عبيدلي العبيدلي 

بتنظيم من «معهد البحرين للتنمية السياسية»، وبرعاية من نائب رئيس مجلس الوزراء الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة، وعلى امتداد ثلاث جلسات استغرقت ما يربو على خمس ساعات، التقي ما يقارب من 12 باحثًا وفنانًا ونشطًا في مجال التواصل الاجتماعي، يناقشهم ما يزيد على 500 مشارك، في «المنتدى الخليجي الرابع للإعلام»، في فندق الروتانا أمواج في البحرين، لمناقشة قضية «الإعلام والهوية الخليجية».
وهي قضية أصبحت تحظى باهتمام العديد من المؤسسات البحثية وإدارات صناع القرار في منطقة الخليج العربي على وجه الخصوص، وفي البلاد العربية على وجه العموم، جراء التحديات الدولية والإقليمية التي تواجه هذه الهوية.
توقف المشاركون في جلساتهم الثلاث عند محاور المنتدى، التي كانت: «الهوية الخليجية والعولمة»، «مستقبل الهوية الخليجية»، وأخيرا «دور الإعلام في تعزيز الهوية الخليجية».
وباستثناء المتحدث الرئيس في المنتدى وزير الإعلام الكويتي الأسبق سعد بن طفلة الذي حاول أن يرجع كلمة «الهوية إلى جذورها التاريخية واللغوية»، لم يتطرق المشاركون في «المنتدى» إلى مفهوم الهوية عموما ومكوناتها الخليجية على وجه التحديد، لكن ذلك لم يمنع من ارتفاع سخونة المناقشات بشأن مقومات الهوية الخليجية، والتهديدات التي تتربص بها، والمخاطر التي تهددها في جذورها.
كما أثارت النقاشات المتشعبة في صفوف المشاركين، مجموعة من القضايا ذات العلاقة بمستقبل الهوية الخليجية.
وموضوع الهوية بشكل عام كان مثار الكثير من الحوارات والاجتهادات التي تفاوتت بين المدخل السياسي ورديفه الاجتماعي، بل عالجها بعض المفكرين من منطلقات نفسية، مثل أريكسون، الذي ينقل عنه الكاتب مجد خضر فهمه للهويات بالاعتماد على نظريات علم النفس التي ترى بأن «الهوية لا تتكون نتيجةً لعوامل اجتماعية فقط؛ بل تعتمد على العديد من العوامل الأخرى، والتي تهتمّ بدراسة السلوك النفسي للأفراد، وكيفيّة تأقلمهم مع المجتمع الذي يوجدون فيهِ، وخصوصاً عند انتقالهم لمجتمعات جديدة، فيُرغمون على تغيير هويتهم، والمقصود بالهويّة هنا ليست بطاقة التعريف الشخصي لكل فرد، بل طبيعة التصرفات، وبعض العادات، وحتى اللهجة، أو اللغة، ممّا يؤدّي إلى تحقيق معنى الاندماج مع البيئة المحيطة بالأفراد».
أما بالنسبة للكاتب محمد ابوخليف، فهو يحصر تعريف الهوية في «مجموعة من المُميّزات التي يمتلّكها الأفراد، وتُساهمُ في جعلهم يُحقّقون صفة التفرّد عن غيرهم، وقد تكون هذه المُميّزات مُشتركة بين جماعةٍ من النّاس سواء ضمن المجتمع، أو الدّولة. ومن التّعريفات الأُخرى لمصطلحِ الهويّة أنّها كلُ شيءٍ مُشترك بين أفراد مَجموعةٍ مُحدّدة، أو شريحة اجتماعيّة تُساهمُ في بناءِ مُحيطٍ عامٍ لدولةٍ ما، ويتمُّ التّعاملُ مع أولئك الأفراد وفقًا للهويّة الخاصّة بهم».
