أحمد عبد الملك

لقد حصل ارتباك واضح خلال السنوات الأخيرة، بعد أن ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي، وتوفرت منصات للرأي المخالف لما تقوله وسائل الإعلام التقليدية، وتفتحت أعين مواطني الدول العربية على حقائق عدة لا يمكن حجبها. وهذا ما أدى إلى إضعاف دور ومصداقية العديد من وسائل الإعلام التقليدية. وفي وضع كهذا يتوجب تغيير صيغة الرسالة الإعلامية، وتلك النشرات أو التوصيات التي تخرج عن اجتماعات ومؤتمرات حقوق الإنسان في المنطقة، لأن الآتي سيكون أصعب، ولسوف تتوفر تقنيات جديدة لا تعترف بالمنع أو الحجب، وسيتبلور مفهوم حرية الرأي في المنطقة بشكل لا سابق له! إن جمهور الإنترنت لا يُمكن أن يتقبل رسائل إعلامية صدرت في السبعينيات، ولا يمكن أن يهضم بيانات وبلاغات غير واقعية. والواقع يفرض تغيّر المنصات والنصوص، وتحريك العقول، كي تستوعب آليات وحتميات العصر، بعيداً عن الشعارات التي لا يمكن أن تنفع شعوب المنطقة.

وتشير المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان، وعلى استحياء، إلى بعض القضايا المهمة التي تتابعها دون أن تناقشها. كأن يُشير أحد هذه التقارير إلى تأخير صدور قانون بشأن قضية معينة، دون أن يبحثها بحثاً مستفيضاً أو يقدِّم الأسباب التي أدَّت لذلك التأخير، بل توجد قوانين تجاوزها الزمن، لم تخضع للتنقيح أو التطوير لملاءمة العصر.

وتكتفي اللجان الوطنية لحقوق الإنسان برصد الندوات والمؤتمرات التي أقامتها، والتي غالباً ما يكون أكثر المتحدثين فيها من خارج المنطقة! كما لاحظنا أن عمل أغلب هذه اللجان يقتصر على رعاية وحماية حقوق العمال، ومناقشة بعض القضايا العالقة بين العمال وأرباب العمل، وتحاول التدخل بين الطرفين. وقد تنتصر للعمال الذين تتأخر رواتبهم، أو الذين يتضح أن ظروف سكنهم غير ملائمة.. فتقترح إجراءات بهذا الخصوص، ومع أن هذه القضايا مهمة وتمس سمعة المجتمعات والدول، فإننا نعتقد بأن دور اللجان الوطنية لحقوق الإنسان يمتد إلى الدفاع عن حقوق الأفراد أيضاً، تماماً كما هو الحال في مناقشة قضايا الرأي، والتي تُعتبر على المستوى الدولي من أهم القضايا، بل إن التقرير الدوري الشامل، والذي يُقدم سنوياً لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، يتضمن الإجراءات المتخذة بهذا الخصوص.

كما أن بعض اللجان الوطنية لا تقترب من موضوع المجتمع المدني، الذي يُعتبر دعامة أساسية لتأكيد مفهوم حقوق الإنسان، بل هناك من الكتاب العرب من يحذرون من وجود «أجندات خارجية» لمنظمات المجتمع المدني، بغية دقِّ إسفين بين هذه المنظمات وبين الحكومات.

ومن ناحية أخرى، نلاحظ غياب الإعلام عن مناقشة هذه القضية، وكذلك عن الأعمال الإبداعية كالرواية والقصة والمسرح والتلفزيون! رغم أن للإعلام دوراً كبيراً في توضيح الصورة، وتعريف الجمهور بالقضايا التي تمسّ حياته ومستقبله، تماماً كما هو الحال مع المسلسلات التلفزيونية التي يتابعها جمهور غفير من المشاهدين، لكن غياب الإعلام العربي عن بعض القضايا، سمح للإعلام الغربي المضاد أن يشوه واقع الحال، وأن يتناول قضايا تتعلق بحقوق الإنسان بشكل مغلوط يؤثر على مواقف الرأي العالمي حيال المنطقة!

وشخصياً أعتقد أنه على اللجان الوطنية لحقوق الإنسان في المنطقة مسؤولية كبرى تجاه تفسير مصطلح حقوق الإنسان في المقام الأول، وألا تؤخذ بالأشكال الجاهزة والمظهرية التي لا تمس واقع الحال، ولا تقترب من معالجة القضايا التي هي من صلب عملها.

لقد درس المجلس الوزاري لمجلس التعاون مشروع «ميثاق حقوق الإنسان لمجلس التعاون» منذ أكثر من ثلاثة أعوام، وأصدر الأمين العام قراراً بإنشاء إدارة لحقوق الإنسان في الأمانة العامة للمجلس، لكن لم يحدث أي شيء ملموس في هذا الاتجاه.