خيرالله خيرالله

كان العرض العسكري لـ«حزب الله» في القصير السورية رسالة في اتجاهات عدّة اكّدت قبل ايّ شيء آخر انّ ميليشيا هذا الحزب ليست سوى لواء في «الحرس الثوري الايراني». فحوى الرسالة ان ايران موجودة في سورية وذلك ليس عبر قواتها فحسب، بل عبر ميليشيات أخرى تابعة لها أيضا. بين هذه الميليشيات «حزب الله».

هذا يعني في طبيعة الحال، انّ ليس في استطاعة أي جهة، اكانت أميركية او إسرائيلية او تركية او روسية خصوصاً، او أي اتفاقات بين هذه الدولة او تلك تجاوز الوجود الايراني في الأراضي السورية. ايران شريك في أي قرار متعلّق بمستقبل سورية بغض النظر عمّا يحصل بين روسيا وتركيا وما يمكن ان يحصل في المستقبل بين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، او بين إسرائيل وكلّ من تركيا وروسيا.

لم يكن العرض العسكري مجرّد عرض قوة يظهر ان «حزب الله» صار بالفعل اقرب الى جيش نظامي يستطيع التحرك بكلّ حرية بين سوريا ولبنان وفي البلدين معا، أي انّه الغى شيئا اسمه الحدود اللبنانية والسيادة الوطنية لكلّ من لبنان وسوريا وكلّ ما ترمز اليه هذه الحدود. هناك، الى جانب ذلك، عاملان في غاية الاهمّية لا يمكن تجاهلهما هما عاملا المكان والزمان، إضافة بالطبع الى معنى سقوط نظرية السيادة السورية بعدما صار في استطاعة ميليشيا لبنانية تابعة لإيران تنظيم عرض عسكري على ارض ذلك البلد...

عامل المكان هو القصير، ذات الموقع الاستراتيجي على الطريق الممتد بين دمشق وحمص. الوجود في القصير جزء من عملية تدمير حمص كمدينة سنّية ـ مسيحية رفضت تاريخيا الرضوخ للنظام الاقلّوي في سوريا. هذا الوجود جزء ايضا من عملية تدجين دمشق وتغيير طبيعة المدينة وتركيبتها السكّانية. يشمل ذلك ايضا كلّ المناطق المحيطة بها، اكان ذلك عن طريق التطهير ذي الطابع المذهبي، الذي يتضمن استحضار عائلات من مناطق سورية أخرى او من لبنان والعراق، او عن طريق التهجير وشراء الاراضي.

باختصار، ان القصير، التي هجّر «حزب الله» أهلها، ترمز الى سياسة تقوم على ربط دمشق بحمص كجزء من مشروع «سورية المفيدة» الذي تعتبر ايران انّ لديها حصّة كبيرة فيه تقوم على التحكّم بدمشق عبر وسائل عدة. من بين هذه الوسائل ربط «سورية المفيدة» بالدويلة التي اقامها «حزب الله» في لبنان.

امّا الزمان، فهو زمان ترامب. تريد ايران ابلاغ الإدارة الجديدة في واشنطن انّها لاعب أساسي في سورية وانّ لا مجال لتجاهل ذلك باي شكل. ايران تؤكد، عبر العرض العسكري لـ«حزب الله» في القصير، انّها تتحكم بلبنان وتتحكم بجزء من سورية وان لا شيء يمكن ان يحصل في سوريا من دونها، تماما كما عليه الحال في العراق.

بالنسبة الى عامل الزمان، لم يعد سرّاً ان ايران تقدّم أوراق اعتمادها، في هذا الوقت بالذات، للادارة الأميركية الجديدة في حين يتحدّث رئيس النظام السوري بشّار الأسد عن استعداده للتعاون مع إدارة ترامب في الحرب على الإرهاب. هل من مهزلة اكبر من مهزلة ان يتحدث النظام السوري وايران عن الحرب على الإرهاب؟ اذا كان ترامب ساذجاً الى حد عدم الربط بين النظام السوري وايران من جهة والإرهاب من جهة أخرى، هل سيكون المسؤولون البارزون في الادارة الجديدة من الجهل الى درجة السقوط في الفخّ الايراني القائم على فكرة ان الشعب السوري مجموعة من الإرهابيين؟

انّه زمان دونالد ترامب الذي تحاول ايران التكيّف معه عن طريق سلسلة من المناورات التي تقوم بها من بينها فرض امر واقع في سوريا. يقوم هذا الامر الواقع على انّ وجودها العسكري والامني ووجودها الآخر، الذي يحمل الطابع المذهبي في دمشق وحول دمشق وفي محيط حلب، يعني ان لا بحث في مستقبل هذا البلد، بقي موحّداً ام لا، من دونها.

