هدى الحسيني

 حتى الآن لم يعقد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مؤتمرًا صحافيًا، وكانت حملته الانتخابية غامضة بالنسبة إلى السياسة الخارجية، ركز على القضايا التي هي بأمس الحاجة للإصلاح، لكن حجب الكثير من التفاصيل حول كيفية التطبيق، أعطى العناوين مع العلم أن الشيطان يكمن في التفاصيل.
في 21 يناير (كانون الثاني) المقبل سيستيقظ ترامب على الحقيقة وقد لا يجد المنافذ مفتوحة والطرقات سهلة، خصوصًا أنه في مجلس الشيوخ يتمتع الحزب الجمهوري بفارق 4 أصوات وليس كل الجمهوريين معه، ثم أنه وبعد سنتين سيخضع 25 مقعدًا لانتخابات جديدة وقد يخسر مجلس الشيوخ، لذلك فإن المهلة أمامه قصيرة بحسب الزمن.
خلال الحملة غازل ترامب فلاديمير بوتين الرئيس الروسي لأنه عدو هيلاري كلينتون. وسائل الإعلام الأميركية بالغت في وصف التقارب بين الاثنين، لكن هذا قد يساعده وهو يدخل البيت الأبيض، على توفير إمكانية لبداية جديدة في العلاقات بين أميركا وروسيا، وقد تتجاوب روسيا ليس لأن العرض يأتي من ترامب، بل لأنه غير آت من كلينتون.
وحسب محلل أميركي فإن نجاح البداية الجديدة يعتمد على عاملين؛ استعداد ترامب لقبول واحترام النفوذ الروسي الذي يمتد إلى حدود البلطيق وبولندا وعبر آسيا الوسطى، وأيضًا استعداده لقبول ضم شبه جزيرة القرم وكأنه أمر حسمه القانون الدولي. لكن هذا القبول ستكون له عواقب وخيمة لأنه يكرس سابقة عالمية بإمكانية الضم عبر استخدام القوة والتهديد. يضيف محدثي: «إنه على الرغم من ذلك قد توافق إدارة ترامب من أجل وضع العلاقات الروسية على مستوى متساوٍ، خصوصًا أن روسيا بوتين تحتفظ بشرق أوكرانيا كورقة مساومة. ويبدو أن شرق أوكرانيا مطروح للتفاوض، أما شبه جزيرة القرم فعكس ذلك. قُضي الأمر».
إن إعادة الحرارة إلى العلاقات الأميركية - الروسية أمر محتمل وقد نشهد بعض التنازلات رفيعة المستوى من الجانب الروسي. لكن إلى متى يستمر ذلك فإنها مسألة أخرى، خصوصًا عندما تبدأ تقارير وكالة الاستخبارات الأميركية تنهمر على مكتب الرئيس عن الأخطار الروسية.
كانت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون هي الأخرى تريد بدء علاقة جديدة مع روسيا، لكنها فشلت فشلاً ذريعًا. وقد ينجح ترامب غير المتمسك بالذعر من ذكرى الحرب الباردة.
أولويات ترامب محلية وقد يمضي أول 6 أشهر من ولايته وهو يظهر للشعب الأميركي أنه في الطريق إلى تأمين الوظائف، وتعديل الضمان الصحي وتخفيض الضرائب، وإعادة تفعيل المناجم، والبدء في إقامة السور مع المكسيك، بعد ذلك عنده اليابان، يريدها أن تدفع تكاليف الحماية العسكرية لها، والصين وإيران والشرق الأوسط. كي يكسب لا يستطيع افتعال مواجهات مع أي دولة خصوصًا الصين التي لن تقف متفرجة. لدى الصينيين الآن 6 جزر عسكرية صناعية في بحر الصين، يمكنهم التوقف عن الاستثمار في أميركا، أو شراء البضائع الأميركية وكذلك سندات الحكومة.
أما المكسيك فإنها أهم مستورد للبضائع الأميركية. تقريبًا كان شعار حملة ترامب «بناء الجدار»، تحول بعد الفوز إلى «سور». الجدار يكلف عشرات المليارات، فالحدود تمتد على طول 3 آلاف كلم، وقد سبق للرئيس جورج دبليو بوش أن أقر «قانون السياج الآمن» عام 2006، واكتشفت إدارته أن تكاليف سياج لتسوير ثلث الحدود سيكلف 2.4 مليار دولار. في يوم ما قد يقوم الجدار لكن التكلفة لن تدفعها المكسيك. أمامه أيضًا الحلف الأطلسي الذي كان أحد أهداف حملته لأن بعض الدول لا تنفق ما يكفي على الدفاع.
