سمير عطا الله

 جزء كبير من جائزة نوبل الآداب هو الاحتفال بتسلّمها. إنه مناسبة لأن يلقي الفائز خطابًا، أو رسالة، أدبية تاريخية، وتذكّر مهابة الاحتفال وتقاليده بأهمية الأدب ومكانة الآداب في الوعي الإنساني حول العالم. وسواء اعترض البعض على نوعية وأهمية الفائزين أم لا، فإن الجائزة نفسها تبقى تشريفًا متفقًا عليه مدى السنين. ولذلك، نادرًا ما يرفض أي فائز هذا الوسام، كما حدث مع جان بول سارتر، الذي في أي حال، كان يرفض معظم الأشياء، بحجة أنها بورجوازية. وعاد فشعر بالندم، وطالب بقيمة الجائزة بعد فوات الأوان. وبين الذين اعتذروا عن عدم تسلمها الكاتب الروسي ألكسندر سولجنتسين، الذي كان يخشى أنه إذا سافر إلى السويد لتسلمها، فلن يُسمح له بالعودة إلى بلاده. هذا العام استغرب العالم أن تُمنح الجائزة للمغني الأميركي بوب ديلان. وأخذت الناس في كل مكان تفتّش في أعماله الشعرية القليلة، بحثًا عن مبررات المَنح. ولعل أجمل «الفتاوى» جاءت من الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، الذي كتب أن العرب تعتبر الشعر غناء، ولذا يقال للشاعر: هاتِ أنشدنا.
الوحيد الذي لم يهتم للأمر، كان المطرب السيد ديلان. مضى أسبوعان والناس تسأل: أين هو، وهل يريد الجائزة أم لا، ولماذا يقف صامتًا حيال تكريم يتمناه أدباء العالم أجمع كل عام؟ ثم بعد فترة بدت في طول دهر، ظهر المطرب السيد ديلان ليُعرب عن غبطته الفائقة بالجائزة التي أُعطيت له، «لأنه خلق تعبيرًا شعريًا جديدًا ضمن تقليد الغناء الأميركي العظيم».
الأربعاء الماضي، أصدرت الأكاديمية السويدية بيانًا جاء فيه أن «الأكاديمية تلقَّت مساء أمس رسالة شخصية من بوب ديلان، يوضح فيها، أنه نظرًا لارتباطه بالتزامات سابقة، لن يكون في استطاعته السفر إلى استوكهولم في ديسمبر (كانون الأول)، وبالتالي، لن يحضر احتفال تسليم جائزة نوبل». ما أهم من احتفال استوكهولم؟ لا حاجة إلى تحزّر الجواب. وحتى لو لم يكن الأمر مهمًا، فهناك التزام أخلاقي بوجوب الحضور، لكن المطرب، السيد ديلان، تعامل مع الأكاديمية السويدية كأنها مُلتزم حفلات، تتعارض بينهما المواعيد والارتباطات. وأعتقد أن احترامًا للجائزة وتقاليدها وأسماء الكبار الذين أعطيت لهم، يجب أن تخرج الأكاديمية عن تهذيبها التقليدي، لكي تقول إنها هي أيضًا مرتبطة بالتزامات تدفعها إلى سحب جائزة 2016 للآداب من الرجل الذي مُنحت له.
لا يقدم سلوك المطرب ولا يؤخر في قيمة الجائزة وأهميتها. مجرد محاولة سطحية مفضوحة وفاضحة، لإثارة مزيد من الشهرة من حوله. وكان الأحرى به أن يُعلن رفض الجائزة من اللحظة الأولى، بدل كل هذه التصرّفات «الهيتشكوكية» المنفّرة والمبتذلة. وقد أثبت أن جميع الذين اعترضوا على منحه الجائزة، كانوا على حق، وكانت الأكاديمية السويدية العريقة على شطط. لعلها في المرة المقبلة، تبحث عن عطاء أدبي أكثر استحقاقًا.