زياد الدريس

رغم السوداوية والصّلف والاحتقان الذي يلفّ العالم، لا تزال توجد لحسن الحظ نماذج إنسانية فريدة تقاوم الوحشية السائدة.

وعلى رغم أننا نصِف عادةً هذه النماذج الإيجابية بأنها «حالات فردية» غير قادرة على تغيير الصورة المرسومة داخل الإطار الكبير، فإننا ننسى أن وضع نقطة لون أبيض واحدة على لوحة مليئة بالسواد يمكن أن يُحدث تغييراً لدلالات اللوحة وإرباكاً لمشاهديها. سيكون أثر هذه النقطة اللونية الفاتحة على اللوحة الداكنة أكبر، خصوصاً إذا كانت الخامة المرسومة عليها اللوحة من النوع القابل للامتصاص!

همجية «داعش» ووحشية الروس وانتهازية الأميركيين هي الركائز التي تصنع الصور النمطية في العالم الآن.

لكن رغم طغيان هذه الصور النمطية وقساوتها، فإن المحاولات الفردية لتفكيكها، أو على الأقل لخلخلتها، ما زالت متواصلة من هنا وهناك. وبما أني عربي مسلم فسأسوق للإنصاف نماذج من الضفة الأخرى:

مَن يستطيع أن ينسى مصرع الفتاة الأميركية المناضلة راشيل كوري تحت الجرافة الإسرائيلية عام ٢٠٠٣، في احتجاجها ضد هدم بيوت الفلسطينيين؟

ومن الذي استطاع أن يحبس دموعه أمام مشهد رفع الأذان في الكنائس الفلسطينية ضد القرار الإسرائيلي بمنع الأذان من مساجد فلسطين؟!

بل من يستطيع أن يستوعب المواقف النبيلة والمتوالية من لدن المخرج الأميركي مايكل مور، منذ فيلمه الشهير «فهرنهايت ٩/١١» حتى وقفته الأخيرة مع مسلمي أميركا ضد التهديدات العنصرية من الرئيس المنتخب ترامب؟!

مثّل مايكل مور، من خلال أفلامه الوثائقية ومواقفه الإعلامية ووقفاته الميدانية، نموذجاً لليبرالي الصادق النادر، خصوصاً في هذا الزمن الذي أصبحت فيه الليبرالية معطف من لا معطف له!

الليبرالية الحقيقية ليست في أن لا يكون لك مبدأ، بل في أن تحترم مبادئ الآخرين.

ينبغي أن نؤكد أمراً مؤكداً، بأن لكل إنسان في هذا الكون انتماءه وتحيزاته بين اليمين واليسار والأبيض والأسود والداخل والخارج.

الفارق بين التحيّز الأخلاقي والتحيز اللاأخلاقي يكمن في سؤال:

هل أنت تدافع عن دينك أكثر من انشغالك بالتهجّم على أديان الآخرين؟

هل أنت تعتز بوطنك أكثر من ازدرائك أوطان الآخرين؟

هل أنت تساهم في إشهار ثقافتك ولغتك أكثر من انشغالك بالانتقاص من ثقافات الآخرين؟

«أضعف الإيمان» في الليبرالية، هو أنك لن تدافع عن مبادئ الآخرين لكنك لن تهاجمها.. وليس بعد ذلك ليبرالية!

يبقى، في جانب آخر، أن الذين يدافعون عن أديان وأوطان وثقافات الآخرين أكثر من دفاعهم عن دينهم ووطنهم وثقافتهم، قد هربوا من عيب التحيّز ضد الآخر إلى قُبح التحيّز ضد الذات!