شاهد على حقبة عربية.. في حديث الشجـــــون الخليجية واللقاءات الغاضبة مع صدام وخامنئي

  جميــل الـــذيــابي

«عاصفة الحزم» ضرورة.. وسياسة قطر ليست بعـــيدة عنا.. و«عُمان» منعزلة.. و«قاتل الله السياسة»

نشأت بدوياً ودرست في مصر ودعاني الشيخ زايد للعودة من قطر وبقيت وزيراً للخارجية 29 عاماً

سعد العبدالله والدُّوري غادرا جدة ليلتقيا في بغداد ففاجأهما صدام في اليوم التالي باحتلال الكويت

كتبت روايتي الوحيدة «شاهندة» قبل 45 عاماً.. ومع هذا يعرفونني قاصاً وليس وزيراً!

صدام كان أحياناً يهتم بكل شيء قومي حتى القهوة العربية.. وينقلب ليكسر الفنجان الذي يشربها فيه!


تستضيف «عكاظ» هذه المرة ضيفاً عزيزاً.. لا أعرف بأية صفة أقدمه! فلو بدأت بكسبه الكبير في عالم السياسة، أكون ظلمت بُعده الأدبي، إذ إنه أول من صدرت له رواية بعد استقلال بلاده. ولو قدمته سياسياً وأديباً، سأظلمه كخبير نفطي، بحكم دراسته والمناصب التي شغلها في المجال النفطي. وأعتقد أنه يكفي القراء تشوُّقاً لهذا الضيف الثمين، أنه أقدم وزير خارجية عربي، ظل يرأس دبلوماسية بلاده ثلاثة عقود من غير انقطاع. وهي فترة شهدت رموز تلك الحقبة من الزعماء، كصدام حسين، والمخلوع علي عبدالله صالح؛ بل عاصر ملوك السعودية منذ الملك خالد، مروراً بعهد الملك فهد، والملك عبدالله بن عبدالعزيز. وكان على رأس الدبلوماسية حين اندلعت حروب الخليج؛ الأولى (1980 – 1988)، والثانية (1991)، والثالثة (2003). وكان حاضراً وفاعلاً حين استقامت كلمة زعماء الخليج على إنشاء مجلس التعاون الخليجي. وخبر إيران على عهدي الشاه والخميني وخامنئي. إنه مهندس نفط، ورجل دين، وقاضٍ، وسفير، ووزير.. إنه راشد عبدالله النعيمي وزير خارجية الإمارات من العام 1977 حتى 2006.

ويسرد في هذا اللقاء طرفاً من ذكريات نزوحه لقطر، قبل استقلال الإمارات، وملابسات قيام اتحاد الإمارات، وامتناع قطر والبحرين عن الانضمام إليه، وحادثة احتلال جيش الشاه ثلاث جزر إماراتية لا تزال استعادتها هماً يؤرق الإماراتيين جيلاً تِلْوَ جيل. ويكشف حرص وزراء الخارجية الخليجيين الذين صاغوا النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي في عام 1981 على أن يكون الاتحاد غايته. ويسرد أسرار مئات اللقاءات مع صدام حسين، في حالات انكساراته وقوته، من مهووس بالقهوة العربية إلى من يكسر الفناجين التي يشربها بها. ويحكي انطباعاته عن المرشد الإيراني على خامنئي، ويلخصه بأنه ينفذ برنامجاً عنوانه: كراهية العرب. ويوضح موقف الزعيم الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من الإخوان المسلمين، الذين كان يراهم منافقين، ويعملون عكس فطرة الله. وببلاغة مبينة يرى النعيمي أن حزب الله اللبناني الإرهابي مرضعته هي إيران، ويضيف: فإن قلّ الحليب يقلّ الجهد.

• حصلتم على الشهادة الثانوية من دولة قطر، ثم الجامعية في هندسة البترول من جامعة القاهرة، والوظيفة التي شغلتموها وزيراً للخارجية لأكثر من 29 عاماً منذ العام 1977 إلى 2006...

•• نشأت في بيئة بدوية في الصحراء، في قبيلة متنقلة ومنتشرة في كل البلاد العربية. وتشربت ثقافة الصحراء، وهي الانفتاح على كل الأشياء، والتكيف مع أي وضع جديد صيفاً وشتاءً، والانتقال من مكان إلى آخر؛ بحثاً عن الماء والكلأ، هذه البيئة والثقافة تتكيف مع متطلبات الحياة في الوقت الذي أنت تعيشه، سواء أكانت متطلباتك أنت أم الناس الآخرين الذين تحترمهم، فأنا كنت مرناً في هذه الأشياء، لذلك كانت بداية دراستي وحياتي مقترنة بما فرض علينا من الهجرة، وهي الحاجة، ثم طلب العلم الذي لم يكن متوافراً في ذلك الوقت. وصادف أن يتوافر العمل والمال والعلم في قطر، إذ أنشأت قطر في ذلك الوقت المدارس، وأُنشئتْ أيضاً مدارس في قطر بدعم من المملكة العربية السعودية؛ إذ كانت في ذلك الحين دائرة للمعارف، يرأسها الشيخ عبدالعزيز المانع، من كبار المشايخ المتطوعين، الذي أحب أن يطور التعليم، من ديني فقط إلى تعليم نظامي، إذ لم ينجح وقتها في الرياض، ولم يستطع مواصلة مهمة التعليم، فجاء إلى قطر. مرسلاً من الملك عبدالعزيز - رحمه الله - على أن يؤسس تعليماً حديثاً في قطر. وبدأ المهمة، واصطدم بالإشكالية نفسها، والمجموعة نفسها، لكنه أسس تعليماً حديثاً في قطر. وقتذاك كنت أبحث عن مدرسة وعن معلم، ووجدت وقتها الناس الذين يستطيعون أن يوجدوا مدرسة ومعلماً، ويبحثون عن طالب، والاثنان يبحثان عن بعضهما، والتقينا؛ الطالب الذي يبحث عن مدرسة، والمدرسة والمعلم اللذان لا بد لهما من طالب. كنا قلة وكان المكان ضيقاً، لكنها كانت بداية التعلم النظامي وانطلاق المشوار التعليمي.

