أمير طاهري 

 أشار دونالد ترامب في غير مناسبة خلال الحملة الانتخابية الرئاسية إلى «تمزيق» ما يسمى الاتفاق النووي الذي أبرمه الرئيس باراك أوباما مع إيران، في حين أن السيد حسن روحاني رئيس «الجمهورية الإسلامية» قد أصر على أن الرئيس ترامب لن يكون قادرًا على تنفيذ ذلك.
وبمعنى من المعاني، فإن الرئيس روحاني على حق، فليست هناك اتفاقية جرى التفاوض والمصادقة والتوقيع عليها بالنحو الواجب حتى يتم تمزيقها. كل ما هنالك مجرد خيال من خيالات الرئيس أوباما، بمساعدة الفصيل الموالي لرفسنجاني في طهران والاتحاد الأوروبي، وتم تسويقه «على النحو الواجب» إلى الرأي العام العالمي.
وما سوف يواجهه ترامب خليط من الخداع والتضليل الذي لا يُلزم أحدًا حيال أي شيء محدد بأي طريقة يمكن التحقق منها. ولجذب هذا الأرنب تحديدًا خارج قبعة الساحر، تحايل أوباما على الكونغرس الأميركي، وأقنع شركاءه في طهران بالالتفاف على المجلس التشريعي الإيراني، واستحضر نسخة وهمية من مجلس الأمن، وأصدر بيانًا صحافيًا عُرف باسم الاتفاقية الشاملة للبرنامج النووي الإيراني من 179 صفحة تلك التي لم يوقع عليها أحد ولم يُصادق عليها أي مجلس تشريعي حتى الآن.
خلال العام الماضي، تظاهر الملالي في طهران بأن الاتفاقية الشاملة للبرنامج النووي الإيراني هي معاهدة دولية حسنة النية يتم بموجبها رفع كل العقوبات الدولية المفروضة على «الجمهورية الإسلامية». ومع ذلك، فإن الاتفاقية الشاملة للبرنامج النووي الإيراني لا تلزم أي طرف بأي شيء. وإحقاقًا للحق فإن أوباما قد استخدم المعاهدة ذريعة لتعليق بعض من العقوبات المفروضة على إيران، الأمر الذي يحق لأي رئيس للولايات المتحدة فعله وفق القانون نفسه الذي فُرضت بموجبه العقوبات في المقام الأول. وعلى مدى العقدين الماضيين، علق كل من الرئيس بيل كلينتون وجورج دبليو بوش بعض العقوبات على إيران في مناسبات عدة بهدف تشجيع الملالي على تعديل سلوكياتهم. وفي مقابل تعليق أوباما لبعض العقوبات على إيران، وافقت طهران على تفعيل بعض التنازلات التجميلية تلك التي تترك برنامجها النووي سليمًا في حين تفسح المجال لأوباما لكي يتفاخر بقطع الطريق نهائيًا على إيران في بناء القنبلة النووية.
وكانت طهران قد أعربت عن أملها في أن خدعة الثقة التي تقوم بها بمساعدة أوباما سوف تستمر في ولاية الرئيسة هيلاري كلينتون. وبعد كل شيء، فإن السيدة كلينتون كانت على رأس المحادثات السرية الأولى التي أجريت مع الملالي في سلطنة عمان، وكانت ملتزمة بالاستمرار في الخيارات الشاملة لسياسة أوباما الخارجية ولا سيما فيما يتعلق بطهران.
ومع رحيل أوباما وفشل كلينتون، يدرك الملالي في إيران أن الاتفاقية الشاملة للبرنامج النووي الإيراني لن تكون لها أي قيمة تُذكر. وهو السبب في أنه منذ انتخاب الرئيس ترامب بدأ الملالي الإشارة إلى قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231 أساسًا لإبرام الاتفاق غير الموجود. وهذا من الأمور المثيرة للاهتمام بسبب أن السيد روحاني وفريقه الرئاسي طالما أكدوا مرارًا وتكرارًا أنهم لا يقبلون القرار الأممي «القاسي والمجحف» كما لم تقبل إيران أيًا من القرارات الأممية الستة السابقة الصادرة بشأنها من مجلس الأمن فيما يخص المشكلة النووية الإيرانية.
والقرار 2231 هو من الوثائق المثيرة للاهتمام كذلك؛ فمن المفترض أن يلغى ويحل محل قرارات مجلس الأمن رقم 1969، و1737، و1647، و1803، و1929، التي مررت في الفترة بين عام 2006 و2010. وكل هذه القرارات، على الأقل جزئيًا، قد مررت بموجب الفصل السابع الشهير من ميثاق الأمم المتحدة الذي يترك الباب مفتوحًا لاتخاذ الإجراءات العسكرية ضد انتهاكات قرارات مجلس الأمن. وفي المعتاد، لا بد أن طهران كانت مسرورة بأن كل هذه القرارات قد ألغيت، وبالتالي إزالة التهديد النظري باتخاذ العمل العسكري ضد إيران.
ومع ذلك، ورغبة منهم في استغلال ضعف أوباما، أو حسن نيته، إن كنتم تفضلون ذلك، وإلى أقصى حد ممكن، عزف الملالي نغمات الرفض القديمة خاصتهم على يقين من جانبهم بأن ما فعلوه أو لم يفعلوه لن يجبرهم الصديق أوباما «القديم» على سداد ثمنه.