وحسب المحلل الأميركي، فإن الحلف منذ نهاية الحرب الباردة يعاني «أزمة وجودية»، لكنه استعاد بعض الحيوية بسبب التورط الروسي في أوكرانيا التي لم تكن ضمن حملة ترامب، لذلك قد تتقلص أهمية الحلف الأطلسي من حيث مبدأ إن أمن كل دولة عضو هو أمن جماعي، ويتحول إلى مكافحة الإرهاب. والاختبار الأول قريب، وسنرى ما إذا كان ترامب سيعرقل نشر 4 آلاف جندي من الحلف الأطلسي بما فيهم أميركيون في دول البلطيق وبولندا. إذا ألغى الخطة، يكون قد أضعف الحلف وشرّع غصن زيتون في وجه روسيا.
بالنسبة إلى الشرق الأوسط ركز ترامب على محاربة الإسلاميين الراديكاليين. هدفه تدمير تنظيم «داعش»، يعتبره خطرًا على الأمن القومي الأميركي. أثناء الحملة قال إن لديه خطة سرية، وإذا ساعدت روسيا في هذه الحملة فإنه سيفتح يديه. لذلك ينصح المحلل الأميركي الدول العربية المعنية بأن تنفتح على ترامب ولا تبدأ بانتقاده بسبب سوريا، فإذا دمر «داعش» ستكون لديه قوة سياسية يصبح بعدها قادرًا على عقد صفقات.
يضيف: «حان الوقت لاستعادة علاقات جيدة مع أميركا. هي يهمها النفط والقواعد العسكرية، مثلاً أن ترامب معجب بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لكن مصر في حالة اقتصادية سيئة». ويقول: كانت علاقة الرئيس جيمي كارتر بالرئيس المصري أنور السادات مثالية واعتقد الأخير أن كل المشكلات ستنحل، لكن كارتر أوضح له أنه يفكر أولاً في المصالح الأميركية.
سيكون لترامب فريق أمن قومي قوي جدًا لكن هذا لا يعني الهجوم على الدول، إذ لا عودة لـ«بناء الأمم» بعد الآن لأنها لم تنجح (العراق - أفغانستان) ولأنها مكلفة. لن يذهب إلى الحرب إلا إذا تعرضت أميركا لهجوم، وأحد أسباب فوزه أن الأميركيين تعبوا من الحرب 15 عامًا في الشرق الأوسط.
وكان مايكل فلين الذي اختاره ترامب مستشارًا للأمن القومي قال إن أولوية الرئيس «مكافحة الإرهاب الراديكالي الإسلامي». ينظر ترامب إلى الناس وقادة الدول ويقول: «هل يمكنني العمل مع هذا الرجل؟ هل لدينا التهديد المشترك»، ثم أضاف في حديث إلى «نيويورك تايمز» قبل 3 أسابيع من الانتخابات: «إن ترامب يعرف عندما يتعلق الأمر بروسيا أو أي دولة أخرى بأن العدو المشترك لدينا جميعًا هو الإسلام الراديكالي». يعني هذا أن الولايات المتحدة لن تعود إلى إدارة الصراعات بين الدول في المنطقة، لكنه سيرى في إسرائيل الحليف العسكري القوي.
أما بالنسبة إلى الاتفاق النووي مع إيران فمن المستبعد إعادة مناقشته، لكن إذا وقع خلل ما كخرق تقني من قبل إيران فإن الوضع سيتغير. الحرب في سوريا ستتأثر برئاسة ترامب. هو لا يرى الشرق الأوسط إلا عبر عدسة قتال «داعش» والجماعات الإرهابية، إعادة التوجه الأميركي هذا قد تجعل نظام بشار الأسد من وسائل قتال «داعش» وإخوته. مرة أخرى سيكون هناك طعم غير مر للعلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا، كما يجب مراقبة سياسة ترامب بالنسبة للمقاتلين الأكراد في سوريا، فهو لن يخاف من أن يثير حنق تركيا العضو في الحلف الأطلسي. وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قال يوم الاثنين الماضي أمام الجمعية البرلمانية للحلف الأطلسي: «نثق بدعمكم لكفاحنا ضد الهياكل التابعة لمنظمة (فتح الله غولن) و(داعش)، و(حزب العمال الكردستاني) وجميع التنظيمات الإرهابية».
بنظر ترامب «داعش» وإخوته فقط هم الأعداء، فإذا وافق إردوغان «تصطلح العلاقة بين واشنطن وأنقرة»؟
يقول المحلل الأميركي: «بغض النظر عما يقال، فترامب أصبح الرئيس الأميركي الشرعي، وعلى الدول العربية المعنية أن تكون لها علاقة جيدة معه، وتبدأ العلاقة في محاربة (داعش) ومع ترامب سوف يتم احتواء إيران». ثم يستطرد: «على الرئيس ترامب أن يصغي لرجال استخباراته. أميركا لا تزال متورطة في أفغانستان والعراق واليمن، ولا يمكنه تصحيح هذه المشكلات إلا إذا تعاون معه العرب والأوروبيون، وفريقه الأمني كله معروف بمواقفه المتشددة من إيران».