• من قطر انتقلت إلى القاهرة للدراسة الجامعية...

•• أنهيت تعليمي في قطر، ثم انتقلت إلى المرحلة الجامعية في القاهرة.

• لم تعد إلى الإمارات؟

•• لا. لكني كنت أعود باستمرار إلى الإمارات، من وقت لآخر.


• أقصد بعد المرحلة الثانوية.. ذهبت إلى القاهرة؟

•• لم تكن وقتذاك جامعات في الإمارات، ولا حتى إمكانات لتعليم عالٍ، وكنت أبحث عن تعليم عالٍ، وراسلت بعض المعاهد والجامعات، وقبلت في لندن، وجامعة طهران، وجامعة القاهرة، وفي بعض المعاهد الدينية في السعودية، ولكن لقلة الإمكانات، وسهولة الدراسة في جامعة القاهرة، والدعم الذي حصلت عليه من حكومة قطر، كان المتاح أمامي أن أنتسب لجامعة القاهرة. وكنت من المتفوقين في الثانوية، ولذلك قبلت في كلية الطب في جامعة القاهرة. ثم انتقلت من الطب إلى كلية الهندسة. هذا كله وأنا ثقافتي كانت دينية وعربية، فأنا درست في المعاهد الدينية، على أيدي مشايخ، كان منهم عبدالله بن زيد المحمود، وعبدالله الأنصاري، وعبدالله بن تركي، هؤلاء العلماء درست على أيديهم اللغة العربية، ومبادئ أصول الدين، والمنطق، والبيان.

وبعد تخرجي من الهندسة عملت مهندساً في شركة النفط في قطر، وقتها بدأت النهضة في الإمارات، وفي المنطقة ككل، وكان لا بد أن يرجع كل واحد إلى أصوله وإلى دياره وأهله وقبيلته.

• حين تخصصت في مجال النفط هل خططت لذلك وفي ذهنك أن الإمارات نفطية، أو فقط استشراف للمرحلة القادمة أو برغبة العمل في النفط القطري؟

•• لم يكن هناك توقع من هذا القبيل، ولكن هناك شيئين كانا مهمين للمنطقة، وكنا شغوفين بهما: النفط والفيزياء، كانا مهمين لهندسة النفط، الفيزياء هي أساس التقدم العلمي، خصوصاً ما يتعلق منها بالعلوم الذرية، ويجتمع في الفيزياء الرياضيات والهندسة والعلوم الطبيعية، وكانت من التخصصات المغرية رغم صعوبتها، ودراستها مكلفة، والهندسة كانت أسهل، ولكنني درست النفط بهدف التعلم والوظيفة وأهميتها.

كنت خطيباً ومارست القضاء

لم تكن مواجهة إيران الهدف من مجلس التعاون الخليجي وإنما التعاون في إطار الممكن

سهرنا ليالي في صياغة نظام مجلس التعاون ليكون دستوراً يصلح للوحدة واتحاد دوله

أوفدني الشيخ زايد لمقابلة أمير الكويت بالطائف لأؤكد أن تحرير الكويت مسؤوليتنا جميعاً

إيران تؤمن بالتدخل وتجنيد الأنصار وعمل الدسائس والانقلابات وتصدير الثورات


• درستم على أيدي رجال دين وتمكنت من الحديث والتفسير والتجويد، هل كنت على وشك أن تصبح رجل دين أو «فقيهاً»؟

•• بل أصبحت رجل دين، ومارست هذه المهمة، وخطبت في الناس، وكنت خطيباً للجمعة، ومارست القضاء، وكنت أيضا مساعداً لبعض القضاة، فمارست هذه العلوم بصفتي تشرَّبتها وملماً بها.

• كم مكثت في قطر بعد أن عدت من الدراسة بالقاهرة؟

•• بقيت في قطر نحو 10 أعوام، ولكن الفترة الأخيرة بعد الدراسة بدأ الحديث يدور وقتها في الخليج عن أن بريطانيا تريد أن تنسحب من الخليج، وبدأ المثقفون والشباب يتحدثون عن إقامة وطن، والمشاركة فيه، هذه الأمور كانت تدغدغ عواطف الإنسان المتعلم أيا كان، وتحمسنا لهذه التطورات، ودخلنا في المعمعة في ذلك الوقت.

• هل دُعيت للعودة إلى الإمارات أم جاءت العودة للبلاد للمشاركة في البناء؟

•• زار الشيخ زايد - يرحمه الله - قطر في بداية حكمه، والتقى أهل الإمارات الموجودين في قطر، الذين رحلوا إليها للكسب وبحثاً عن عيش أفضل لم يكن متوافراً في دولتهم الإمارات. حين التقاهم حثهم على العودة، ووضح لهم أن دولتهم أولى بهم، وأن قطر استضافتهم وأكرمتهم وقدمت الواجب، وأن بلدهم بحاجة لهم ولا بد من العودة، وفتح هذا اللقاء باباً لعودة الكثير من الإماراتيين الموجودين في قطر.

• غالبية القبائل إلى أين كانت هجرتهم؟

•• حين نعود إلى ذاكرة التاريخ في ذلك الوقت، نجد هناك الكثير من التمازج بين القبائل، وكانت من العادات بينهم أنه إذا لم يحس أحدهم بالارتياح في هذا البلد ينتقل إلى بلد آخر؛ لأن هذه البلدان متقاربة ومتجاورة، وأهلهم فيها أيضاً. وليس هناك فرق، فالطبيعة واحدة سواء في الإمارات أو قطر أو السعودية أو الكويت أو دول الخليج.