تبقى للبنان حصّته في رسالة القصير. جاء العرض العسكري بعد انتخاب رئيس للجمهورية وبعد تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل حكومة. من يقوم بعرض عسكري في القصير، انّما يقول للعهد الجديد انّه اكبر من لبنان. «حزب الله» اكبر من البلد ومن كلّ مؤسساته. ولذلك سمح أخيرا بانتخاب رئيس للجمهورية بعدما اربكه موقف سعد الحريري. انّه لاعب إقليمي منخرط في المشروع التوسّعي الايراني الذي يبدأ في العراق ويصل الى لبنان عبر سورية. لم تعد من حدود معترف بها دوليا تفصل بين الدول. هناك رابط مذهبي يتجاوز كلّ حدود وكلّ سيادة وطنية. هذا الرابط المذهبي الذي تستثمر فيه ايران يجعل «حزب الله» قادرا على القول انّ لبنان مجرد تفصيل بالنسبة اليه وانّه يخوض معارك كبيرة ابعد بكثير من حدود البلد الصغير... وصولا الى اليمن والبحرين وعدد لا بأس به من دول الخليج!

يطرح العرض العسكري لـ«حزب الله» في القصير والذي ترافق مع ممارسات عدّة ذات طابع مذهبي، كانت احداها في مطار بيروت، تحدّيات كثيرة امام العهد الجديد في لبنان.

يواجه هذا العهد قبل كلّ شيء ازمة اقتصادية عميقة يعاني منها البلد. لا خروج من هذه الازمة من دون لملمة الاوضاع الداخلية والعمل على إعادة الانفتاح على دول الخليج العربي. ما يفعله «حزب الله» يصبّ في عزل لبنان عن العرب وسدّ ابوابه في وجههم. وستكون لذلك انعكاسات في غاية السلبية على اللبنانيين العاملين في الخليج في المدى البعيد وعلى مستقبل اولادهم.

في الإمكان الإشارة الى تحديات كثيرة أخرى، من بينها النفايات والمعاينة الميكانيكية للسيارات، لكنّ الموضوع الذي سيطرح نفسه في الأسابيع والاشهر المقبلة هو ذلك المتعلّق باللاجئين السوريين في لبنان. الأكيد ان تهجير السوريين من ارضهم الى لبنان وغير لبنان، من منطلق مذهبي اوّلا، لن يساعد في حلّ المعضلة السورية. على العكس من ذلك، سيساهم في تعقيدها، كما سيخلق مشاكل ضخمة لبلد صغير مثل لبنان. الأكيد أيضا انّ وجود «حزب الله» في سورية كتعبير عن الاحتلال الايراني لجزء من هذا البلد لن يساهم سوى في خدمة الإرهاب. من يقمع شعبا ويهجّره من ارضه، انما لا يدري ما الذي يفعله وما ستكون عليه النتائج التي ستترتب على ذلك في مرحلة لاحقة. سيكون على من يستثمر في اثارة الغرائز المذهبية، ان عبر المشاركة في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري او عبر عرض عسكري في القصير، تحمل نتائج اعماله عاجلا ام آجلا... ولكن منذ متى كان لبنان واللبنانيون ومستقبل أبنائهم همّا إيرانيا او احد هموم «حزب الله» بكلّ ما يجسّده على كلّ صعيد، بما في ذلك التعبير عن مشروع توسّعي قائم على استخدام الشعارات الطنانة والغرائز المذهبية لتفتيت المنطقة طوائف ومذاهب واشعال حروب داخلية لا نهاية لها!