عبد المنعم سعيد

خلال الشهور القليلة الماضية، خاصة بعد اختيار مؤتمرات الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة لمرشحيهما في الانتخابات الرئاسية الأميركية، لم يتوقف المصريون عن السؤال عمن سوف يفوز، هيلاري كلينتون أو دونالد ترامب؟ وكان السؤال التالي دائماً عن أي منهما يكون أكثر فائدة لمصر؟

وكانت إجابتي الدائمة هي أن الشعب الأميركي هو وحده المشارك في الانتخابات؛ كما أن الفائدة لا تتحقق عن طريق الرئيس الأميركي وإنما تقوم على القدرة المصرية على التعامل مع الولايات المتحدة أيا من كان رئيسها، وفي كل الأحوال فإن أيا من المرشحين للرئاسة سوف يكون أفضل من باراك أوباما الذي تعامل مع مصر في كثير من الأحيان من منطلقات أيدلوجية حجبت عنه الكثير من الحقائق المصرية.

وليس سراً على أحد أن العلاقات المصرية الأميركية منذ عام ٢٠١١ ليست على ما يرام، ويعتريها قدر غير قليل من التوتر وسوء الفهم خاصة بعد ثورة يونيو ٢٠١٣.

صحيح أن جهداً مشتركاً جرى خلال العامين الماضيين لكي يكون التعامل مع العلاقة أكثر واقعية تقوم على الاعتراف المتبادل بحقيقة الأوضاع في كلا البلدين. وكان لقاء الرئيس السيسي مع المرشحين خلال زيارته للولايات المتحدة لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة بداية واقعية للعلاقات مع الفائز في الانتخابات.

الآن انتهت الحملة الانتخابية، وأصبح دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، وسوف يكون كذلك خلال السنوات الأربع المقبلة. وأيا كانت دقائق الفوز وأسبابه، فإن ما يهمنا هو كيف نعيد العلاقات المصرية الأميركية إلى المسار الذي يعظم من المصالح المتبادلة بين الطرفين؛ خاصة وأن هذه المصالح حتى وفقا للأوضاع الحالية غير قليلة، وهي في كثير من الأحيان استراتيجية.

ومن المعلوم أن المؤسسات الأميركية تلعب دوراً مهماً في صياغة وتطبيق السياسات العامة؛ ولكن دور الفرد الرئيس يظل حيويا، وتزداد حيويته، كما هو الحال مع ترامب، حينما يتمتع الرئيس بالكاريزما والعزم الذي ظهر إبان الحملة الانتخابية.

فالثابت أن الرئيس الجديد لم ينتصر فقط على المرشحة الديمقراطية، وإنما انتصر على "المؤسسة" الأميركية حينما فاز على أعضاء في مجلسي النواب والشيوخ، وباقة من حكام الولايات، وعلى كل الحزب الديمقراطي ورئيسه في الحكم، وإعلانه الدائم أنه قادم إلى واشنطن لكي ينظف "المستنقع" الذي تعيش فيه.

أعلم أن كثيرين منا سوف يشيرون إلى أن ترامب في الحكم سوف يختلف عن شخصيته أثناء الحملة الانتخابية، وأنه في النهاية سوف يتم تقليم أظافره "الشعبوية" ويعود إلى حيث كان كل الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين من قبله.

ولكن مع عدم استبعاد هذه الفرضية، فإن ترامب لن يفقد بسهولة قدرته على التواصل المباشر مع الشعب الأميركي وخاصة مع الطبقة العاملة؛ ومن يعلم فربما لن تقلم المؤسسات أظافره وإنما يقوم هو كما فعل طوال الشهور الماضية بتقليم أظافرها.

في كل الأحوال فإنه سوف يكون علينا التعامل مع رئيس قوي يملك سمات شخصية قيادية قوية، ولديه أغلبية نافذة في مجلسي الشيوخ والنواب؛ ومن سماته أنه يحب التعامل مع القيادات القوية كما هو الحال مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وفي الماضي كان الحديث ذائعا عن حق بضرورة فهم عمل المؤسسات الأميركية، والآن فإن الضرورة تقتضي فهم الرئيس الأميركي والطاقم الذي سوف يعمل معه. وبداية الفهم أن "الفرد" له دور في التاريخ، وأنه ليس مجرد نتاج للظروف الموضوعية التي يعمل في ظلها، أو المؤسسات التي تحيط به، بل انه أحيانا يكون مشكلاً لحدودها.

ولحسن الحظ فإن ترامب لا يختلف كثيراً عن بقية القادة الجمهوريين على الأقل فيما يخص مصر، والذين يتعاملون معها على أسس واقعية وإستراتيجية في الأساس؛ وبالتأكيد فإنها لا تتضمن هندسة التغير السياسي والاجتماعي في دول أخرى وفقا للفضائل الأميركية كما يرونها عبر المحيط.

مثل ذلك سوف يكون أخباراً سيئة للجمعيات الحقوقية المصرية التي بالغت في توجهاتها نحو واشنطن وآن الأوان لها لكي تتفاعل مع الواقع المصري بالمساهمة السياسية وليس الاختبارات والامتحانات غير ذات الجدوى.

ولكن ذلك من ناحية أخرى يرفع عن العلاقات المصرية الأميركية الكثير من الأثقال التي ألمت بها، ويجعل المسائل بين البلدين ذات طبيعة عملية، ربما يضيف لها في النهاية شخصية ترامب كرجل أعمال يبالغ أحيانا في الخلط بين الصفقات التجارية والمواءمة بين المصالح القومية للدول، ولكن ذلك سوف يكون أقل وطأة من محاولات اليسار الليبرالي الأميركي سواء كان البيت الأبيض أو في مجمعات مراكز البحوث والجمعيات في العاصمة واشنطن.

ذكرت دوماً أن مصر لديها علاقات خارجية لا بد لها أن تتعامل معها بحساسية بالغة للأشخاص والمؤسسات والهوية الثقافية، وكلها ضرورية للأفق الاستراتيجي المصري!