تصاعد حدة التصريحات المتبادلة بين زعماء أحزاب مغربية مرشحة للمشاركة في الحكومة

أخنوش يبدي استغرابه من تصريحات بن كيران ويحمّله مسؤولية تعثر مشاورات تشكيلها

محمود معروف

تصاعدت حدة التصريحات المتبادلة بين زعماء احزاب مغربية مرشحة للمشاركة في الحكومة المقبلة التي كلف عبد الاله بن كيران زعيم حزب العدالة والتنمية (ذات المرجعية الاسلامية) بتشكيلها، الا انه التصعيد الذي يفتح الباب لتجاوز المأزق الذي تعيشه البلاد، بسبب تأخير تشكيل الحكومة، بعد مضي أكثر من 47 يوماً على تكليف بن كيران.
التصعيد جاء من عزيز أخنوش، رئيس التجمع الوطني للأحرار، بتصريحات يرد فيها على بن كيران وما جاء في كلمته امام اللجنة المركزية لحزبه واتهم فيها اخنوش بالابتزاز وممارسة ضغوطات، لتجريده من صلاحياته كرئيس حكومة، ورد بن كيران ومعه ايضاً عدد من قيادات حزبه على اخنوش، وزير الفلاحة ورجل الاعمال المعروف وبدأ يطلق عليه وصف «صديق الملك» والذي تولى رئاسة التجمع نهاية الشهر الماضي بعد استقالة رئيسه السابق صلاح الدين مزوار، بعد تراجع الحزب في التشريعيات واحتلاله المرتبة الرابعة بحصوله على 37 مقعداً فقط.
وابدى زعيم التجمع استغرابه من تصريحات عبد الاله بن كيران، التي حمله بمعية أمناء عامين آخرين، مسؤولية تعثر المشاورات حول تشكيل التحالف الحكومي وقال «فوجئت مما صدر عن رئيس الحكومة، وتحميله أسباب تأخر تشكيل الحكومة لأطراف أخرى»، مضيفاً: «هذا الهجوم غير مفهوم على حزبنا «التهجم بشكل غير مسبوق على حزب حصل على 37 مقعداً حسب رئيس الحكومة هو أمر غريب حقاً».
وقال أخنوش، في تصريح صحافي وزعه مساء أول من امس الثلاثاء، «إذا كنا حزباً «معطوباً» بهذا الشكل وكان كلامنا مزعجاً و لا يعجب، لماذا ينتظرنا رئيس الحكومة لتشكيل تحالفه؟» واعتبر ان تصريحات بن كيران تسيء لمؤسسة رئيس الحكومة والطريقة التي يفكر بها، ويتعامل بها مع الفرقاء السياسيين.
وتساءل «هل بهذا الشكل نتحدث عن الحلفاء المحتملين لتشكيل التحالف الحكومي؟ وهل بهذا الخطاب السياسي سنستمر بالعمل سوياً خلال 5 سنوات من أجل خدمة الوطن؟» واكد أنه لا يمكن أن يقبل بأي شكل من الأشكال بـ»هذه الأجواء التي تخالف تماماً طريقتنا في التفكير والعمل». وشدد أخنوش، على أنه لا يريد ان يضيع الوقت في الكلام الفارغ والتصريحات الجوفاء، «ليست هذه الطرق من أعرافنا في التجمع الوطني للأحرار، وليس هذا الخطاب هو ما ينتظره الشعب المغربي». وأشار أخنوش، إلى أن التخوفات التي عبر عنها شخصياً خلال لقائه بنكيران، تتأكد اليوم من خلال تصريحاته الأخيرة.
ونشر الموقع الرسمي لحزب العدالة والتنمية فيديو يعود الى لقاء داخلي الاسبوع الماضي تحدث فيه بن كيران عن فحوى مشاوراته مع اخنوش، واعتبر أن للاحرار حزباً معطوباً في اشارة الى فقدانه لـ 15 مقعداً في الانتخابات الاخيرة مقارنة مع انتخابات 2011، وانزعجت قيادة العدالة والتنمية من الشروط التي حملها اخنوش الى بن كيران، وأولها ابعاد حزب الاستقلال من الحكومة وثانيها وعدم توزيع الدعم المالي على الفقراء كشرط لدخول الأحرار إلى الحكومة وهو ما رفضه بن كيران وتشبث بحزب الاستقلال رافضاً «اقتسام سلطة رئيس الحكومة مع آخرين».
