الياس الديري

من البديهي أن يرحِّب الناس بذكرى الاستقلال، وأن يحتفلوا، وأن تتحرّك في نفوسهم ودواخلهم أسئلةٌ وحسراتٌ وذكريات. كما من الطبيعي أن يأبى الوسواس الخنّاس إلّا أن يدسَّ أنفه في معمعة تأليف الحكومة، والمتاعب التي بدأت تواجه الرئيس سعد الحريري، وحيث بدأت علامات استفهام وتعجّب ترتسم.

كان فريق كبير من اللبنانيّين يظن أن حكم الأقوياء قد وصل ابتداءً من قصر بعبدا، فالسرايا الحكومية، فمجلس النواب. ومن هذه الدائرة المتآلفة ستنطلق ورشة إصلاح لبنان، وإعادة صياغة ما خرَّبه الفراغ، وما عاث فيه الفساد، تمهيداً لفتح الطريق أمام عودة لبنان الزمن الجميل بكل تفاصيله وما كان يميّزه.


لكن التأخير "الملتبس" الذي جعل عمليّة تأليف الحكومة تدور في شبه حلقة مفرغة، مثلما أيقظ "مشاريع نائمة"، من طراز المداورة والمبادلة وما إليهما، تبرز وتقدِّم نفسها كمرادف لـ"الإصرار" على حقائب معيّنة سبق لنا أن صنّفناها وفق أهميّتها.


كان الناس ينتظرون من العهد هديةً سريعة تتمثَّل بحكومة وحدة وطنيّة، أو وفاق وطني، أو كل لبنان. فإذا بالأزمات تطلُّ وتأخذ مكانها في ساحة التأليف من أوّل العهد. الرئيس تمّام سلام واجه التعقيدات والعقبات لدى تكليفه في آخر عهد الرئيس ميشال سليمان.


لكن الرئيس سعد الحريري المحتفظ بتفاؤله، والمستمر في مساعيه لتأليف حكومة تخدم البلد والشعب لا بعض المراجع وبعض "الأقوياء" واجه الصعوبات والتقلّبات في أوّل العهد القوي، عهد الرئيس ميشال عون.
عرقلة سلام كانت تمهِّد لعرقلة انتخاب خلف للرئيس سليمان. وقد تمَّت الخطة، وحصلت العرقلة. وامتدَّت سنتين ونصف سنة. فما المطلوب من عرقلة الحريري؟


أخذ الناس جميعهم، في الداخل كما في المغتربات، علماً بالأسباب الحقيقيّة التي دسّت أنفها في عملية التأليف، ولا يزال الأنف في مكانه بين "الحقائب الدسمة". أو "الحقائب السياديّة". أو "الحقائب التي تبيض ذهباً". أو "الحقائب الحلوب".
إلى متى، يسأل البعض؟ وهل يُعقل أن تستعصي بعض العراقيل "الحقائبيَّة" على العهد الجديد القوي، وحلفائه الأقوياء جدّاً؟
زمُّ الشفاه وتقليبها من فجّ وعميق. وقد يكون وقد لا يكون خلف هذا التأخير أيّ سبب آخر، أو أيّة نيَّة مبيَّتة. غير أن التأخير لم يعد قيد التداول وحيداً، بل أُرفق بأسئلة عن مواقف الأقوياء والقادرين على حلحلة أكثر العقبات تعقيداً حين يشاؤون.
إلّا إذا كان الجميع، جميع "الأقوياء" مشتركين في ورشة "السياديَّة"، وربما ثمة رغبة في الذهاب إلى أبعد من هذه العقدة الفارشة جناحيها في عملية التأليف.
هذه وغيرها من الأحاجي ستتولّى الأيام المقبلة جلاءها أو تجاوزها. في الانتظار.