عبدالله بشارة

يقترب التاريخ المحدد للانتخابات، ولم يأت المشهد الانتخابي بما كنا نتمنى، ولا حتى بالمقبول، تتكرر الانتخابات كل أربع سنوات، أو ربما أقل، وهذه الوجوه المألوفة تعود لتعيد كلمات سمعناها، ووعود عاصرناها، وبهرجة اعلامية شاهدناها، وتوترات لفظية تخرج من مرشح، مع اليقين بعجزه عن تنفيذ تلك الوعود، التي أشغل الناس بها، مع أسماء تواجدت منذ أكثر من عقدين، تعيش في رفاهية العضوية البرلمانية مستمتعة بوجاهة المكان، وعلو المقام، اللذين يتيحان لها الوصول إلى أعلى المواقع، تطلب وتتوسل لعل أصحاب النفوذ يتعاطفون مع وصية من النافذ بالاهتمام بهؤلاء، وهم نواب الاحراجات، الذين أسسوا سمعة لا تليق بهم كنواب خدمات، هم نوعية تصطف مع المنافع، قانعة بما تحصل عليه من أهل السلطة والنفوذ.
وأشعر كمواطن بأن هؤلاء لا حق لهم بالعودة، فليس عندهم فكر يلمع، وإنما فقط لسان يصدع، استباحوا في تجاربهم تحقير القانون، وأهملوا هيبة الدستور، وتسابقوا على تخريب المرتكزات التي تؤسس لدولة القانون، وهناك شريحة أخرى مختلفة عن نواب المخالفات وهم نواب العودة.
نقرأ عن أسماء تعود إلى حلقة الندوات بعد قطيعة، فيها التعالي على الصوت الواحد، تحمل في خطبها الكثير من نبرة التهجم على نواب سابقين، أطلقوا عليهم المناديب، وكثير من هؤلاء سبق أن ساروا في طريق المناديب وعلا شأنهم، وتبدلت أحوالهم فصاروا خصوماً لزملاء الأمس، ينبذون نواب آخر المجالس، ويتوعدونهم بتنظيف بيت الأمة منهم.
جاء هؤلاء من حضن الاسلام السياسي، أو من سقف قبلي، بعد أن دار الزمن مع الصوت الواحد بلا عودة، فآثروا القتال البرلماني من الداخل، لعلهم ينتصرون في عودة ما مضى.
وهناك المجموعة الثالثة، وهم المرشحون من نواب سابقين، استوزرتهم الدولة، يعودون مكررين ما سمعناه من زمان، بلا لمعان، غابت عنهم حيوية الشباب وبان الاجهاد، وبرز الاعياء، وليس في خزينتهم ما تنتظره الكويت، أعطوا ما لديهم وأصبح الخزان فارغا.
وخارج هذه اللائحة، تأتي الذاتية القبلية التي تستصرخ نزعة الانتماء، متجاوزة ولاء الوطن، متلهفة لنجدة القريب، ليس لديها خطة ترسمها في برنامج عمل.
ومن استطلاعات الصحافة، نتوقف عند ظاهرة مسرحية في مشهد الانتخابات، حيث يصل شحن التآزر القبلي إلى رمي العقال، فتندفع الهمة ويخرج المرشح بمباركة تبعده عن زحام المرشحين الآخرين، وفوق تلك الظاهرة تبرز تسريبات عن وثائق تخرج من بطن مجهول، فيها تحذير من الاقتراب من أشخاص معينين، وفيها إزالة كاملة لمفهوم الدولة المدنية، وهذه التسريبات تفرز انقسامات واتهامات لمعرفة مصادرها، ومن يختفي وراءها، ومن هو الملهم الأكبر لها، وليس في محتوياتها مراعاة لبنود دستور أو ولع خاص بالقانون، ولا اهتمام بالروح التي تتسيد مبادئ الدستور.
تبقى أسماء قليلة متناثرة من الشباب الواعد في بعض الدوائر التي لا تخلو من الثقل الطائفي والتواجد القبلي، تحمل بعض الأمل بأن تخرج الانتخابات بعدد من الشباب مهما كانت قلتهم، يمكن له أن يأخذ المبادرة بدعم من محتوى الدستور ويجاهر بالتضامن الشبابي، انتصارا لمبادئ وقيم الدستور، ويصرخ بعلو النبرة في وجه المتجاهلين، الذين حولوا البرلمان إلى واحة توفر لهم نعمة الامتيازات وحلاوة الابهة.
مشكلة اليوم ستدوم طالما المجتمع ظل مستقبلا هذا الوضع دون احتجاج، وبالذات جمعيات النفع المدني العام، وتكتلاتها السياسية الخاملة، التي ليس لها تواجد داخل الميدان الانتخابي، وليس لها مرشحون يدفعون نهج الدولة المدنية المنفتحة التي يرسمها الدستور.
كثيرون يأملون بأن تتحرك جمعيات مثل الخريجين والمحامين والمهندسين، وغيرها لتحتضن ترشيحات المرأة وتدفع بها، أو غيرها من الشباب الواعد القادر على محاكاة العصر بلغة العصر ومناقشة قضاياه، والقادر على تحديد الأولويات التي تصون الوطن مثل التركيبة السكانية الحالية التي لا تستقيم مع متطلبات الأمن والطمأنينة.
ستترك الانتخابات شروخا في المجتمع، ولا علاج لها إلا بإدراك أن قوة الكويت تكمن في صلابتها الداخلية والانتصار الجماعي لحماية هذه الصلابة.