وسارع عبد الاله بن كيران الى الرد على اخنوش وقال «لا اريد «العار» مع أخنوش لكني لا اقبل لن اي ابتزاز في مشاورت تشكيل الحكومة» وان وصفه التجمع الوطني للاحرار بالمعطوب، كان يعني وصف وضعيته حين كان بدون رئيس، «ولا يتعلق الأمر هنا بمعيورة (بالاساءة) ولا داعي للتصرف على هذا الأساس، لكنني لا أعرف كيف يمكن فهم كيف يقوم حزب في مرحلة صعبة استقال فيها رئيسه، بضم حزب آخر إليه بتلك الطريقة».
واكد بن كيران «حنا ما بغينا عار مع السي أخنوش ( لا نريد العار مع اخنوش)، لكن ليكون الأمر واضحاً، أنا اعتبرتهم الحزب الأول في أغلبيتنا السابقة، وجعلتهم في المرتبة الاولى في المشاورات، لكن إذا كانوا لا يرغبون في الالتحاق بالأغلبية الجديدة على راحتهم، لكن ليتأكد الجميع أنه لا مجال لأي ابتزاز».
وقالت مصادر حزبية مغربية ان لقاء يجمع بين بن كيران واخنوش الاسبوع القادم، يمهد الطريق لهدوء يؤدي الى تشكيل الحكومة، بمشاركة التجمع وحزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية، بعد ان ساد الانزعاج داخل العدالة والتنمية ضد ادريس لشكر الكاتب الاول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لعدم اعلانه مؤخراً عن موقف واضح بدعم بن كيران والمشاركة بحكومته، رغم اعلانه في جولة المشاورات الاولى عن التزامه بتسيير مهمة بن كيران. 
ودعا محمد يتيم، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، كل الأطراف المعنية إلى تحمّل مسئوليتها التاريخية في إخراج الحكومة المنتظرة، ومراجعة مواقفها بالعودة إلى قواعد الديمقراطية والنجاعة، بدل المناورات التي تسعى لإفراغ اقتراع السابع من تشرين الاول/ أكتوبر من حمولته الديمقراطية.
وأشار يتيم إلى أن تعيين الملك محمد السادس لعبد الإله بن كيران رئيسا للحكومة مكلفا بتشكيلها جاء متجاوبا مع مسار البناء المذكور ومكرسا لتأويل ديمقراطي للدستور، وانطلاقا من نفس المنطق والتأويل الديمقراطي، وذلك في رسالة واضحة مفادها ضرورة احترام الإرادة الشعبية واعتبار القواعد الديمقراطية.
واعرب يتيم عن اسفه لـ»مناورات قوى النكوص والعرقلة التي منيت بهزيمة منكرة خلال استحقاقات السابع من أكتوبر الالتفافية والتي حاولت من خلالها إفراغ تلك الاستحقاقات من محتواها من خلال محاولة انقلابية في اليوم الموالي لإعلان النتائج، أنه من غير المعقول أن يسير التفاوض في تشكيل الحكومة بعيداً عن المنطق الديمقراطي وبعيداً عن احترام إرادة المواطنين باعتماد منطق المناورات والاشتراطات التي تنتهي في نهاية المطاف إلى إفراغ الانتخابات كلها من مضمونها، وإرادة المواطن التي عبر عنها تعبيراً حراً من محتواها». 
