سركيس نعوم

خلال الشغور الرئاسي كان اللبنانيون مقتنعين بأن الخارج الذي يختار رئيس جمهوريتهم مؤلف من المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية. وكانوا مقتنعين أيضاً بأن استمرار الخلاف بين الناخبيْن سيبقي بلادهم بلا رئيس، وبأن تحاورهما ربما يسمح بإنهاء الشغور اذ لا مصلحة لأي منهما في تدهور أوضاعه الاقتصادية والمالية والمصرفية والاجتماعية، وفي تزعزع استقراره الأمني الهش أساساً.
وقد أثبت فشل السعودية في إيصال النائب سليمان فرنجية الى الرئاسة قبل أكثر من سنة صحّة الاقتناع المشروح أعلاه. ذلك أن الناخب الآخر، أي إيران حليفة "حزب الله" والثنائية الشيعية، لم يوافق على ترئيس فرنجية رغم عراقة تحالفه معها ومع "حزبها" ومع سوريا الأسد.


لكن انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الأول الماضي زعزع الاقتناع بضرورة توافق الناخبيْن السعودي والايراني لرؤية رئيس في بعبدا. فالمعطيات التي توافرت أشارت الى غياب التبني لعون في الرياض رغم ترشيح "إبنها" سعد الحريري له. والاتصالات التي أجراها لبنانيون مع المملكة والحركة التي قامت بها أخيراً مثل إيفاد الوزير السبهان الى بيروت واجتماعاته فيها، لم تكوِّن انطباعاً ثابتاً أنها باركت الخطوة الرئاسية لحليفها. بل كوّنت انطباعاً آخر يفيد أنها لن تتخلى عن لبنان رغم دخوله العصر الشيعي – الايراني رسمياً بانتخاب عون رئيساً له.


لذلك كله ضاع اللبنانيون. فحلفاء السعودية استقتلوا ولا يزالون ليؤكدوا لهم موافقتها على الخيار الرئاسي لزعيمهم الحريري واستمرار دعمها المتنوّع له. وأخصامها تصرّفوا بذكاء بعد تحقيقهم انتصاراً استراتيجياً مدوّياً، إذ لم يرفضوا المحاولة الحريرية. لكن المتابعين الموضوعيين المتّصلين بكل الأطراف حرصوا على تبديد الضياع المذكور أعلاه. فقالوا أن السعودية أبلغت الى الرئيس الحريري، استناداً الى ما نقله مدير مكتبه نادر الحريري الى "حزب الله"، "تستطيع تأييد رئاسة عون للبنان لكن على مسؤوليتك. واذا حقَّقتَ من خلال ذلك الأهداف التي تسعى اليها، العامة والخاصة، عال. أما إذا أخفقتَ في تحقيقها فنحن لا نستطيع أن نفعل لك شيئاً". وقالوا أيضاً "أن عون بقي "نقزاناً" الى أن أيّد الحريري ترشيحه باعلان رسمي. وأن رئيس المخابرات السعودية خالد حميدان لم يكن على اطلاع تام على موقف بلاده من هذا الأخير. وقد لاحظ الوزير وائل أبو فاعور ذلك إذ سمع منه أن آخر موقف من عون سمعه قبل ثلاثة أيام وكان سلبياً والآن لا أعرف؟ وطلب منه الانتظار يوماً لمحاولة معرفة إذا لحقه أي تطوّر. كما لاحظه في زيارة ثانية للمملكة جرّاء عدم حصول اجتماع بينه وبين حميدان".
وبدا لهؤلاء المتابعين أن المقرر في هذا الموضوع كان ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وأن الذي تولّى التواصل كان وزير الخارجية الجبير.


وفي موضوع رئاسة الحكومة قال المتابعون أنفسهم أن أحداً من "حزب الله" لم يدخل نقاشاً حول ضمان استمرار الحريري رئيساً للحكومة طوال رئاسة عون. وقالوا أيضاً أن نادر الحريري سأل في اجتماع حواري بين "المستقبل" و"الحزب": "هل يأتي سعد رئيساً للحكومة اذا انتخبنا عون؟"، فأجابه الحاج حسين خليل: "لا مانع استناداً الى ما سمعناه من سماحة الأمين العام السيد حسن نصرالله. وحتى تتأكد أكثر سأتصل وأجيبك". حصل ذلك وكان الجواب نفسه: لا مانع عند "الحزب". وحتى يطمئنه أكثر كتب خليل على ورقة صغيرة ما مفاده: "أن "حزب الله" لا يمانع في رئاسة الحريري الحكومة الأولى للعهد". لكن أحداً لم يتحدث عن الحكومات اللاحقة.
أما في خصوص ما اتفق عليه الحريري وعون من مواقف سواء في البيان الوزاري أو خارجه فكان:
- اعتماد الصيغة التي تضمنها بيان حكومة ميقاتي عن "الثلاثية الذهبية: جيش وشعب ومقاومة".


- لا نأي بالنفس ولا تحييد. لا علاقة لنا (لبنان) بأي نزاع حولنا. والطريقة التي عبّر بها سعد عن ذلك لم تكن دقيقة.


- بحث في تعيين قائد جديد للجيش وحاكم لمصرف لبنان إذا تقرر تغييرهما.


- اقرار قانون انتخاب نسبي وأكثري. وآخر اقتراح لرئيس المجلس نبيه بري كان تأهيل مذهبي على مستوى القضاء ثم انتخاب نسبي في محافظات. ووجد "تيار" عون ذلك مفيداً. لكن لا بحث بعد في الأمر.
- لا أحد يأتي على سيرة "حزب الله" و"جيشه" ونزع سلاحه وتدخله في سوريا وخصوصاً في مجلس الوزراء والمؤسسات الأخرى.