وحيد عبد المجيد
كان مقال الفنان الأميركي المعروف مايكل مور، الذي تنبأ فيه بفوز دونالد ترامب، هو الأكثر تداولاً خلال الأسبوعين الماضيين، بعد أن تُرجم إلى الكثير من اللغات، ونُشر في عدد هائل من الصحف والمواقع الإلكترونية.

لم يلفت هذا المقال، الذي نشره مور على موقعه الإلكتروني في آخر يوليو الماضي، انتباهاً يُذكر في حينه، رغم أنه كان أول مَن توقع وصول ترامب إلى البيت الأبيض قبل أكثر من ثلاثة أشهر على الانتخابات. ولم يهتم به قادة حملة هيلاري كلينتون، رغم أهميته الفائقة لها، فالأسباب التي رأى أنها تُرجِّح كفة ترامب كانت هي الثغرات الأكثر أهمية فيها. وعندما نستعيد مسار السباق الانتخابي، نجد أن كلاً من هذه الأسباب أسهم بمقدار في النتيجة التي اعتبرها كثيرون غير متوقعة، رغم أن مور تنبأ بها من خلال تحليل عميق ومبسَّط في آن معاً.

وعندما أُعلنت نتيجة الانتخابات، تبين أن أحد هذه الأسباب كان حاسماً بالفعل، وهو نجاح ترامب في انتزاع ما سمَّاه «الولايات الأربع الزرقاء في حزام البحيرات العظمى العليا»، ميتشجان (ينتمي إليها)، ويسكونسن، وأوهايو، وبنسلفانيا. وهذه الولايات كانت محسوبة على الديمقراطيين لفترة طويلة، قبل أن يؤدي التغيير الاجتماعي فيها إلى تحول في اتجاهات عدد متزايد من ناخبيها.

وأجرى مور مقارنةً مثيرةً بين هذه الولايات ومدن وسط إنجلترا التي حسمت الاستفتاء لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي، في يونيو الماضي، على أساس أن المنطقة الممتدة من ويسكونسن إلى بنسلفانيا تشبه المساحة من جرين باي إلى بيتسبورج في إنجلترا من حيث التغير الاجتماعي المسجل خلال الفترة الماضية. فقد لاحظ أن من جرين باي إلى بيتسبورج يوجد وسط إنجلترا المكسور والمكتئب والمكافح، حيث المداخن المتناثرة عبر الريف مع بقايا «طبقة وسطى». وقارن ذلك بالأوضاع في المنطقة من ويسكونسن إلى بنسلفانيا في أميركا، بسبب وجود جموع غاضبة من العاملين والعاطلين الذين «كذبت عليهم سياسات ريجان حول التدفق التلقائي لثمار النمو الاقتصادي، ثم تخلى عنهم الديمقراطيون». ووجه نقداً ضمنياً إلى هيلاري التي تقاضت ملايين الدولارات مقابل محاضرات ألقتها في مؤسسات مصرفية ومالية عملاقة، بقوله إن الديمقراطيين الذين يقولون للفقراء كلاماً طيباً «يتطلعون إلى التقرب من مجموعة (جولدمان ساكس) للحصول على شيك كبير».

وجزم مور آنذاك بأن «ما حدث في بريطانيا سيحدث هنا»، ونبَّه إلى فاعلية خطاب ترامب الموجه إلى الذين فقدوا وظائفهم أو قلَّت أجورهم بسبب نقل كثير من الشركات الأميركية مصانعها إلى الخارج، وهم كثر في الولايات الأربع التي حسمت في النهاية نتيجة الانتخابات بأصواتها السبعة والستين في المجمع الانتخابي.

وكان سهلاً لحملة هيلاري إدراك أهمية تحذير مور لو أنها اهتمت به، وتابعت التأييد الذي لقيه ترامب من هذه الفئات عندما زار مصنع شركة «فورد» في ميتشجان، وهدد بأنها إذا نفذت خطتها لنقل هذا المصنع إلى المكسيك فسيفرض جمارك نسبتها 35% على أي سيارة تصنعها هناك وتشحنها إلى أميركا.

غير أن قادة حملة هيلاري المصابين بالجمود السائد في أوساط الطبقة السياسية الأميركية لم ينتبهوا إلى هذا كله، رغم أن مور يُعد أحد الفنانين القلائل الذين تثير مواقفهم جدلاً في العالم.

وتبنَّى مور مواقف قوية للتنبيه إلى أخطار العنصرية التي اتسم بها خطاب ترامب الانتخابي في بعض جوانبه، ومنها اتهامه المسلمين بالإرهاب وإعلانه أنه سيحظر دخولهم إلى أميركا. وقد قال مور وقتها ما يعرفه كل عاقل، وهو أن الإرهاب لا دين له، ورفع شعار «كلنا مسلمون»، وشرحه بقوله: «لقد تربيتُ على أننا جميعاً إخوة بغض النظر عن العرق أو الدين أو اللغة». وخاطب ترامب قائلاً: «إذا أردت بالفعل حظر دخول المسلمين، يجب أن تحظر دخولي أولاً والكثيرين مثلي». ونذكر أن مواقف اتخذها أميركيون كبار في هذا الاتجاه فرضت على ترامب مراجعة تهديده بحظر دخول المسلمين إلى بلاده فور فوزه.

وليس هذا غريباً بالنسبة إلى فنان أعلى شأن القيم الإنسانية في أعماله السينمائية الوثائقية، التي يُعرض الآن أحدها، وهو «أين تغزو المرة المقبلة؟»، في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الذي افتُتح في 17 نوفمبر الجاري.