حسن حنفي
يقول البعض في الغرب إن الحضارة الإسلامية لم تعرف «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» الذي لم يعلنه إلا الغرب الحديث مرتين، بعد الثورة الفرنسية وبعد الحرب الأوروبية الثانية. ويزعمون أنها حضارة تعرف الواجبات فقط أكثر مما تعرف الحقوق. والحقيقة أن هذا اتهام باطل وتحامل قائم على صور نمطية بعيدة عن الواقع، وبعيدة أيضاً عن الموضوعية في حكمها على الأمور. فكل حضارة فيها نزعة إنسانية في مقابل النزعة الميتافيريقية والنزعة الطبيعية. ويمثلها كونفوشيوس في الصين، وبوذا في الهند، وسقراط عند اليونان، والمسيحية كقراءة جديدة لليهودية. ومع وجود الفارق تتجلى النزعة الإنسانية أيضاً في الإسلام في نظرية الإنسان الكامل، وخلافة الإنسان في الأرض.

وقد عرفت الشريعة حقوق الإنسان في مقاصدها، كما عبّر عن ذلك الشاطبي، وضع الشريعة ابتداء، الضروريات الخمس: الحياة والعقل والدين والعرض والمال. وفي القرآن الكريم (مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً، وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً). وقد ذكر الإنسان في القرآن بحدوده وقوته. في واقعيته وفي مثاليته. وهو الإنسان المعياري وليس الإنسان النسبي، الإنسان الذي يتجاوز حدود الأقوام والشعوب والأجناس والأعراق، وليس الإنسان الذي لا يوجد إلا داخل الحدود الجغرافية للغرب، وكأنه خارجه لا يوجد إلا الطبيعة أو الشعوب البدائية التي قد تتخذ موضوعاً للمتاحف أو لعلوم الأنثروبولوجيا الثقافية، بحسب تقاليد المركزية الذهنية والثقافية الغربية، الشائعة في الدراسات الغربية في عهد الاستشراق والاستعمار!

وإذا كانت الثقافة العربية والإسلامية قد عرفت مفهوم الواجبات دون الحقوق، فإن الحضارة الغربية قد قامت على مفهوم الحقوق دون الواجبات. وكأن العربي المسلم عليه واجب دون أن يقابله حق. والأوروبي له حق دون أن يكون عليه واجب.

كما يزعم بعض المتحاملين في الغرب أيضاً، في سياق تردادهم لصورهم النمطية المتحاملة، أن وضع المرأة في الإسلام لا يتفق مع حقوق المرأة في العصر الحديث، أو بكلمة أدق في الثقافة الغربية. فهي الأنثى في مقابل الذكر، الزوجة المطيعة للزوج والأم الولود والبنت القاصر التي هي في حاجة إلى ولي، وميراثها وشهادتها، نصف ميراث وشهادة الرجل. تضع الحجاب، وتمكث في المنزل كما يفعل «طالبان». وتتعدد الزوجات لرجل واحد، وتكون رهينة الطلاق كحق مطلق للرجل! والحقيقة أن كل هذه الدعاوى المتحاملة باطلة، وتنطلق من ترسانة متفشية في الذهن الغربي من الصور النمطية البعيدة عن الواقع، فهذه صورة مسرحية سينمائية من الحياة الشعبية بعيدة عن وضع المرأة في الشريعة وفي الواقع المعيش. فالشريعة أتت في بيئة لم يكن للمرأة فيها أصلاً حق الحياة. كانت توأد عاراً. فرد الإسلام لها حق الحياة وأعاد لها حقوقها كاملة. ولم يكن لها نصيب في الميراث ولا تعتبر شهادتها. فجعل لها الإسلام شهادة، وتعامل مع حقوقها بأعلى صور العدل والإنصاف، وهذا هو جوهر روح الإسلام ومقاصد الشريعة المطهّرة. وقد جعل لها الإسلام أيضاً شخصية اعتبارية في الاحتفاظ باسمها وبحقها في الممارسات التجارية وفي التعليم والعمل، والاشتراك في شتى نواحي الحياة الاجتماعية. ولها الحق في اختيار شريك حياتها، قبولاً أو رفضاً، وحق طلب الطلاق في حالة عدم استيفاء حقوقها أو النيل منها، كما هو الحال في قانون الخلع. وفي المقابل فإن «حق» الإجهاض والشذوذ الجنسي والعري مرتبط بالحضارة الغربية وحدها دون باقي الحضارات، التي تقوم على حق الحياة للأفراد وللنفس والفطرة الطبيعية وحرمة الجسد.