هل تحقق دول الخليج فرصة التكتل لتكون أكبر سادس اقتصاد في العالم أم تظل أمنية؟

عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب

عُقد الاجتماع الأول لهيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في 10/11/2016 في الرياض في عصر تشوبه كثير من التقلبات الاقتصادية في العالم ما يحتاج إلى التكتل في عصر التكتلات، والذي حدد خمس أولويات أساسية تحظى بالاهتمام والمتابعة الفورية للارتقاء بالعمل الاقتصادي الخليجي المشترك، وتحقيق نقلة نوعية بعد وضع جميع القرارات التي اتخذت سابقاً ولم تنفذ أو نفذت بشكل جزئي أن تكون موضع التنفيذ الكامل والسريع واعتماد الآليات اللازمة لذلك.

سبق أن كشف تقرير صادر عن شركة أرنست ويونغ عن محفزات النمو الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي أنه في حال حافظ الاقتصاد الخليجي على معدل نمو سنوي قدره 3.25 في المائة خلال السنوات الـ15 المقبلة من الممكن أن يصبح سادس أكبر اقتصاد في العالم بحلول 2030, وقد يقترب من حجم الاقتصاد الياباني عندما تقرر أن تكون سوقا واحدة بدلا من ستة أسواق منفصلة.

وبالنظر إلى تطور الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي الذي ارتفع من 835.6 مليار دولار عام 2007 إلى 1.1 تريليون دولار عام 2008 ثم انخفض عام 2009 إلى 868.5 مليار دولار حتى يستقر عند 1.6 تريليون دولار عام 2014 ثم ينخفض مرة أخرى نتيجة انخفاض أسعار النفط إلى 1.398 تريليون دولار عام 2015 وفق إحصاءات البنك الدولي، وقد سبق أن حقق الاقتصاد الخليجي عام 2012 المرتبة الـ12 عالميا متقدمة مرتبة واحدة عن عام 2011 وحققت دول مجلس التعاون في هذه السنة فائضاً قدره 502 مليار دولار.

كان تذبذب ناتج أكبر دولة في مجلس التعاون الخليجي السعودية حيث نجد أن الناتج المحلي يمثّل نصف ناتج إجمالي دول المجلس حيث ارتفع من 467 مليار دولار عام 2008 إلى 711 مليار دولار عام 2012 واحتلت السعودية المرتبة الـ 18 عام 2014 بناتج محلي 746 مليار دولار ثم انخفض نتيجة انخفاض أسعار النفط إلى 632 مليار دولار عام 2015 وتراجع مركز السعودية إلى المركز الـ20.

وليست فقط السعودية التي تذبذب ناتجها الإجمالي، بل حتى اليابان الذي ارتفع ناتجها الإجمالي من 4.9 تريليون دولار عام 2008 إلى نحو 6 تريليونات دولار عام 2012 لكنه انخفض عام 2015 إلى 4.11 تريليون دولار، وكذلك روسيا الذي ارتفع من 1.6 تريليون دولار عام 2008 إلى 2 تريليون دولار عام 2012 ثم انخفض إلى 1.23 تريليون دولار عام 2015، بينما نجد أن الناتج المحلي للولايات المتحدة ارتفع من 14.2 تريليون دولار عام 2008 إلى 15.7 تريليون دولار عام 2012 ثم إلى 17.968 تريليون دولار عام 2015، وكذلك الصين الذي ارتفع ناتجها الإجمالي من 4.4 تريليون دولار عام 2008 إلى 8.4 تريليون دولار عام 2012 ثم ارتفع إلى 11.385 تريليون دولار عام 2015.

ويلاحظ انخفاض إجمالي الصادرات السلعية لدول المجلس من 860 مليار دولار عام 2014 إلى 554 مليار دولار عام 2015 بنسبة انخفاض 35.6 في المائة متأثرة بانخفاض أسعار النفط، بينما شكلت الصادرات السلعية غير النفطية لدول الخليج نحو 195.8 مليار دولار عام 2015 صدرت منها السعودية 50.6 مليار دولار مرتفعة من 40.8 مليار دولار عام 2011، مقارنة بصادرات عام 2014 البالغة 206.6 مليار دولار بانخفاض 5.2 في المائة وهو انخفاض محدود إذا قورن بانخفاض الصادرات السلعية التي انخفضت بنسبة 35.6 في المائة.

