أمير طاهري

عندما يتولى مقاليد الرئاسة في غضون بضعة أسابيع من الآن، ستكون المأساة المستمرة في سوريا واحدة من أوائل ملفات السياسة الخارجية على مكتب الرئيس المنتخب دونالد ترامب. وتعج الساحة السياسية الآن بالفعل بتكهنات حول ما يمكن أن يقدم عليه بخصوص الملف السوري.

 يعتقد بعض الخبراء أنه نظرًا لأن حديثا دار بالفعل بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء الحملة الانتخابية، فإنه ربما يعيد صياغة السياسة الأميركية تجاه سوريا بحيث تصبح أكثر قربًا من تلك التي تنتهجها موسكو. ومع ذلك، يتوقع آخرون أن ترامب، الذي يبدو عاقدًا العزم على التركيز على القضايا الداخلية، سيعمد إلى الابتعاد عن عش الدبابير السوري بأسرع ما يمكنه.
ويبقى آخرون ربما يتمتعون بقدر كبير من التفكير الحالم يعتقدون أنه نظرًا لتعهده بـ«تدمير» تنظيم داعش في الرقة شمال سوريا، فإن ترامب سيجد نفسه مضطرًا للتخلي عن سياسة الرئيس باراك أوباما القائمة على الوهم، بأخرى جادة حيال ما ينبغي النظر إليه باعتبارها أخطر أزمة دولية في الوقت الراهن.
في الواقع، يعود الفضل وراء ظهور مثل هذه التوقعات والتكهنات هنا وهناك إلى حقيقة أن الرئيس المنتخب لم يطلق أي تصريحات واضحة بخصوص سوريا أو أي قضية أخرى تتعلق بالسياسة الخارجية. وبالتالي، يصبح أقصى ما يمكن للمرء فعله محاولة تفسير التصريحات الشحيحة التي أدلى بها وخلق إطار عام لسياساته المحتملة بإمعان النظر في الشخصيات التي اختارها في فريق الأمن الوطني حتى الآن.
وعليه نجد أن النظرية القائلة بأن ترامب سيعيد صياغة السياسة الأميركية تجاه سوريا لتصبح أقرب لسياسة بوتين، تعتمد في حقيقة الأمر على تفسير مبالغ فيه للملحوظة العفوية التي أدلى بها ترامب عندما قال إنه «سيتماشى مع فلاديمير بوتين بصورة جيدة»، بيد أن «التماشي بصورة جيدة» لا يعني تسليم قيادة دفة السياسة الأميركية بخصوص قضية حساسة إلى الرئيس الروسي. الأهم من ذلك أن ثمة دلائل قوية تكشف أن موسكو ذاتها تفتقر إلى استراتيجية واضحة بخصوص سوريا. علاوة على ذلك، ورغم النبرة الودودة التي تحدث بها بوتين عن فوز ترامب، فإن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بدا أكثر حذرًا. ومن المحتمل أن يكتشف ترامب بمرور الوقت أن روسيا ذاتها لا تدري ما ينبغي لها فعله تجاه سوريا، بخلاف قتل الأبرياء عبر غارات جوية لا تميز بين مدنيين ومسلحين، تمامًا مثلما كانت الحال مع إدارة أوباما على مدار السنوات الخمس الماضية.
وينبئ الهجوم المرير الذي شنه لافروف، السبت، ضد أوباما، لنصحه ترامب بتوخي الحذر حيال التقارب مع روسيا، عن قلق موسكو من أن الإدارة الأميركية الجديدة ربما لا تنساق بسهولة وراء الركب الروسي.
اللافت أن هالة الغموض المحيطة بموقف ترامب المحتمل تجاه سوريا تزداد عندما يتعلق الأمر بمصير رئيس النظام السوري بشار الأسد. وقد انعكس ذلك بوضوح خلال مقابلة مع وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم نشرتها وكالة أنباء «إرنا» الإيرانية الرسمية، الأحد. وخلال المقابلة، قال الوزير: «من المبكر للغاية الحديث عما ستفعله الإدارة الأميركية الجديدة. ونحن على اتصال يومي بالجانب الروسي بهذا الشأن، مثلما الحال مع قضايا أخرى».
ويساور القلق إيران أيضًا على ما يبدو، حيال النهج الذي سيتخذه ترامب تجاه سوريا، خاصة إذا ما أثيرت القضية السورية في إطار تفاهم أوسع بين موسكو وواشنطن.