ولمح مسؤول في الحزب الى جهات عليا (توصف مغربياً بقوى التحكم) تضع العصي في عربة بن كيران بعد فشلها في تحقيق هزيمته يالانتخابات وقال عبد العالي حامي الدين عضو الأمانة العامة ونائب رئيس المجلس الوطني للحزب «أن جميع الأحزاب السياسية تريد المشاركة في الحكومة لكن انطلاقاً من مرجعيتين مختلفتين، هناك من يريد أن يشارك في الحكومة انطلاقاً من إرادة التحكم في رئيس الحكومة والالتفاف على إرادة المواطنين، وأن يربح بالمفاوضات ما خسره في الانتخابات وهناك من يريد حكومة قوية ومنسجمة انطلاقاً من مبادئ الدستور واحترام إرادة المواطنين والتسليم بنتائج 7 تشرين الأول/أكتوبر والتعامل مع عبد الإله بن كيران كرئيس حقيقي للحكومة المعينة من قبل الملك.
واعتبر حامي الدين أنه في جميع الديمقراطيات هناك منتصرون وهناك خاسرون بعد الانتخابات، وعادة ما يسلم الخاسرون بالهزيمة ويستعدون لجولة انتخابية أخرى، وأن على الجهات التي استثمرت في الحزب المعلوم (في اشارة لحزب الاصالة والمعاصرة) أن تعترف بفشلها وتسلم بهزيمتها وتتخلى عن المناورات القديمة التي أثبتت فشلها الذريع.
وأكد أن الدولة القوية لا تخاف من نتائج الانتخابات وتسهر على احترام إرادة المواطنين، وأن الدولة القوية هي فوق الأحزاب وفوق الصراعات، معتبرا أنه لا داعي لبعض السرديات التي تضعف كيان الدولة وتدخلها في الحسابات الحزبية الصغيرة.
ودعا المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، الذي اكد مشاركته بالحكومة، إلى التعجيل بتمكين مؤسستي الحكومة والبرلمان من الاضطلاع بمهامهما الدستورية في أقرب الأوقات، وذلك من خلال تجاوز وضعية الجمود والفراغ المؤسساتي الذي تعرفانه.
وشدد بلاغ للحزب «على ضرورة تحلي كل الفرقاء السياسيين بأقصى درجات الحكمة والنضج والتبصر من أجل تدبير المرحلة وفقاً لمقاربة توافقية بناءة ومرنة، تعتمد حلولاً وسطى مرحلية كفيلة ببلورة الإرادة الشعبية المعلن عنها في انتخابات 7 أكتوبر».
ونبه إلى ضرورة التعجيل بتجاوز الفراغ التنفيذي والتشريعي لتمكين المؤسستين من الانكباب «على تدبير قضايا وملفات الشأن العام الوطني في اتجاه مواصلة الإصلاح في مستوياته المختلفة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية».
وقال المحلل السياسي، عبد الرحيم العلام، إن عزيز أخنوش يستفز بن كيران وهو يعلم جيدا أنه يستحيل لبن كيران أن يتجاوزه في تشكيل الحكومة، لان التجمع الوطني للأحرار «مفروض على بن كيران، وهذا يضرب في عمق مصداقية العمل السياسي المغربي ويؤكد أطروحات الجهات التي تقاطع الانتخابات».
وأضاف العلام «لا يعقل أن حزباً حصل على المرتبة الرابعة يؤجل تشكيل الحكومة إلى حدود اليوم، في الوقت الذي كان يمكن أن تتشكل في خمسة أيام».
وأوضح العلام أن «الدستور هو المعطوب وليس حزب الأحرار، وأن عزيز أخنوش يعلم جيدا حقيقة الواقع السياسي المغربي والحياة السياسية غير المنضبطة، وقال «أخنوش يستمد قوته من كونه مسنوداً من جهات معينة على حد تعبير بن كيران». وربط المحلل السياسي ما يقع حالياً، بالصراع الذي كان قائما في ستينيات القرن الماضي بين الزعيمين اليسارين عبد الرحيم بوعبيد والمهدي بنبركة من جهة واحمد رضى كديرة المقرب من الملك الراحل الحسن الثاني، «دائما ما كان بوعبيد وبن بركة يقولان إنهما لا يهتمان باكديرة لأنه ظل لمولاه، وبالتالي هذه المسألة التاريخية يمكن أن نفسر بها ما يحدث اليوم».