عثمان الماجد 

 كيف لنا أن نستفيض في القول أو نختصره لكي نصل إلى ما يقنع الرأي العام والجهات ذات الاختصاص بأن الإجراءات القانونية التي اتخذت قبل ست سنوات في حق من ثبتت إدانته لم تكن على قدر الجريمة المرتكبة قياسا على المستجدات التي ظهرت بعد انهمار سيل المعلومات الغزير الذي واكب وأعقب خسران هيلاري كلينتون سباق الرئاسة الأمريكية؟! كيف لنا أن نفعل ذلك والحال أن الوثائق المسربة التي تحدثت عن مؤامرة كبرى قادتها المرشحة، وكادت تطيح بالنظام السياسي الذي سهر على تشييده الحكام في علاقة من المودة والتراحم والتسامح مع الآباء والأجداد، جعلتنا نعاني آلام الشعور بأن في هذا الوطن من لم يتوان عن طعن أمه البحرين في الظهر؟! كيف لنا أن نغفر هول ما كانت تخطط له جمعيات تأطرت، ذات غفلة مجتمعية، في الدوار متنادية طائفيا ومتدافعة مذهبيا لترفع شعار تمثيل مزيف لفئة كبيرة ومقدرة من الشعب في الوجدان الجمعي؟!


إن هذا الأمر لعصيب حقا، ولكنه لا ينبغي أن يجعلنا نغفل إعادة فتح ملفاته من جديد، لأنه إذا كانت جريمة تآمر المرشحة السابقة لرئاسة البيت الأبيض على أمن البحرين واستقرارها ثابتة فالواجب أن نعرف مع من كانت تتآمر خاصة وأن الوقائع التي جرت في الساحة البحرينية قد جعلت عامة الشعب تحدد وبوضوح تام زمرة المتآمرين، بل وجمعت قرائن الإدانة من خلال ما شوهد من أفعال هذه العصابة. للمؤامرات دائما أركان، وأحد أهم هذه الأركان اتصال مجموعة من الداخل بمجموعة أو هيئة أو حكومة في الخارج معادية للوطن، وتعمل على الفتك بمقومات سيادته وتماسك نسيجه الاجتماعي الداخلي. ومن واجبنا وحق الوطن علينا أن نميط اللثام الذي تخفى وراءه وجه الخيانة البشع.


ولعله من المنطقي أن يتولد سؤال آخر من رحم الأسئلة السالفة مفاده هل كانت قرائن جريمة الدوار ومستمسكاتها كاملة في ذلك الوقت، إذا ما علمنا أن تفاصيل مهمة، كما أسلفنا، قد طرأت بعد سنوات ست من صدور الحكم لتلقي الضوء وتكشف عن حجم المؤامرة؟ ثم كيف لنا، وهذا مهم جدا أيضا، أن نجد ما نبرر به للأجيال القادمة أسباب حدوث هذا الشرخ الاجتماعي العميق بين المكونات الاجتماعية في المملكة، ومن كان السبب في ذلك؟ هذه مجموعة من التساؤلات طرحت نفسها على خلفية علاقة الجمعيات المذهبية بالمؤامرة التي كشفت عنها وثائق «ويكيليكس». إننا إزاء ذلك أمام مهمة ليست هينة في إعادة اللحمة الوطنية، وإن هذه المهمة، إلى جانب أنها حكومية، فإنها مجتمعية بامتياز.


واضح أن جمعية «الوفاق» صارت اليوم، بعد حلها غير مأسوف عليها، عينا بعد أثر، باتت نسيا منسيا، حتى أنك لا تجد ممن كنت تتجادل معهم بشأنها يثير جدلا بيننا بشأن الحل، وفي ذلك ما يشير إلى أنها لم تكن تمثل إلا مجموعة باعت نفسها للشيطان الإيراني وغير الإيراني طلبا للسلطة، وتحقيقا لحلم الولي الفقيه. 
حل الجمعية لن يؤثر في المسار الديمقراطي لمملكة البحرين كما تشيع ذلك بعض قوى اليسار في لطمية مستهلكة تباكيا على الحريات التي لم تقدر وجودها في المجتمع على مدى عشر سنوات،