فيما لم تنخفض الواردات السلعية سوى 2.4 في المائة لتبلغ 646 مليار دولار خلال عام 2015، كما نمت التجارة البينية السلعية بنسبة محدودة جداً بنسبة 3.1 في المائة لتبلغ نحو 50.8 مليار دولار مرتفعة من 49.3 مليار دولار عام 2014 والتي ارتفعت من 32.9 مليار دولار عام 2011 والتي لا تمثل سوى 7.8 في المائة من إجمالي قيمة الواردات عام 2015، وهي أقل من نسبة التجارة البينية العربية التي هي عند 8 في المائة، كما أنها ترتفع في الاتحاد الأوروبي إلى نحو 63 في المائة عام 2009 وإلى 25 في المائة في الآسيان.

فإذا كانت أمريكا تبني على التكنولوجيا التي تمتلكها في استمرار نمو اقتصادها رغم تراجعه ببطء حيث أن القيمة السوقية الإجمالية لأكبر 5 شركات تكنولوجيا في أمريكا هي الآن أكثر من 2.2 تريليون دولار، ومتوسط نمو إنتاجية العمل المتراجع ببطء في أمريكا هو الأعلى ضمن اقتصادات (أوسيد) خلال الأعوام الـ15 الماضية، بينما لدى دول مجلس التعاون وخصوصا في أكبر دولة خليجية السعودية يمكن أن تبني على الصناعات الأساسية التي أنشأتها خلال العقود الماضية، ولكن عليها أن تعالج مشكلة التشوهات الاقتصادية في القطاع الخاص بشكل مباشر، وحيث أن النمو المستدام يجب أن يشمل الجميع بثماره التي تركز على نمو الوظائف وزيادة الأجور والتي تتمحور حول تنمية الطبقة الوسطى، لأن ارتفاع البطالة هو سحق للطبقة الوسطى مما يجعل البلد في هزة اجتماعية واقتصادية ورفع نسب الإعانة التي ترهق الاقتصاد.

ورفع مساهمة القطاع الخاص بالناتج المحلي الإجمالي من 40 في المائة عام 2015 إلى 65 في المائة عام 2030 ولا يمكن معالجته بوسائل السعودة الوهمية الإحلالية بأجور زهيدة رغم أن وزارة العمل قصرت 150 مهنة على السعوديين لكن فشلت تلك المعالجات في تحقيق هذا الهدف بسبب التحايل الذي يمارسه القطاع الخاص نتيجة غياب منظومة اجتماعية واقتصادية وقانونية وقضائية كاملة التي لم تتمكن من القضاء على التستر التي اتسعت رقعتها وجعلت العديد من القطاعات محتكرة للوافدين، بل وأدمن القطاع الخاص على الوافدين بأجور زهيدة جدا يتوسلون المجتمع لتعويض تلك الأجور أي أن تلك الأجور لا تخضع لتنافسية السوق الذي فشلت وزارة العمل في تحقيقه.

لذلك نجد أن هناك فجوة كبيرة بين القطاعين العام والخاص الذي يظل عقبة أمام أي تكامل، وهو ما يجعل التعاون بينهما مفقوداً بسبب محدودية القدرة التنافسية، فمثلا نجد 1.240 مليون موظف في القطاع العام رواتبهم تصل إلى 314 مليار ريال عام 2014 تمثّل 37 في المائة من الميزانية، فيما رواتب أكثر من 10 مليون موظف في القطاع الخاص لا تتجاوز رواتبهم عن 23.4 مليار ريال، نسبة السعوديين لا تتجاوز 9 في المائة فقط بسبب أن القطاع الخاص مدمن على استقدام العمالة الوافدة غير الماهرة الرخيصة ما يجعله قطاعا غير جاهز لتوظيف الشباب السعودي الذي يمثل نصف سكان السعودية البالغ عددهم نحو 31 مليون نسمة.

ونجد التركيبة المهنية في القطاع الخاص مشوهة غير قادرة على التطوير حيث نجد أن 85 في المائة منهم ضعيف المهارة، و60 في المائة منهم أميون، و74 في المائة من عدد المنشآت لا يعمل فيها أي سعودي.

فالإصلاح الاقتصادي المستهدف يجب أن يكون هيكلياً وهو بحاجة إلى استهداف التخلص من الاحتكار وأنماط البيروقراطية التي تسببت في تعثر مشروعات التنمية في الفترة الماضية خصوصا في التخلص من مسمى الكفيل الذي تسبب في اتساع ظاهرة التستر وساهم في احتكار قطاعات عديدة خصوصاً فيما يتعلق بقطاع التجزئة الحيوي، وحرم فئات واسعة من المجتمع من التوظيف.

