وليد خدوري

ينعقد الاجتماع الوزاري لمنظمة «أوبك» في ظل أوضاع صعبة نفطياً، تحاول دول خلالها تحقيق معدلات إنتاج عالية نتيجة تطوير طاقة إنتاجية جديدة لها، أو التعويض عما فقدته منها خلال السنوات الأخيرة بسبب الحروب أو المقاطعة الدولية. كما هناك التغيير المؤسسي في صناعة النفط العالمية، والتخمة التي نتجت من الازدياد الملحوظ في إنتاج النفط الصخري الأميركي. وسياسياً، هناك الدمار والفوضى في بلدان عدة ، كالحرب في ليبيا أو تفجير البنى التحتية النفطية في نيجيريا، أو معركة تحرير العراق من «داعش»، أو الفوضى العارمة في فنزويلا، أو محاولة إيران تسديد حسابات الحصار الدولي على نفقة «أوبك». ولا نغفل المحاولات، من داخل المنظمة وخارجها، لإلقاء عبء اتفاق تحديد الإنتاج أو خفضه على الدول النفطية الكبرى في الخليج.

برزت هذه المحاولات من خلال نهجين. أولهما، محاولة الدول المنتجة من خارج «أوبك» عدم المساهمة في تحديد معدلات الإنتاج وإلقاء العبء على أقطار «أوبك» فقط، كما كان معتاداً. وثانيهما، محاولة بعض أقطار المنظمة عدم الالتزام بقرار تحديد الإنتاج أو خفضه وتحميل الدول العربية النفطية في الخليج المسؤولية الكبرى. ويشمل العامل السياسي أيضاً، الصراع الإقليمي مع إيران، إضافة الى محاولة طهران تثبيت إنتاجها على ما كان عليه قبل فرض العقوبات، من خلال إعادة مستواه الى نحو 4 ملايين برميل يومياً، مقارنة بنحو 3.8 مليون برميل يومياً حالياً، والسعي الى أن يشكل مجمل إنتاجها في المرحلة الراهنة نحو 12.7 في المئة من مجمل إنتاج المنظمة، كما كان عليه قبل العقوبات.

وتتعقد الأمور أيضاً بسبب الخلافات «الفنية». فما هي الأرقام الحقيقية لإنتاج كل دولة، وما هي طاقتها الإنتاجية الإضافية المتوافرة؟ هناك خلافات مستمرة حول هذه الأرقام التي تبرز أهميتها أثناء الأزمات، كما هو الوضع الآن.

أدت هذه الخلافات الى بروز صورة متشائمة عن اجتماع «أوبك» المقبل في فيينا في 30 من الشهر الجاري. فهناك مخاوف من انهيار الأسعار ثانية في حال عدم التوصل الى اتفاق في الاجتماع المقبل، ومن استمرار زيادة المخزون النفطي التجاري العالمي. ويذكر أن نظرة تفاؤلية عمت الأسواق خلال الأسابيع الماضية، بعيد الاجتماع الوزاري الاستثنائي للمنظمة في الجزائر، وارتفعت الأسعار الى ما فوق 50 دولاراً للبرميل. لكن لا يزال التشاؤم سيد الموقف، فانخفضت الأسعار الى نحو 43 دولاراً للبرميل الأسبوع الماضي. لكن فجأة، عاد بصيص أمل بتوصّل المنظمة الى اتفاق، وارتفعت الأسعار في منتصف الأسبوع الى نحو 46 دولاراً للبرميل.

لماذا هذا التغيير في نظرة الأسواق؟ وهل هناك إمكان لاتفاق الدول المنتجة في اللحظة الأخيرة؟

هناك عاملان مهمان يعطيان بعض الأمل في ردم الهوة. الأول والأهم، الوضع الاقتصادي المتردي في معظم الدول المنتجة. فهناك عجز الموازنات ما اضطر بعضها الى الاقتراض أو تأجيل الكثير من المشاريع، بل إلغاء الكثير منها. وهناك تأخير فاضح في دفع المستحقات للشركات التي نفذت أعمالاً فيها، والتي تنتظر شهوراً لاستلام مستحقاتها. ومن نافل القول أن الصراعات العسكرية في الشرق الأوسط باهظة الثمن وتشكل عبئاً كبيراً على موازنات الدول المنتجة. والإخفاق في التوصل الى اتفاق نهاية هذا الشهر، سيعني تدهوراً جديداً للأسعار قد يؤدي بها الى الحدود الدنيا التي بلغتها خلال العامين الماضيين، ما يشكل تحديات سياسية صعبة لمعظم الدول المنتجة.

والعامل الثاني، التعاون السعودي - الروسي (أكبر دولتين منتجتين للنفط في العالم) لاستقرار الأسواق والتوصل الى اتفاق لتحديد الإنتاج لأقطار المنظمة وللدول غير الأعضاء فيها. ويتّجه الدور الروسي في اتجاهين، الأول محاولة الحصول على تأييد أوسع عدد ممكن من الدول المطلة على بحر قزوين، إضافة الى دول أخرى، للمساهمة في تحديد الإنتاج. والثاني، محاولة تعديل المطلب الإيراني. وهنا تجدر الإشارة الى مخاوف في المنظمة من التجربة السابقة ما بين «أوبك» وروسيا. فقد وعدت روسيا سابقاً بالتعاون مع المنظمة وخفض إنتاجها، ولم تنفذ تعهدها. لكن هناك الآن علاقة نفطية جديدة، بخاصة بين السعودية وإيران. ويتوقع أنها، في حال توطيدها، ستساعد في الوصول الى اتفاق لتثبيت الإنتاج.

ما هو الحل الممكن التوصل إليه في ظل هذه العقبات؟

يتضح أن هناك إمكاناً للتوصل الى حل هجين، يجمع بين تجميد مستوى الإنتاج أولاً، تليه محاولة لاحقة بعد أشهر لخفض الإنتاج، ويمكن انطلاق هذه المحاولة الهجين في حال تحقيق الآتي: موافقة كل الدول على العمل جماعياً، من دون استثناء (هناك تفاهم لاستثناء ليبيا ونيجيريا نظراً الى أوضاعهما الأمنية وتدهور معدل إنتاجهما). والتعهد بالخفض بنسب متعادلة لكل دولة، وأن تتبنى المنظمة نظاماً ذاتياً جديداً لمراقبة معدل الإنتاج للدول الأعضاء في «أوبك» واحتسابه.

هل يمكن تحقيق هذه الأهداف خلال الأيام القليلة المتبقية قبل الاجتماع الوزاري؟

هناك اجتماعات ماراتونية ما بين الوزراء والأمين العام للمنظمة خلال هذه الأيام، لحل الخلافات قبيل الاجتماع. ويذكر أنها ليست المرة الأولى التي تجتمع فيها المنظمة في ظل خلافات صعبة. وهي ليست التجربة الأولى للمنظمة في الوصول الى تفاهمات قبل الاجتماع، ثم يتم الاتفاق النهائي في الاجتماع. لكن لم يتم اجتماع وزاري سابقاً في ظل تدهور الأنظمة السياسية لعدد من أعضاء المنظمة في آن واحد، أو في ظل أوضاع اقتصادية متردية لعدد من الدول الأعضاء.

سيستمر الاضطراب في الأسواق حتى صدور البيان النهائي لمؤتمر فيينا، وستستمر الأسعار متذبذبة الى حينه أيضاً، وربما لبعده للتأكد من صدقية القرار.