حسان بن يوسف ياسين

 الفرص، معروف أنها غالبًا ما تكون عبارة عن نوافذ غير متوقعة تفتح عندما لا نتوقع منها ذلك، لكنها قد تغلق أيضًا مرة أخرى قبل أن نتصرف ونستفيد منها. عندما تطرق الفرصة نوافذنا، يجب أن نكون جاهزين للتصرف والاستفادة من موقف لم نكن لنتوقعه. هذا يتطلب الذكاء واليقظة والاستعداد للتصرف. في كثير من الأحيان الفرصة ليست ما كنا نتوقع أن تكون، ولكن بتغيير وجهة نظرنا والتقارب منها بطريقة جديدة ومغايرة، سنجد في كثير من الأحيان مداخل جديدة واعدة وآفاقًا غير متوقعة. وهذا صحيح حتى في الأحوال الصعبة - أو ربما في الأحوال الصعبة على وجه الخصوص - وكما قال ونستون تشرشل مقولته الشهيرة: «المتشائم يرى الصعوبة في كل فرصة، بينما يرى المتفائل الفرصة في كل صعوبة».
ما نركز عليه اليوم بالطبع هو الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، حيث كانت النتيجة النهائية وآثارها على عكس توقعات الجميع. وكانت الانتخابات الأميركية قد أذهلت العالم منذ البداية. وهذا لا يحدث مع الانتخابات في أي مكان آخر في العالم، لا يحدث في الكويت، ولا في آسيا أو حتى أوروبا. أميركا تبهرنا بشكل منفرد. قبل كل شيء بالطبع، أميركا لا تزال قوة عظمى وعاملاً رئيسيًا في التأثير والنفوذ في الشؤون العالمية. وكما جاءت نتائج الانتخابات التي جرت مؤخرًا، فقد أدركنا جميعًا بأننا لم نكن مستعدين نهائيًا. الرئاسة الفرنسية لم تفكر حتى في صياغة خطاب تهنئة للرئيس المنتخب المحتمل دونالد ترامب. نحن الآن نقيس كل تحركاتنا المقبلة، بما في ذلك عمالقة مثل الصين، أوروبا، أو روسيا. نحن الآن نعيد مراجعة ما قد تعنيه القيادة الأميركية للعالم على مدى السنوات الأربع القادمة.
إذا كان هناك من شيء يحدد السياسة الخارجية المتوقعة لدونالد ترامب الرئيس المنتخب، فهو أنه حقًا لا يعطي أي أهمية لبقية العالم. إنه يهتم بأميركا ويهتم بتعزيز العلامة التجارية الأميركية. اختار الناخبون ترامب على وجه التحديد لأنه وعدهم بأنه سيجعل أميركا فخورة وقوية ومحترمة مرة أخرى.
في الوقت الذي يستعد فيه ترامب لتحويل أميركا داخليًا، يجب علينا أيضًا إعادة النظر في أنفسنا وأوضاعنا. وكما أشار ترامب، مهمتنا هي أيضًا الرفع من قدرات شعبنا محليًا، ومنحهم الأمل وتوفير فرص جديدة لهم. وأثناء تركيزنا على أنفسنا سوف نكتسب فهمًا أفضل نحو أين نضع أنفسنا دوليًا، وكيف يمكننا الاستفادة القصوى من الساحة الدولية المتغيرة والفرص غير المتوقعة التي من شأنها أن تفتح لنا، متى ما تم تنصيب ترامب رئيسًا للبلاد. يجب أن نجتهد، وأن نكون على استعداد للاستفادة الكاملة من الوضع الراهن الجديد.
صديقي العزيز، الراحل بيير ترودو رئيس وزراء كندا الأسبق، قال ذات مرة: «الحظ، هو عندما يلتقي الاستعداد مع الفرصة». كلماته قد لا تكون أكثر صلة لنا اليوم. يجب علينا خلق الحظ الخاص بنا من خلال التركيز أولاً على شؤوننا، وقياس نبضنا المحلي واحتياجاتنا، الأمر الذي سوف يسمح لنا بأن نكون أكثر استعدادًا وتنبهًا للفرص التي ستفتح بالتأكيد مع إعادة رسم الساحة الدولية. مرة أخرى، علمتنا انتخابات أميركا أيضًا أن أعظم قوة في العالم يمكن أن تقع فريسة لعدم الرضا الداخلي على نطاق واسع عن نظام ما عندما يشعر الأميركيون أنهم لم يعطوا حقهم من الرعاية الكافية. لقد شعر الأميركيون بأنهم لا يستفيدون من عظمة الدولة الأميركية.
لقد سبق أن ذكرنا أن أميركا لم تعد تُعرف بقوتها العسكرية أكثر من نفوذها وقوة البصيرة وتفسير المواقف. لقد شعر الأميركيون مؤخرًا بالإهمال من قبل حكومتهم، وبالتالي سوف يؤثر ذلك التحول الداخلي على الموقف الأميركي الدولي. لقد كانت مشاهدة الانتخابات الأميركية تسلية ترفيهية مثيرة للاهتمام، ولكن الآن يجب علينا التركيز على الأولويات التي نواجهها في الداخل ونبني من هناك.
أي سياسة جديدة، سواء كان ينظر إليها على أنها جيدة أو سيئة، ستخلق فرصًا جديدة بالضرورة وستفتح اتجاهات جديدة، غير متوقعة أحيانًا. نحن لا نستطيع حتى الآن أن نتنبأ بما سيكون عليه شكل العالم بعد عام واحد من الآن، ولكننا نستطيع أن نتنبأ بأنه سيكون هناك ديناميكية جديدة وفرص جديدة بالنسبة لنا للاستفادة منها. القطع التي على رقعة شطرنج الذكاء بدأت التحرك، وعلينا أن نكون مستعدين للعب أفضل مباراة يمكننا لعبها. هذا هو الدور الذي تتمحور حوله القيادة: القدرة على استغلال الفرص الجديدة، الاستفادة القصوى من أي وضع معين. يجب أن تبدأ القيادة الذكية محليًا، بتحسين الوضع في الداخل من أجل تحسين وإبراز موقفنا القوي في الخارج.
فتح دونالد ترامب نافذة جديدة لأميركا وسوف نرى ما يفعله معها. نتمنى لأميركا حظًا سعيدًا وسوف نجهز أنفسنا محليًا للتعامل مع أفكار جديدة، وفرص جديدة، وإمكانات جديدة كلما واجهتنا.