العمل العسكري لـ«عاصفة الحزم» ضروري لحل هذه المشكلة ..وكان لا بد من إنشاء التحالف

الشيخ زايد كان يعتبر «الإخوان» و«المتأسلمين» منافقين يعملون عكس فطرة الله

سياسة قطر ليست بعيدة عن مصلحة دول الخليج لكنها مبنية على أفكار تحتاج حواراً إستراتيجياً


• حينما بدأت مفاوضات الاتحاد، وجمع الشيخ زايد الكل، كان الاتحاد «تُساعيّاً» (تسع دول).. لكن قطر والبحرين انسحبتا.. لماذا؟

•• أسباب الانسحاب كثيرة؛ فالبحرين كانت تنتمي لمستوى ثقافي تعليمي أعلى، وكان عدد شعبها أكبر. وقطر كانت تملك قوة اقتصادية، من نفط وغاز ومعادن. ونحن هنا في الإمارات مختلفون، فمنا من يملك النفط، ومنا من يملك الأرض والحدود الكبيرة، ومنا من يملك القوة العسكرية والاقتصادية والاجتماعية. إذا اعتبرتها شركة مساهمة أنت تقيم أن هذا البناء قيمته 100 مليون، الأرض هذه قيمتها مليار، الفندق قيمته كذا، وتضعها وتقول كل واحد أسهمه كذا. تختلف الناس وتقول تقييمك ظلم، فأنا أريد هذا.. وما هذا؟ كلها في السلطة إنه أنا معك لكن أريد فوق، ما تريده سأفعل عنك وبسوي روحي وأكون في هذا الشيء، فكل دولة كانت ترى أن الإمكانية التي لديها أفضل من الدولة الأخرى. هنا الشيخ زايد بالذات وحكام الإمارات في ذاك الوقت لم يكونوا ينظرون للأمور بأنها مكاسب، ولكن كتضحية، فالتجمع مفيد، ولذلك مهما ضحينا من أجله فإن المكاسب في التجمع، وليس في المنصب والسلطة، لذلك الاجتماعات كلها التي كانت تجرى على مستويات كثيرة حتى إعداد الدستور، وأعددنا الدستور وتمت الموافقة عليه وشاركنا فيه، لكن في ذاك الوقت كما كان مجلس التعاون ليس من مصلحة الكل أن يجتمع، وهناك وجود المعرقلين للتجمع، فكان هناك بعض الدول على خجل ولا تستطيع أن تقول لك لا تجتمع، وكانت تشجع التحريض من ورائك.

• هل كان شاه إيران ضد الاتحاد؟

•• أكيد. وفي الجامعة العربية لما أسسنا اتحاد الإمارات نصف العرب رفضونا.

• وماذا عن موقف السعودية من الاتحاد؟

•• كانت السعودية مشاركة معنا، وداعمة لاتحاد الإمارات منذ البداية. وكان الأمير نواف بن عبدالعزيز - رحمه الله - والشيخ صباح الأحمد أمير الكويت الآن، دائماً معنا في كل الخطوات، وحضور اجتماعات الاتحاد.

• كيف تم انسحاب البحرين وقطر؟ هل السبب أن صياغة الدستور لم تناسبهما؟

•• توصلنا لأمور جامعة لكل الأشياء، لكن قطر والبحرين كانتا لديهما أفكار، وكانتا متقدمتين، واحدة منهما متقدمة علمياً وثقافياً، والأخرى اقتصادياً ومالياً، فلما عملنا العملة كانت دبي والإمارات الشمالية تستخدم الريال القطري، وفي أبو ظبي نستعمل الدينار البحريني.

• هل الشارقة ورأس الخيمة كانتا على وشك ألا تدخلا في الاتحاد؟

•• الشارقة منذ البداية، والكل كان يقول سأدخل الاتحاد. رأس الخيمة آخر السنة، لكنهم دخلوا في الاتحاد.

• هل أبرز العقبات التي اعترضت إقامة الاتحاد من الخارج.. وهل الخشية من مشكلات الحدود في البحرين وقطر وفي داخل الإمارات العربية، هددت قيام الاتحاد؟

•• حينما جئنا نكتب دستور الإمارات كان هناك تضارب بين مصلحة الاتحاد ومصلحة الإمارات؛ فالإمارة لها مصلحة، والاتحاد له مصلحة، فوضعنا احتياجات الاتحاد ورئيس الدولة الذي يمارس صلاحيات الدولة في مادة، ووضعنا تحفظ الإمارة وحاكم الإمارة وحقوقه في مادة، وذكرنا أن التوافق بين هذه الأشياء يتم بالتراضي، وكل هذه الأمور تحل بالتراضي. رئيس الدولة يمارس صلاحياته كاملة، وكذلك حاكم الإمارة. الآن تجد حاكم الإمارة أشبه برئيس دولة!

• كيف وضعت إيران يدها على الجزر الثلاث؛ طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى وأنتم غافلون؟

•• احتلال وتآمر إيراني.

• هل انشغلتم وقتها بالاتحاد.. أم ماذا؟

•• لم يكن وقتها هناك اتحاد. كانت هناك قوة إيرانية، وهذه القوة مدعومة.

• مدعومة.. ممَّن؟

•• مما يسمى الآن المجتمع الدولي.

• يعني من بريطانيا وقتذاك؟

•• الشاه كان يعتبر نفسه الضامن لمصلحة تلك الدول، ولذلك كانوا يسمونه «شرطي الخليج»، وكان يعد تلك الدول أن من لديها حقاً فعليها طلبه منه. في ظل هذه الغطرسة، وقبل قيام الاتحاد بين الإمارات العربية.

• أي قبل قيام الاتحاد بأشهر؟

•• كانت بريطانيا وقتها هي المسؤولة عن أمن الخليج. ولم يكن لدينا في ذلك الوقت لا قوة، ولا جيش، ولسنا موجودين أصلاً. تم هذا الاحتلال ومن بعده حدثت أمور كثيرة.

• ألم تكن هناك أي مقاومة لهذا الاحتلال؟

•• في ليلة واحدة احتلت إيران الجزر الثلاث، ولم تكن هناك أي مقاومة سوى مقاومة بسيطة من ساكنيها في حدود إمكاناتهم، ولكن ماذا يفعلون أمام جيش قوي يعد أقوى جيش في المنطقة آنذاك.