فيما يعد القطاع الخاص محركا رئيسا للاقتصاد الخليجي ككل، ويجب أن يشكل القطاع الخاص جزءا مهما من هذا التكتل، وأن يكون له دور أساس في وضع التشريعات والأنظمة المنظمة للتكتل الاقتصادي، وأن التكامل بين القطاعين العام والخاص سيتمكن من خلق الوظائف للخليجيين، وهذا التكامل هو القادر على قيادة نقلة كبيرة في الاقتصاد الخليجي، وإذا ما أردنا أن نكون أكبر سادس اقتصاد فنحن بحاجة إلى إضافة تريليون دولار، لكن إذا أردنا أن نصل إلى الاقتصاد الياباني فنحن بحاجة إلى إضافة تريليونين ونصف تريليون دولار، ويمثل الناتج المحلي الإجمالي الخليجي نحو 60 في المائة من الناتج الإجمالي العربي.

لكن ذلك يتطلب معالجة التحديات التي تقف أمام هذا التكامل، أهمها تفعيل التشابه في قواعد وهياكل الإنتاج التي تعتمد على الاستيراد الخارجي والعمالة الأجنبية غير الماهرة بشكل كبير، وقلة مساهمة العديد من القطاعات الواعدة فيها خصوصا كالقطاع الصناعي التي لا تزيد على 10 في المائة فقط، وأهمية استنهاض قطاعي الزراعة والسياحة، وأولها ضرورة رسم خارطة طريق إستراتيجية لخلق شكل من أشكال التكامل بين القطاعين الخاص والعام في المشروعات الاقتصادية والصناعية المطروحة.

فالتكتل مسألة مصيرية لدول المنطقة وتوحيد السياسات مدخل لتنشيط حركة التجارة البينية وتسهيل إقامة المشروعات المشتركة، وهو يعزز مواقف دول التعاون الخليجي التفاوضية مع نظرائه من التكتلات الاقتصادية العالمية الأخرى خصوصا مع الاتحاد الأوربي.

ونجاح التكتل الاقتصادي الخليجي يتطلب تفعيلاً للسوق الخليجية المشتركة، بما فيه الاتحاد الجمركي بين دول المجلس، وتفعيل التأشيرة السياحية الموحدة، ووضع برنامج زمني للعملة الخليجية الموحدة وبشكل خاص بعد تصريح رئيس البنك المركزي العماني الذي اعتبر صدور العملة الخليجية الموحدة مسألة وقت، وأهمية البدء بمشروع السكك الحديدية بين دول المجلس التي تساهم في عملية تسهيل تنقل السلع والبضائع.

حيث بدأت تدرك دول مجلس التعاون التحولات العالمية المتسارعة التي تؤثر في ديناميكية الأسواق ومناخ الأعمال، إذ يعتبر حجم الاستثمارات المتراكمة في دول الخليج نحو 431 في عام 2016 منها 224 دولار الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السعودية وهي أرقام متواضعة نسبة إلى حجم الاقتصاد الخليجي وطموحات دوله خصوصا وأن المرحلة الحالية في المجتمعات الإنسانية بدأت ملامح الثورة الصناعية الرابعة والتي لها أثر على القطاعات الرئيسية مثل الصحة والتعليم والاقتصاد وتطوير بنى وأطر قابلة للتطبيق عالميا لتأسيس مرحلة جديدة من صناعات المستقبل ما يستدعي ابتكار حلول ومبادرات رئيسة يتشارك فيها القطاعان العام والخاص إلى جانب المنظمات الدولية بجانب تحفيز الشراكات الاقتصادية بسبب المنافسة العالمية الشديدة التي تقود إلى تحقيق رؤية مستقبلية واضحة لمواجهة التحديات مما يؤهل الانتقال للمستقبل التي هي من أساسيات وازدهار المجتمعات وتقدمها وتحقيق الرفاء والرخاء لأفرادها.

لم يعد التباطؤ قادر على استباق التغييرات المتسارعة في العالم مع ثورة الابتكارات التكنولوجية وتطورها بل ستتجاوز تلك التغييرات المتسارعة كل من لم يواكبها بل ويسابقها ويكون أسرع منها فلن يكون له مكان في المستقبل.