 

بل إن هذا الحل سيزيد من رسوخ ديمقراطيتنا، لأنها تتجذر سلوكا من خلال تطورها المنطقي المستجيب لحاجات المجتمع البحريني، لكننا اليوم نطرح سؤالا في غاية الأهمية، والسؤال هو هل الجمعيات اليسارية، وأقصد المنبر الديمقراطي و«وعد» تحديدا كانوا على علم بما كانت تدبره هذه الجمعية والجمعيات المذهبية مثل «حق» و«وفا» و«العمل الإسلامي» وأشرار البحرين بليل مع الإدارة الأمريكية الآفلة بواسطة هيلاري كلينتون من خلال منصبها السابق وزيرة للخارجية في إدارة الرئيس أوباما،

 

خصوصا وأن الأمينين العامين للجمعيتين اليساريتين كانا من ضمن «الديكور» الثابت على منصة الدوار؟ في ظني أن هذا السؤال مهم أن نعرف إجابته، لكي تعرف الدولة مع من تتعامل، ويعرف المواطنون أيضا، فيحددوا مواقفهم منها.


شبكة الارتباط الواسعة هذه جعلت فئات واسعة في المجتمع البحريني ترى في جمعية «الوفاق» وغيرها من الجمعيات المذهبية الأخرى مضافا إليها أذرعتها «الحقوقية» التي آثرت العمل مع الأجنبي بهدف إسقاط النظام، حالة شاذة في مسار الحراك الوطني، وصار من السهل على فئات المجتمع هذه أن تقذف بهذه الجمعيات بعيدا عن الحراك الوطني المتصف بالانتماء للأرض والولاء للمجتمع والحكم والعروبة وصارت تتوجس حراكه في المجتمع. لا أعتقد أن ما أظهره الإعلام من معلومات حتى الآن بخصوص المؤامرة الدنيئة التي كانت تكتب فصولها في واشنطن، وسعي المذهبيين الحاقدين هنا إلى تنفيذها، هي كل المعلومات. وهذا يشير إلى حجم الخطر الذي كانت البحرين تتعرض له، ومن خلالها دول مجلس التعاون. فهل نستكثر على هذا الأمن إعادة موضعة الأمور في سياقها الذي ينبغي أن يكون! 


نتمنى أن تكون قوى اليسار بعد أن تم حل جمعية «الوفاق» التي ارتكبت ودعمت الجرائم الداخلية والخارجية التي أساءت للأمن الوطني، قد تخففت من عبء الارتباط بها أو التنسيق معها كحركة راديكالية جسمها في البحرين وفكرها مستولد في قم وأهدافها مصاغة في أقبية المخابرات الإيرانية، وأمر تنفيذ هذه الأهداف برسم الدعم المادي واللوجستي الأمريكي الذي تولت أمره وزيرة الخارجية السابقة والمرشحة التي دوى بالأرجاء فشلها في الانتخابات الأمريكية هيلاري كلينتون، وهو لأمر مرحب به على المستوى الشعبي في المجتمع البحريني. كما نرجو أن يكون أمر العودة عن المكابرة صار سهلا على هذه القوى لتقول كلمة اعتذار للحكم وللشعب. السانحة الزمنية مواتية لأخذ قرار تاريخي كهذا للمشاركة في عملية التنمية.


في ضوء ما نطالب به جمعيات اليسار في تحديد موقف من جمعية «الوفاق» المنحلة، ووقف مهرجان التدليس في البكاء على الحريات، فالدفاع عمن خان الوطن بهذا الوضوح إن هو إلا إعلان صريح بالوقوف مع المدان الذي ضحى بمصالح الوطن والمواطنين طلبا للسلطة. وإذا كان لنا من كلمة نتوجه بها إلى أهل البحرين ممن ضحك عليهم وركضوا مسلوبي الإرادة خلف المؤامرة مخدوعين نقول لهم لقد انكشفت خيوط المؤمرة وحان الوقت لمراجعة المواقف.