ومع تولي ترامب مهام الرئاسة، يخشى الملالي من أنه قد يرفض اللعبة الدبلوماسية لباراك أوباما ويصر على التعامل مع المشكلة الإيرانية بطريقة جادة. وهو السبب في أنهم، وعلى نحو مفاجئ، بدأوا في عرض أنفسهم مدافعين متحمسين عن قرار مجلس الأمن رقم 2231، وبالتالي عن «الشرعية الدولية».
يمنح كل هذا الرئيس ترامب مجموعة من الخيارات؛ إذ يمكنه المطالبة بأن تقبل طهران رسميا القرار 2231 الذي يمكن استخدامه ضدها في المعتركات الدبلوماسية الدولية. وبالنسبة للمواد 11 و12 من القرار، يمكن لأي دولة من أعضاء مجلس الأمن رفع دعوى عدم الامتثال ضد إيران. ومن شأن ذلك أن يحرك عملية «التقصي»، وبموجبها يمكن لمجلس الأمن استعراض الموقف بأكمله مرة أخرى واتخاذ قرار أممي جديد خلال 30 يومًا. وإذا لم يكن هناك اتفاق بعد 30 يومًا، فسوف يتم إعادة تفعيل القرارات الستة السابقة مع إعادة فرض العقوبات المعلقة من جميع أعضاء منظمة الأمم المتحدة. وبفضل حق الفيتو، يمكن للولايات المتحدة منع أي قرار أممي جديد من شأنه إخلاء المسألة من مضمونها.
وحتى الآن، وبفضل سخاء الرئيس أوباما، استطاع الملالي ممارسة أسلوب الدبلوماسية حسب الطلب، حيث يقبلون ما يشاءون ويرفضون ما يشاءون، مع التظاهر المستمر بالامتثال التام لقرارات الأمم المتحدة. ولقد كانت تساعدهم في هذه الحيل فيديريكا موغيريني، الممثل الأعلى لسياسة الأمن والشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، التي تدخلت بصورة أو بأخرى في أعمال مجموعة دول 5+1، حيث جعلت منها مجموعة دول 5+2 من دون أي قرار تفويض محدد من قبل الاتحاد الأوروبي.
ومع قرار 2231 الأممي، الذي سُلط عليه الضوء باعتباره أساس أي اتفاق قادم، يمكن البعث بمجموعة دول 5+1 أو 5+2 إلى سلة المهملات كقصة من نسج خيال الرئيس أوباما ومن دون أي أساس قانوني، الذي يستهدف إنقاذ الملالي من الورطة الكبيرة بقدر ما يهتم مجلس الأمن الحقيقي بالأمر.
والخيار الثاني المتاح أمام ترامب هو عدم فعل أي شيء ما لم يقم الملالي باتخاذ إجراء معين ويمكن التحقق منه بشأن البرنامج النووي الإيراني. وعدم فعل أي شيء يتضمن أيضًا عدم تمديد تعليق أوباما للعقوبات ضد «الجمهورية الإسلامية». فلقد كان أوباما متخصصًا في منح الهدايا إلى أعداء الولايات المتحدة من دون حتى المطالبة بأي شيء في المقابل. وينبغي على ترامب إظهار أن الولايات المتحدة لن تعمل بأسلوب المنح من دون مقابل. وبوصفه رجلاً للأعمال يمكنه العمل بأسلوب الأخذ والعطاء من الناحية الدبلوماسية، فإذا ما جمد الملالي، بالفعل، برنامجهم النووي، فسوف يمكن وقتها تعليق العقوبات الدولية المفروضة عليهم بموجب هذه القضية وبطريقة منصفة ومناسبة.
ومساعدة الملالي في إدراك أن وقت الحفلات الذي استمتعوا به في عهد أوباما قد ولى وانتهى من شأنه أن يعود بالفائدة على الولايات المتحدة في المقام الأول، وبالنسبة لإيران والعالم أجمع كذلك. وبعد ثماني سنوات، يمكن لأصدقاء الولايات المتحدة وأعدائها استئناف العمل معها بقدر كبير من الاحترام بوصفها قوة دولية عظمى تلك التي لا تبني ملفاتها الدبلوماسية على أساس الزخارف والمنمقات. ومن الجيد أيضًا بالنسبة لإيران بسبب أن الملالي قد يبدأون في تفهم أن تصرفاتهم سيكون لها عواقب، وأنه في نقطة من النقاط يتعين عليهم الاعتراف بأنهم لا يمكنهم تجاهل كل قاعدة من قواعد السلوكيات المسؤولة، ناهيكم عن ذكر القانون الدولي.
كما سوف يكون من الجيد أيضًا بالنسبة للعالم، بسبب، شئنا أم أبينا، أن «الجمهورية الإسلامية» هي المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار والتوتر المستمر في منطقة الشرق الأوسط، وتغيير السلوكيات من شأنه المساهمة في إيجاد الحلول لأكثر المشكلات الجيو - سياسية الراهنة في المنطقة.
إن نهاية عهد أوباما توفر فرصة ذهبية لمعالجة وحل مشكلة إيران في صالح الجميع، بما في ذلك، وقبل أي شيء في صالح إيران نفسها. ولا ينبغي على الرئيس ترامب تفويت هذه الفرصة من بين يديه.