العنصرية أساس كراهية إيران للعرب

«حزب الله» الإرهابي مرضعته إيران... فإن قلّ الحليب يقلّ الجهد

علاقتي بعلي عبدالله صالح أنني أقدر على التعامل معه.. أضع أوراقاً على الطاولة وألعب معه

عُمان ليست ضد الوحدة الخليجية لكنها تاريخياً وجغرافياً منعزلة


• كيف كان دور الإمارات في حرب الخليج الأولى؟ خصوصاً أن دول الخليج كانت تقدم دعماً لوجستياً لصدام حسين، عدا سلطنة عُمان. كيف كنتم تلتقون وتتواصلون لوقف الإيرانيين، ودعم صدام؟

•• نحن دولة عربية عضو في جامعة الدول العربية، وملتزمون باتفاقية الدفاع المشترك، وباتفاقية التضامن العربي، وملتزمون بالأمن القومي العربي، وبشيء اسمه الوطن العربي. هذه المفردات كلها لها جغرافيا. والعراق كان على حدود إيران يمثل الجغرافيا العربية. جاءت ثورة الخميني، وحاولنا التصالح والتفاهم معها. وجدنا في هذه الثورة بذرة شريرة. ونريد أن نفهم لِمَ هذه البذرة الشريرة؟ لماذا كراهية العرب؟ وما السبب؟ إذا كانت هذه الثورة إسلامية؟ فالعرب هم من جاؤوا بالإسلام إلى الفرس، والقرآن نزل بلسان عربي، والعرب لهم فضل، إذن ما أسباب هذه الكراهية الفارسية؟ إنها العنصرية.

• هل كانت تطغى الدبلوماسية على التعامل مع الإيرانيين؟

•• هل من الممكن التعامل معها؟ كثير من الدول حاولت التعامل، هل هناك أحد فهمها جيداً من الداخل؟ نعم نحن فهمناها، وتعاملنا معها، ولذلك على مر السنين كنا نعرف هذه الكراهية، وكنا نعرف أيضاً قدرتهم على التخطيط لها، وعلى التكيف معها، وعلى وضع المصالح بين الدول لجذب بعضها، وكل ذلك لتدمير الوطن العربي وزرع العداء له، وعداء العرب أساسي في الثورة الخمينية من اليوم الأول.

ولادة مجلس التعاون الخليجي


• بصفتكم شاهداً على أهم المراحل في تاريخ دول الخليج.. كيف تم تأسيس مجلس التعاون الخليجي؟ وبماذا تحتفظ ذاكرتكم؟ وكيف استضافت أبوظبي أول قمة خليجية؟ هل كان الهدف من قيام المجلس تأسيس قوة خليجية عربية لمواجهة إيران، بعد اندلاع الحرب الإيرانية - العراقية وخشية المصير المجهول؟

•• عوامل كثيرة؛ من ضمنها أن بعض دول الخليج بعد إعلان بريطانيا الانسحاب، لم تنشئ إدارة، ولم تؤسس مدارس، ولم تؤسس هيكلاً للدولة، لم تعمل أي شيء؛ لأن هذه المناطق كانت فقيرة ومتفرقة، ولا توجد الإدارة التي تستطيع أن تنهض وتدير هذه المنطقة. نحن نتحدث عن إقامة دولة، سيكون لها علم، ونشيد وطني، وتعليم، وجيش، وشرطة، وأمن. متطلبات الدولة غير موجودة آنذاك عند بعضها، وتريد أن توجدها. وهذه العناصر لا تتم بعمل منفرد، بل سيكون مضيعة للمال والوقت والجهد، ولذلك كانت فكرة تجميع هذه العناصر لبناء دولة بمقوماتها الأساسية، ولم يكن في ذلك الوقت من ينظر بهذه النظرة الإيجابية، وأنها من مصلحته، بل هناك من لا يستحسنها، وأنها ليست من الضرورة بمكان، ولذلك كانت فكرة التجمع والتكتل، وكان التجاذب والتنافر قوياً، لكن العمل كان قوياً، والتفاهم كذلك، والمصلحة واحدة.. والمصير واحد.

• هل يعني ذلك أن قرار تأسيس مجلس التعاون ليس موجهاً لأحد؟ هل هذا ما تقصد؟

•• مجلس التعاون الخليجي جاء، بجانب هذه الأشياء، من ضرورة أن نتوحد. محاولة الإمارات السابقة في جمع الإمارات في البداية تسع دول، أو تسع إمارات، ومن ثم سبع إمارات. وسواء كانت سبعاً أم تسعاً، فإن النظرة التكاملية كانت موجودة، خصوصا لدينا في الإمارات؛ لأننا نحن حملناها، ومارسناها، ورأينا فائدتها، ومصلحتها. السعي للمجلس كان سريعاً من قبل قادة دول المجلس.

• إذن الهدف منه ليس مواجهة إيران؟

•• لم يكن الهدف من قيام المجلس مواجهة إيران، بل هو مشتق من اسمه، قيامه كان كتعاون، والتعاون في إطار الممكن.

• وماذا عن الاتفاقيات بين دول المجلس.. هل تراها صلبة؟

•• هناك اتفاقيات تمت في ما بعد بحسب الحاجة.

• هل أنت مع الانتقال من التعاون للاتحاد؟

•• نعم.. نحن في الإمارات التي نشأنا فيها وأنشأنا تجمعاً ورأينا فائدته ومصلحته، نرى أن من مصلحة دول المجلس والإقليم التجمع.

• التكتل والاتحاد؟

•• التكتل أو الاتحاد؛ أي صورة من صور القوة.

• بصفتكم وزيراً لخارجية الإمارات آنذاك، عندما أنشئ مجلس التعاون الخليجي، تنص المادة الرابعة في النظام الأساسي على أن يتم التعاون والتنسيق وصولاً للوحدة.. هل هذه الصياغة جاءت بهدف إعلان الاتحاد لاحقاً؟

•• نعم. حتى تبقى وتنمو يجب أن يكون لك هدف، ويجب أن تخطط للسعي لهذا الهدف، وتوفر له الإمكانات. اليوم الإمكانات غير متوافرة، والرغبة غير متكاملة في إقامة هذا الاتحاد، ولكن هذا هدف، قد يأتي يوم ونراه. الآن مجلس التعاون مضى عليه 35 عاماً منذ عام 1981، وهناك دولة من أعضائه ترى في فترة من الفترات أنها بحاجة إلى جمع وإلى تكتل، لهدف ما لمصلحتها، فتطالب بقيام الاتحاد، ثم لا تستطيع. يمضي زمن وتأتي دولة ثانية وتواجهها الظروف نفسها التي واجهت الدولة الأولى، فتطالب بقيام الاتحاد، وتعيد الدولة الأولى مقترحها بقيامه. إذن الهدف موجود، ومخطط له، أنا أعتقد أن صياغة النظام الأساسي لمجلس التعاون حين كنا نكتبه، كنا نسهر الليالي في تنقيحه، ونغير فيه، ونضيف إليه، نظام مجلس التعاون الخليجي دستور متطور يصلح للوحدة والاتحاد بين دوله.
مئات اللقاءات مع صدام

• إبان حرب الخليج الأولى (العراقية - الإيرانية)، كنت وزيراً ورسولاً للشيخ زايد لتسليم قادة مجلس دول التعاون رسائل. والتقيت صدام حسين في بغداد عشرات المرات خلال الحرب. ماذا دار بينكما؟

•• أشياء كثيرة.

