أمر ضروري، لكن يبقى الأكثر أهمية هو الممارسة العملية، حيث تتبخر الحماسة عادة مع انتهاء الاحتفال، لهذا تجد المناهج والتشريعات الإماراتية تتحسب لهذا، وهي جادة في تطبيق السياسات العامة بهذا الخصوص.

اعتدنا من الإمارات تصرفات لا يتوقعها المراقبون، بل تدهش المحللين الاجتماعيين، فهي رغم أنها لم تشهد حالة قتل لأسباب لها علاقة بالتعصب، كما يحدث حولها بأرقام قياسية في المنطقة، لكنها تعمل مع المجتمع الدولي، وكأن ما يحدث لدى الآخرين يمسها مباشرة. فإلى جانب القوانين والتشريعات التي تمنع التعدي على الآخر لأسباب دينية أو طائفية، فإن الحكومة أنشأت وزارة للتسامح، لهذا كان طبيعياً أن تحظى خطواتها باهتمام من الذين عرفوا عنها سلوكاً مختلفاً عن المألوف. فقد أذهلهم التوجه نحو التهدئة والتسامح الديني والطائفي والاجتماعي، ورفض المخاطبات والشعارات والبرامج المتطرفة وإنشاء المؤسسات والمراكز البحثية.

وبالنسبة للكثير، تبقى الإمارات نموذجاً للتسامح قابلاً للمحاكاة، ويكفي أن تمر أمام ديوان ولي عهد أبوظبي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان كي ترى لوحة فنية تعبر عن رسالة الإمارات إلى العالم، أي رسالة «التسامح»، وهناك من يراها معمل تجارب ناجحاً للتعايش الإنساني، لديها القدرة على جمع أكثر من 200 جنسية من مختلفي الأديان والطوائف والأعراق واللغات، بما يثبت قدرتها الفائقة على التأقلم والتحول إلى بوتقة كبيرة لصهر الإيجابيات.

نجحت دولة الإمارات فيما فشلت فيه العديد من الدول، ففي ظل قيادة تؤمن بفكر التعايش بين الشعوب، انتهجت الإمارات فكراً متسامحاً في كل شيء، في العبادة من خلال تجاور المسجد والكنيسة، كما هي الحال في منطقة المشرف بأبوظبي، وبين الأعراق، حيث يوجد أكثر من عرق إنساني ومن دول مختلفة، وبين المذاهب في مختلف الأديان، وما زال لديها الكثير مما تقدمه للإنسانية في يوم احتفالها بيوم التسامح العالمي.