عائشة المري

دخلت عملية استعادة مدينة الموصل أسبوعها الرابع، وبرزت العوامل السياسية والاجتماعية والعسكرية والجغرافية المعقدة التي تجعل من المعركة صعبة، ولم تكن هذه العوامل موجودة خلال معارك استعادة المدن العراقية الأخرى كتكريت وبيجي والرمادي والفلوجة، حيث تباطأ تقدم القوات العراقية في مدينة الموصل مع اقترابها من الأحياء ذات الكثافة السكانية الكبيرة، حيث لا يمكن الاعتماد على الضربات الجوية، خشية سقوط ضحايا من المدنيين الذين أجبرهم مسلحو «داعش» على البقاء في منازلهم، وحيث لا يزال نحو 1,5 مليون مدني في المدينة، وتسود مخاوف بشأن استخدامهم دروعاً بشرية من قبل التنظيم. وبعد موجة من هجمات مسلحي «داعش»، ذكرت تقارير إعلامية أن الوضع داخل الموصل بات يمثل كابوساً للجنود الذين يواجهون هجمات انتحارية مفاجئة ورصاص القناصة من المسلحين الذين يستخدمون شبكة أنفاق في تحركاتهم.

تحوي معركة الموصل أطرافاً متناقضة ومصالح متضاربة، ما قد يؤدي إلى اندلاع معارك هامشية بين ميليشيات طائفية مختلفة وراءها تركيا وإيران، بدل المعركة الأصلية مع «داعش»، أما الولايات المتحدة التي تودع الرئيس أوباما، فتظهِر دعمها لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مقابل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. فتركيا لا تريد البقاء خارج اللعبة في الموصل، وما يقلق أردوغان ليس مجريات معركة الموصل، بل ميزان القوى الجديد الذي سينتج عنها، فتغيير التركيبة السكانية للموصل سيؤدي إلى توطين الميليشيات الشيعية في بلدة تلعفر التي يغلب عليها التركمان، ما يجعلهم تحت النفوذ الإيراني، ويحولها إلى قاعدة إيرانية أخرى. وقال أردوغان: «إن مدينة تلعفر ذات الغالبية التركمانية قضية حساسة بالنسبة لتركيا»، وهو ما يزيد من تعقيدات العملية العسكرية.

وبينما لا تزال غالبية القوى السنية المنخرطة في العملية السياسية ترفض إشراك قوات «الحشد الشعبي»، في معارك تحرير الموصل، أعلنت هيئة «الحشد الشعبي» الشهر الماضي صدور تكليف رسمي لـ«حركة عصائب أهل الحق»، إحدى فصائل الحشد الشيعي، بتحرير مركز قضاء «تلعفر»، وبرر المتحدث باسم الحشد الشعبي، أحمد الأسدي، بدء الزحف باتجاه مدينة تلعفر (55 كيلومتراً غرب الموصل) بالقول إن الميليشيات تهدف إلى قطع أخطر خط يربط المدينة بالرقة في سوريا، أي طريق الإمداد الوحيد لـ «داعش». لكن انتشار مسلحي الحشد من الجهة الغربية في حال نجحوا باستعادة تلعفر سيدفع بالمدنيين إلى عدم استخدامها، خوفاً من تعرضهم لانتهاكات عانى منها أبناء مناطق سنّية كانت الميليشيات قد شاركت في تحريرها من «داعش»، كالرمادي والفلوجة.

لكن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، ونتيجة للضغوط المحلية والدولية، قرر مطلع الشهر الجاري تكليف الجيش بالمهمة وفقاً لمسؤولين عراقيين، بينما تولت فصائل من «الحشد الشعبي» في الفترة من 29 أكتوبر إلى 5 نوفمبر، القيام بعمليات عسكرية في المحور الغربي للموصل باتجاه قضاء «تلعفر»، واستطاعت تحرير 74 قرية واستعادة السيطرة على 1400 كم مربع، وقطع إمدادات مسلحي «داعش» بين مدينة الرقة السورية والموصل. وكان «الأسدي» قد صرح في مؤتمر صحفي ببغداد، 29 أكتوبر الماضي، بأن «الساحتين السورية والعراقية متداخلتان، ما يستدعي الذهاب إلى أي مكان يكون فيه تهديد للأمن القومي العراقي، وهذا سيكون من خلال التنسيق بين الحكومتين العراقية والسورية». لذا يرى متابعون للشأن العراقي أن ميليشيات «الحشد الشعبي»، ونظراً لارتباطها، قيادة وتسليحاً وتمويلاً، بطهران، فهي تنفذ الأجندة الإيرانية وتسعى من وراء مشاركتها في تحرير الموصل إلى مد نفوذها، ومن ورائه نفوذ إيران إلى مناطق الأكثرية السنية لترسيخ حضورها هناك. ولا تخفي طهران رغبتها في إبعاد النفوذ التركي عن العراق وكردستان، كما هي سياستها في سوريا. ولا تزال معركة التناقضات مستمرة في الموصل وتلعفر.