• ما أهمها؟

•• مئات اللقاءات، وكل لقاء له موضوع مختلف، وحسب التقلبات السياسية، لأننا كنا نمارس سياسة متقلبة ومتغيرة.

• هل كان صدام يتعامل معكم بفوقية، أم أن ظروف الحرب تجعله يراعي ذلك؟

•• كما قلت سابقاً، حسب التقلبات السياسية. صدام حسين مرت عليه ظروف كان محتاجاً لنا فكان يدارينا ويراعينا، ويطلب منا كل شيء. ومرت عليه ظروف وصل لمرحلة يتعامل وفق ما يريد، ولا يهتم.

• هل كان شخصية سيكوباتية؟

•• وصل لمرحلة تعامله معنا وفق تفرقنا؛ لأنه استطاع أن يفرق الصف العربي، وأن يؤسس مجلس التعاون العربي، وأن يهيئ مجموعة تأتمر بأفكاره وتسير وفق هواه، يأمر وينهي فيطاع.

• هل تقصد ما حدث في قمة بغداد 1990، قبيل غزو الكويت؟

•• نعم، في قمة بغداد، حيث أسس لأفكار أنه يستطيع أن يبني ويتزعم ويقول ويفعل... إلخ.. وكان يخطط لشيء ما، وهو احتلال الكويت.

• هل تعتقد أنه كان يريد أن يكون جمال عبدالناصر آخر؟

•• لا. لا. الرئيس جمال عبدالناصر أفكاره في وقته، كانت مكافحة الاستعمار، ودعم حركات التحرير، وعدم الانحياز، وهي أمور مختلفة. نحن هنا نتحدث عن قضية عربية، وفي إطار الوطن العربي. الرئيس صدام حسين تقلب كثيراً في هذه الأشياء، واعترف بأنه أخطأ، ويمكن القول إن صدام مر بأوقات كان خير من يتحدث عن الأمن القومي العربي. وكان خير من يهتم بالأشياء العربية، حتى القهوة العربية، ومرت عليه فيما بعد ظروف صعبة كان يكسر الفنجان الذي يشرب فيه القهوة العربية!

• حدثني عن علاقتك القوية بالشيخ زايد رحمه الله، فأنت وزير خارجيته لثلاثة عقود...

•• أتذكره. إنه زعيم وقائد كبير. ومتطلبات القيادة كبيرة، ونظرته للأمور بعيدة، وحينما ينظر لمصلحة الخليج من منطلق مصلحة الإمارات، وحينما ينظر للمصلحة العربية أيضا من مصلحة الإمارات. كان منظوره أن مصلحة الإمارات لا تقف عند مصلحة دول الخليج، بل من ضمنها، وكذلك المصلحة العربية، فأي مصلحة تتحقق لمصلحة الخليج هي لمصلحة من؟ وأي مصلحة تتحقق في البلاد العربية لمصلحة من؟ كنا نمارس هذا النوع من العمل والناس تستغرب: كيف تؤيد هذا وهذا ضدك؟ لا هذا ليس ضدي! كان ينظر للمصالح الخليجية والعربية مثلما ينظر للمصلحة الإماراتية.

• إبان احتلال الكويت وصلت في ساعة متأخرة إلى الطائف، وسلمت الشيخ جابر الأحمد رسالة عاجلة. ماذا قلت له؟ وما أهم رسالة سلمته إياها وهو في المنفى؟

•• هذه قصة مختلفة. كنت واثقاً ومتحمساً بأن الكويت ستعود، ولذلك حينما تقرأ نشاطي في تلك الفترة من قبل حتى احتلال الكويت بشهرين، وبعد الاحتلال حتى عودة الشيخ جابر والشيخ سعد إلى الكويت، تجد نشاطي في هذا الوقت غير عادي، وعندما يؤرَّخ لهذه الفترة، ستجد أن هذا النشاط مبني على القناعة بأن الكويت ستعود، وأن الغازي سيندم ويخسر، خصوصاً أن الخليجيين التفوا حول بعضهم، وعملوا واشتغلوا في كل المؤسسات الدولية السياسية والإنسانية وغيرها. السياسة في الحرب غير السياسة في السلم.

• القناعة الشخصية في الحروب تختلف.. أليس كذلك؟

•• نحن ذُبنا في العمل ومصلحة الوطن والأهل والجار.

• ولكن ما مضمون الرسالة التي سلمتها الشيخ جابر في المنفى في تلك الساعة؟

•• مضمونها من الشيخ زايد: أننا نثق وأنت يجب أن تثق، وسنعمل معك بكل ما نملك من قوة حتى تعود إلى الكويت. ولا تفكر بأن مسؤولية عودة الحكومة إلى الكويت مسؤولية كويتية. لا. مسؤوليتنا نحن جميعاً، ونحن معك. واليوم الذي كان يهدد فيه صدام الكويت كان يهددنا أيضاً. نحن معك كما كنا معك، وأنت الآن تقول راحت الكويت..لا.. لم تذهب، ومثلما قال الملك فهد يرحمه الله «إما تعود الكويت أو كلنا نروح».

• التقيت بالملك فهد رحمه الله مرات عدة.. ماذا كان يقول لك؟

•• في تلك الفترة كنا نعمل في تقلبات سياسية قبل احتلال الكويت، وكانت علاقة صدام بالمملكة قوية، وكان صدام ينفي ويعد الملك فهد بأنه لن يحتل الكويت. واستضاف الملك فهد محادثات في جدة، لم أحضرها، ولكن أعرف لماذا كانت. وفي تلك الليلة ليس فقط الملك فهد وثق بأن صدام لن يحتل الكويت، بل حتى الحكومة الكويتية وثقت بما قاله صدام، وبما وعد به. لكنه باغتهم في اليوم الثاني ليلاً واحتل الكويت وفعل ما فعل.