مسألة أخرى في غاية الأهمية ينوه لها الكاتب إبراهيم القادري بوتشيش، تتعلق «بثبوت الهوية وتغيرها». يرى بوتشيش أن الهوية «قد طرحت على محك المساءلة والنقاش، وأثبتت المجادلات العلمية أن هوية أي مجتمع ليست أمرا ثابتا وسرمديا كما ذهب إلى ذلك المفكر المغربي محمد عايد الجابري، بل يرتبط بالمؤثرات الخارجية وبالتداول العلمي للأفكار والثقافات. كما يرتبط بالصراع على السلطة، وهي الصراعات التي تشحذها هي نفسها بصورة مباشرة أو غير مباشرة المؤثرات الخارجية ولعبة التوازنات».
هذا يعني فيما يعني، أن الهوية «كائن» ديناميكي متحرك، وليس كما يصورها البعض تعريفا استاتيكيا جامدا.
على أن هناك من يعالج الهوية من منطلقات دينية محضة، ويستعين في ذلك بأقوال الرسول عليه السلام التي تشير إلى أن «من شق عصا الطاعة وخرج على الجماعة مات ميتة الجاهلية»، وقوله أيضا «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، معتبرين ذلك نوعا من أنواع الانتماء، الذي يصب في نهاية الأمر في «بوتقة» الهوية.
ويأخذ أصحاب هذا المدخل الإسلامي من أمثال رمضان الغنام على الكتاب والمثقفين العرب إحلالهم الهوية القومية مكان الهوية الإسلامية، ويرون أنهم -أي المثقفين العرب- «قد سطحوا من مسألة الهوية، وهمشوا من محتواها الإسلامي والعقدي، بل ربما ألغوه تماما، ومن ثم قصروا مفهوم الهوية على الانتماء للعربية، وبعض المظاهر الحضارية والثقافية والفنية المرتبطة بذلك، والتي تبلورت فيما بعد في فكرة القومية العربية».
لكن حقيقة الأمر، وكما يشير العديد من الكتابات التي تحاول الغوص عميقا بحثا عن مفهوم محدد واضح المعالم للهوية، نجد الكثيرين يرون أن «مفهوم الهوية مثله مثل معظم مفاهيم العلوم الاجتماعية والإنسانية هلامي وواسع، يحتمل الكثير من المعاني والتفسيرات، وهي من أكثر المفاهيم تداولاً وأكثرها غموضًا وتلوّنًا وتشعُّبًا».
مسألة تستحق التوقف عندها عند البحث عن الهوية، وهو علاقتها بالعقل البشري، فهي كما يعتبرها الكاتب السوداني عبد الرحمن خميس، نقلا عن الفيلسوف إميل ما يرسون، رؤية العقل الذي «لا يستطيع أن يدرك من الواقع إلا ما يمكن رده إلى الهوية، فالعقل حينما يواجه التنوع و الاختلاف في ذوات العالم و موضوعاته، إما أن يفترض انه يستطيع اكتشاف الوحدة داخل التغير فيكون له هدف و معنى، إما أن يفترض أن لا هوية لا شيء إلا في لحظة عابرة في سياق جدلية لا تنتهي، فيكون حينئذ كمن يبحث في العدم و عليه أن يكف عن استنتاج القانون لأي ظاهرة إلا ظاهرة التغير، والواقع أننا نقف من العالم موقفا مغايرا لهذه النزعة الموغلة في فهم جدلية التغير».
ويؤسس خميس لذلك كي يستنتج «إن الهوية أي الأمة تنشأ من هويتها الاجتماعية والثقافية واللغوية وغيرها مما يميز هذه الأمة ولكي نقف على ملامح الهوية السودانية لابد و أن نقف على ملامحه الاجتماعية والثقافية وغيرها من خصوصيات المجتمع السوداني».
لقد أشعل «معهد البحرين للتنمية السياسية» نار نقاشات ساخنة بتخصيصه موضوع «منتداه الرابع» لهذه المسألة، التي نتوقع أن تثير حوارات ساخنة في صفوف الانتلجنسيا العربية من شأنها اغناء النقاشات المحتدمة بشأنها.