وفي مقال افتتاحي نشرته الأسبوع الماضي، حذرت صحيفة «كيهان» اليومية التي تعرف بأنها تعكس آراء «المرشد الأعلى» علي خامنئي، من اتفاق محتمل بين روسيا والولايات المتحدة ربما يقوض «المصالح الحيوية للممانعة». ويذكر أن «الممانعة» اللفظ الذي تستخدمه طهران للإشارة إلى نفسها وحلفائها بما فيهم الأسد والأذرع المختلفة لما يسمى «حزب الله» والكثير من الجماعات المسلحة بالعراق واليمن.
من جانبه، جعل خامنئي من مصير الأسد اختبارًا لإثبات ادعائه بأنه قائد الأمة الإسلامية. وقال علي أكبر ولايتي، أحد كبار مستشاري خامنئي فيما يخص السياسة الخارجية: «المرشد الأعلى لن يسمح بسقوط الرئيس الأسد». ومع هذا، تبقى مسألة تسليم الأسد حكم البلاد إلى سلطة مؤقتة تشكل الأطياف المتنوعة داخل سوريا، نقطة البداية لجميع الخطط المطروحة لإنهاء الصراع الدائر بالبلاد تقريبًا.
وسبق وأن أكد وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون والمتحدثة الرسمية باسم السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني، بأن أوروبا لن تقبل حلاً يبقي على الأسد في السلطة. بطبيعة الحال، ربما يأمل بوتين لو أن باستطاعته القضاء على المعارضة الرافضة للأسد قبل تولي ترامب رسميًا مقاليد الرئاسة. إلا أنه حتى لو حدث ذلك، فإن قرار تحديد من سيحكم دمشق لن يعود إلى موسكو، ذلك أن استعادة ولو المظهر الخارجي لبلد طبيعي يتطلب موارد ليس بإمكان موسكو ولا أي قوة أخرى توفيرها بمفردها. ولا يمكن سوى لائتلاف يضم الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا، الحيلولة دون تحول سوريا إلى مستنقع تترعرع فيه جراثيم الإرهاب لتهدد العالم بأسره.
بالنسبة لترامب، فإنه بالنظر إلى نمط الشخصيات التي اختارها في فريق الأمن الوطني المعاون له حتى الآن، يمكن القول بأنه من المحتمل أن يتبع سياسة أكثر نشاطًا تجاه محاربة الإرهاب. جدير بالذكر أن مستشاره للأمن الوطني، لفتنانت جنرال مايكل فلين، كان قد استقال من منصبه كمدير لوكالة استخبارات الدفاع عام 2014 لإيمانه بأن أوباما لم يكن جادًا في محاربته الإرهاب، خصوصا في سوريا.
وقد تجلى مؤشر يوحي بأن فلين سيكون واحدًا من أقرب مساعدي ترامب على شتى أصعدة السياسة الخارجية عندما نال الجنرال دعوة لحضور اجتماع الرئيس المنتخب مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في نيويورك، الأسبوع الماضي. كما أن الرجل الذي وقع عليه اختيار ترامب كمدير جديد لوكالة الاستخبارات المركزية، مايك بومبيو، فيمثل نبأ سيئًا آخر بالنسبة للأسد، ذلك أنه دعا مرارًا إلى أن هزيمة «داعش» تستلزم سياسة جديدة تجاه سوريا.
كما أن اعتماد الأسد المفرط على الدعم الإيراني يقلص فرص تحوله إلى الجانب الأميركي على أمل إطالة فترة بقائه في الحكم. وبالمثل نجد أن السيناتور جيف سيشنز، الرجل الذي اختاره ترامب كنائب عام جديد، لطالما انتهج موقفًا متشددًا حيال الملالي الإيرانيين و«الدور المدمر» الذي يقول إنهم يضطلعون به داخل الشرق الأوسط.
ولدى إجراء مسح لجميع الأسماء المرشحة لمنصب وزير الخارجية، نجد أنها تشترك فيما بينها في رفض السماح للأسد بالبقاء في منصبه. ورغم أن ميت رومني ورودي غيلياني وجون بولتون ربما يتبع كل منهم موقفًا أقل حدة حيال عقد صفقة مع روسيا، فإنهم من غير المحتمل أن يوافقوا على المشاركة في تحمل العبء الذي بات يشكله نظام الأسد بالنسبة للجميع، بما في ذلك من يرعونه في طهران وموسكو.
حقيقة الأمر في كل الأحوال تبقى مسألة وصول ترامب إلى الرئاسة نبأ غير سار بالنسبة للأسد ومن يدعمونه في طهران، وذلك ببساطة لأن وجود الأسد خبر سيئ بالنسبة لسوريا في حد ذاتها.