• هذا بعد الخلاف بين سعد العبدالله وعزت الدوري في جدة؟

•• لم يكن هناك خلاف. هناك تباين، وهذا كله اجتهادات، ولكن نتيجة مؤتمر جدة أنهم تفاوضوا واتفقوا على أن يلتقوا في بغداد لاستكمال المفاوضات، ولكن صدام اتخذ قراراً بدخول الكويت، بعد عودة الدوري.

اللقاء مع رأس الأفعى


• التقيت بالمرشد الإيراني علي خامنئي.. كيف كان اللقاء بينكما خلال حرب تحرير الكويت؟

•• مر خامنئي بأدوار عدة؛ فقد كان يعمل مستشاراً بمكتب آية الله الخميني، ثم صار رئيس جمهورية. والتقيت به في بداية ثورة الخميني، وبعدما صار رئيس الجمهورية. طبعاً هو مؤمن بأفكار الخميني ويطبقها، وهذه الأفكار هي برنامج عنوانه: كراهية العرب. ولا يفهم أحد ما مصلحة إيران من تلك الكراهية.

• ما أبرز حواراتك مع خامنئي؟

•• كان لدينا موضوعان؛ احتلال الجزر الإماراتية، فنتفاوض بشأن احتلال الجزر، وهو موضوع شائك وأجرينا فيه حوارات، ومفاوضات، ولقاءات، استغرقت آلاف الساعات، لنجد حلا لهذا الاحتلال. كانت المواقف تتقارب لكن حينما نصل إلى نقطة الحل يتعمدون الابتعاد، وأيضاً العلاقات وأمن الخليج والمنطقة، إضافة إلى الأمور المستجدة.

• إيران ترفض محكمة العدل الدولية؟ وترفض الخروج طواعية من الجزر.. هل الانتظار هو الحل؟

•• إيران تؤمن بالتدخل، وبتجنيد الأنصار، وعمل الدسائس، والانقلابات وتصدير الثورات، فهذه سياسة. وهذه السياسة الإيرانية الآن تشترى من بعض دول العالم – وللأسف دول كبرى - لأن هذه السياسة الإيرانية مخترقة لدول ضعيفة لا تملك إرادتها، ولا إرادة جيرانها، ولذلك الدخول معهم والحصول على غنائم أسهل طريقة، أقصد سياسة الدمار والهدم للعالم العربي. فكل فترة خلق مشكلات جديدة، والانتقال من مشكلة لأخرى، وبعد 10 سنوات من يستفيد منها؟ إيران ومن معها من دول، كأمريكا، وروسيا، والصين.

• هل كنت ترتاح لياسر عرفات؟

•• صديقي وزميلي في الجامعة في مصر. وعلاقاتنا ظلت طيبة.

• كيف كانت علاقتك به؟

•• ياسر عرفات رجل دمث وجيد. وبالنسبة لاجتهاداتي المتواضعة في السياسة، كنت أقول له نحن عندنا أكثر من 10 جبهات تحرير، فلسطين لماذا لم تتحرر؟
قالوا لنا: من أنتم؟

• قبل الغزو الأمريكي للعراق في 2003، هل أبلغتم صدام حسين بمبادرة الشيخ زايد لخروجه من بغداد حتى لا تقع الحرب مع أمريكا؟

•• هذه من الأمور التي كنا نتكلم فيها مع وزراء الخارجية العرب، وهي التخطيط الإستراتيجي في السياسات، فيجب أن تعرف ماذا تملك، وما هي إمكانياتك، وما هو الشيء السيئ وما الأسوأ.. فتضطر إلى قبول السيئ لأن هناك الأسوأ. فنحن كوّنّا فكرة أن هذا سيئ، فأن تأتي تقول لرئيس قم لا أريدك وعليك أن تخرج، كل القادة زعلوا منا. وقالوا يعني لو بكرة جئتموني وقلتم لا نريدك يعني أمشي.. كيف أمشي؟ ولمَ؟ هذه المبادرة مرفوضة.. بس تشيلونا واحداً واحداً.. من أنتم؟!

• هل أبلغتم صدام شخصياً بمبادرة الشيخ زايد بخروجه لتجنيب العراق الحرب والخراب؟

•• لا. هذه الأمور ناقشناها مع الوفد العراقي الموجود في القمة العربية الطارئة، الذي كان يرأسه ويمثله نائب الرئيس عزت الدوري، وكانت صدمة للعرب الآخرين، الذين لم يقبلوا بما قلنا، ويعتقدون أنها موجهة إليهم.

• ذكر السفير العراقي حامد الجبوري في حوار صحفي أنه رأى الملك حسين يبارك الحرب العراقية الإيرانية بإطلاق قذيفة...

•• لمصلحة العراق أم إيران؟ الملك حسين كان حليفاً لصدام.

• هل صحيح أن صدام استقبلك في بغداد ذات مرة غاضباً؟

•• كان بيني وبينه حوار قوي مبني على أن الناس الذين كانوا معه - المساعدون، ونواب الرئيس - كانوا موجودين، ووزير الخارجية الجبوري كان في ذاك الوقت وزيرا للإعلام، وأنا أجري حواراً مع صدام.

• هل تجاوز عليك في القول باستخدامه لغة تهديدية؟

•• لا. كان الحوار كله يدور حول الخلاف السياسي، وتبرير موقف العراق من المطالبات التي طلبها من دول مجلس التعاون، وتتعلق بموضوع النفط، فيريد أخذ النفط من دول الخليج ويبيعه، ولا يريد دول الخليج أن تنتج وتبيع النفط. والسبب في مفهومه أن هذه الدول ليست بحاجة إلى أموال، وأنها تبذر الأموال، ولا تستفيد منها، وأن الأموال هو بحاجة إليها حتى يدافع عن الأمة العربية، وكنت أتكلم معه بأن هذه الأموال ملك للدول والشعوب.

• هل كنت قومياً؟

•• لا أعرف ما القومية. أنا بدوي عشائري قبلي وعربي.

• هل كنت يساري الفكر؟

•• لا أستطيع أن أصنف نفسي. يمكنني أن أعتبر فكري محافظاً.

• كيف تابعت «عاصفة الحزم» وقيام دول التحالف العربي بقيادة السعودية لمواجهة الجماعة الحوثية ورفض الانقلاب وإعادة الشرعية لليمن؟

•• التحالف كان ضرورة. والعمل العسكري ضروري لحل هذه المشكلة، بعد أن استُنفدت كل الإمكانات والحلول. ولا أدري الآن ما الظروف على الأرض. لكن السؤال: لماذا لم يواكب هذا التحالف العسكري الممتاز عمل سياسي تمهيدي، وتغطية قانونية دولية في الأمم المتحدة، وفي قرارات المنظمات الإقليمية، فتدعم هذا التحالف حركة سياسية تنتج عنها قرارات لاحقة تجبر الحوثيين على التقهقر وفق حركة سياسية وقانونية تحالفية مؤثرة في المنظمات الدولية والإقليمية.

• هذا موجود.. هناك قرارات مؤثرة من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وكذلك قرار مجلس الأمن الدولي 2216...

•• نعم، فهذا القرار فيه حل للموضوع. حتى نحرر الكويت سهرنا الليالي، وقطعنا الأميال، وما تركنا دولة لم «نبوس» راسها، وأفرغنا جيوبنا. وهذا ليس انتقادا للعملية، ولكن كان هناك دائماً ذراع سياسية داعمة لذراع الجندي. ضروري.

• الإمارات واجهت الإخوان المسلمين منذ وقت مبكر، الشيخ زايد كان لديه موقف من الإخوان. لماذا؟

•• الشيخ زايد يرى أن الإسلام فطرة، ويرى أن من المتأسلمين الحركيين منافقين، يعملون عكس فطرة الله ويسر الدين الإسلامي.

• كيف واجه الإخوان؟

•• الشيخ زايد يرفض مبدأهم من الأول، حتى لما كانوا يدخلون في شيء اسمه الجهاد. ولما جاءت قصة أفغانستان، كان يأتينا علماء من بلدان مسلمة، ويقولون إن أفغانستان تحتاج إلى مجاهدين، فكان يسألهم: لماذا؟ بلدانكم فيها مشكلات، لماذا لا تصلحون بلدانكم أولاً؟ عندكم مشكلات تتركون بلدانكم تضيع بسببكم، بلدانكم تريد إسلاماً وسلاماً وليس متأسلمين. روحوا حلوا مشكلاتهم ومشكلات بلدانكم أولاً قبل التدخل في شؤون غيركم.

• بعد سقوط نظام صدام في 2003، استضافت الإمارات عدداً من الزعامات العراقية وعائلات وأسر وزراء.. ما هدفكم؟

•• هدفنا عمل إنساني. أين يذهبون؟ ماذا تستفيد منهم وهم فارون؟ العوائل كل الدول تستضيفهم، وإن ذهبوا إلى أماكن أخرى فسيشكل ذلك خطراً على عائلاتهم.

• عندما سقط حكم الشاه أين كنت؟ وما ردة فعلك الأولية؟ أشعرت بخطر على الاتحاد الوليد؟

•• كنت هنا، ولم أشعر بخطر، فالشاه أصلا كان يمثل خطراً، ولم يكن يُؤمن جانبه.

• ما هي أهم كلمة سمعتها من الملك فهد في حرب التحرير؟

•• موجودة، ولا أدري أين وضعتها.. ولا أعتقد أني سأجدها. وهي تتعلق بموضوع تحرير الكويت، منذ أن بدأ تحريك الموضوع، كان قوياً وصامداً، ولم يكترث بالأبواق التي تحاول أن تغطي على الموضوعية. والناس حينما تأتي لتقرأ التاريخ سيعرفون ويعتزون بتاريخهم ورجالهم، ويعرفون أن عندهم في الخليج رجالا وفكرا.

• كان بينك وبين غازي القصيبي صداقة..

•• غازي أعرفه من أيام الدراسة في مصر. وفي فترة الدراسة لم أعرفه بشكل جيد. في تلك الأيام كان حماسنا شديدا. فكان يشجع البحرين، واستقلالها. لكننا كنا نلتقي فكرياً، فعندما كتبت أول رواية في الخليج (شاهندة) أعجب بها. والناس كلهم يعرفونني بها. وأنا كتبت رواية واحدة منذ حوالى 45 سنة، واشتغلت وزيراً للخارجية قرابة 30 عاماً، ومع هذا أنا معروف كأول كاتب رواية في الإمارات أكثر من المعرفة بأني وزير للخارجية! قاتل الله السياسة!

• ماذا تقصد بـ«شاهندة».. اسم روايتك الأولى في الإمارات؟

•• واقع كان موجودا. هذا البلد مضياف، و«شاهندة» جاءت من خارج الإمارات، اسمها وعاداتها، وتقاليدها ليست من ضمن الإمارات.

• هل مشكلة الحدود بين عمان والإمارات انتهت بشكل نهائي؟

•• نعم من زمان.

• ومع السعودية انتهت أيضا؟

•• ومع السعودية كذلك.

• كيف كنت ترى القذافي حينما تلتقيه؟

•• القذافي رجل مزاجي، ومر بأطوار، فكان شاباً ثورياً متحمساً لأمته وقضاياها، ومنها إلى استخدامه المؤامرات، والاغتيالات، وقتل الأبرياء، فمر بأطوار كثيرة، ونهايته كانت كما تعرفون.

• قبيل الغزو الأمريكي للعراق، وتحديداً في أواخر 2002، تلقيت رسالة خطية عاجلة من الأمير سعود الفيصل، والكل في تلك الفترة تحدث عن تلك الرسالة العاجلة، هل كانت عن قرار الحرب؟

 • قصدك غزو أمريكا للعراق؟

• نعم.

•• كان بيني وبين الأمير سعود - يرحمه الله - تعاون وتبادل أفكار، وكنا نؤسس بعض الأشياء للتأكيد، كل واحد كان عنده سياسة بلده، كما نتفق ونختلف، ولكن كان بيننا تعاون دائم، وثقة بأن أي موضوع نفهمه، ثم نعرف كيف صارت هذه العقدة ونعمل على تفكيكها.

• هل تقصد أن هذا الأمر غير موجود الآن؟

•• بعضه موجود، لكن ليست هناك تلك العقد.

• وهل ترون أن سياسة قطر تختلف عن الخليجيين؟

•• سياسة قطر مبنية على مفهوم يحتاج إلى استيعاب وفهم. سياسة قطر ليست بعيدة عن مصلحة دول مجلس التعاون، لكنها مبنية على أفكار تحتاج للنقاش. ونحن ينقصنا شيء اسمه الحوار الإستراتيجي. يجب أن يكون هناك حوار إستراتيجي. ما في أحد عنده شيء يريد أن يضرك، ولكن اجلس معه، عنده قناعة اسمعه، يمكن تقدر تعدل شيئاً من قناعته، أحياناً لا يوجد حوار، فكل من يعمل شيئاً يريد أن يفرضه على الآخرين، فلا تلمْ الآخرين، إذا لم يفهموك!

• سلطنة عمان رفضت الاتحاد الخليجي؟

•• ليست ضده، ولكن سلطنة عمان مرت بتجارب كثيرة، وهي جغرافياً وتاريخياً منعزلة أساساً، وأيضاً لها مصالح مع إيران، وباكستان.

• كيف ترى حزب الله «الإرهابي»؟

•• المرضعة إيران، فإن قل الحليب يقل الجهد.

• كيف ترى مصر في الفترة الراهنة؟

•• مصر نصف قوة الأمة العربية (وجودها) من ضمن الأخذ والعطاء، والتعاون معها ضرورة، فالجامعة العربية عندها، ودورها ومداخلاتها في السنين الماضية. طبعا الآن تغيرت التجارب، لم يعد هناك تلك الدول العربية التي كانت في السابق.

• كيف كانت علاقتك بعلي عبدالله صالح؟

•• علاقتي به أنه من الناس الذين أقدر أن أتعامل معهم. أستطيع وضع أوراق على الطاولة وألعب معه.

• الرجل أجرم بحق اليمن ولا يزال يتحدث عن الرقص على رؤوس الأفاعي...

•• هذا الرجل حكم اليمن 30 سنة، وعنده انتصار الوحدة، فلا تستطيع أن تزيل تاريخه فجأة، أو تلغيه. السياسة كذا.

• لك علاقة خاصة مع الملك عبدالله بن عبدالعزيز، هل السبب هي المعرفة القديمة؟

•• كان عندي أحيانا بعض الأفكار الخارجة عن السرب، ومن ضمنها تعاون اقتصادي بين دول مجلس التعاون. والملك عبدالله رجل يسمع، ويحب أن يرى دول الخليج في أفضل حال.

• تقصد التكتل الاقتصادي؟

•• نعم. كنا نؤمن بالتعرفة الجمركية البسيطة، والمملكة عندها من 5 إلى 15، وبقينا 10 سنين نتحاور، فنيون، ووزراء المالية يتحاورون، جاء هو في القمة، وكنت موجودا لأشرح موقف الإمارات. وسأل الملك عبدالله لماذا الإمارات متشددة في هذا الموضوع؟ ولماذا الدول الأخرى كلها تريد النسب عالية، فأنا حتى أشرحها ذكرت بعض الأمور منها اقتصادنا إذا نما، وتبادلنا إذا كبر، نسبة 2% و15% غير مهمة، لأن 2% عندما تجمعها تطلع أكبر من 15%، وهذا لا ينمو إذا أنتم 15%، إنما ينمو إذا أنتم 2%، المهم بعد فترة جمع - يرحمه الله - الخبراء الاقتصاديين وأخبرونا أنه قال لهم ما هذا الموقف المتشدد من الإمارات، ما أسبابه؟ فقالوا له موقف الإمارات صحيح لأسباب صحيحة، مع التطور والانفتاح الاقتصادي والتبادل الاقتصادي، فنعمل معهم انفتاح، ومع غيرهم، وسيكون أفضل ونتقارب، وأعتقد أنهم اقترحوا 5% أو 4% وقبلنا به.

• لكن الإمارات ضد العملة الخليجية الموحدة، وانسحبت احتجاجاً على عدم اختيار مقر البنك المركزي فيها؟

•• ليست ضد البنك المركزي، لكن نحن في الإمارات تركيبتنا الاقتصادية وتغطية العملة فيها مرونة، فحينما تضعها في التزام دولة واحدة، فتركيبتنا الاقتصادية تقريباً هكذا، فلدينا بنكان مركزيان؛ دبي وأبو ظبي، وعندنا في أبو ظبي «فري زون»، ونحن لا نحب القيود.

• هل تعتقد بأن الإمارات محصنة من الداخل؟

•• لا يوجد أحد محصن أبدا، لكن ثقتي بأن الإمارات تستطيع استيعاب الخلافات، تستطيع أن تتفاهم معها، وتتعامل معها، والخلافات موجودة في كل الأشياء، لكن المشكلة هل تستطيع وتمتلك القدرة على التعامل معها؟ ألديك القدرة أن تقبل منتصف الطريق؟ الإمارات بخير، ومحصنة إن شاء الله.

• كم مرة تزوجت؟

•• أنا متزوج اثنتين. واحدة الله يرحمها.

• من أقرب الأصدقاء لك في السعودية ممن أنت على تواصل معه حتى اليوم؟

•• بحكم انتمائي القبلي، كل الشعب السعودي صديقي وأهلي.

أنت وغيرك من الأصدقاء تشعرون. فمكوناتي تجعلني أتحدث في أمور سياسية أو ثقافية. أو في الشعر أو في الأدب.

• لمن تقرأ من الشعراء؟

•• شعر القدامى أتلذذ به.

الشعر صعب وطويل سلمه

إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه

زلت به إلى الحضيض قدمه

يريد أن يعربه فيعجمه

• إن أرادت أذنك السماع، لمن تسمع؟

•• تلاوات القرآن، مثل الشيخ محمد رفعت، وتلاوة أهل المدينة.