الصحافيون في قبضة السيسي ومصر تخشى المجاعة وممارسات الداخلية تخصم من الرصيد الشعبي للنظام

حسام عبد البصير

ما زالت الأخبار عن المحاولتين الفاشلتين لاغتيال الرئيس السيسي تطغى على اهتمامات الصحف، التي انطلق بعضها للتعامل مع الحدث باعتباره فتحا مبينا لأجهزة الأمن التي أحبطتهما.

وذهب بعض الأقلام لحد تقليد جهازي الشرطة والمخابرات المرتبة الأولى بين المؤسسات الأمنية في مختلف بلدان العالم، غير أن اللافت أيضا ما يراه بعض المستقلين وأولئك الذين يهتمون بتأمل الموقف وعدم الانجرار وراء الزخم الإعلامي الذي يسيطر عليه معسكر الرئيس. وتبدو الصورة مغايرة تماما حينما نرصد الرأي المخالف للمولد الإعلامي الذي أقيم للكشف عن المؤامرتين، حيث يرى عدد لا بأس به من الكتاب، أنه كان ينبغي عدم الكشف عن الواقعتين لما فيهما من تأثير سيئ على البلاد، بشأن عدم استقرارها، ما يعزز المخاوف بشأن خطورة السفر إليها او الاستثمار على أراضيها. واهتمت الصحف المصرية الصادرة أمس الأربعاء 23 نوفمبر/تشرين الثاني بالعديد من القضايا التي أشعلت المعارك بين الكتّاب ومن بينها قضية أهالي النوبة الذين وصلوا إلى طريق مسدود مع الحكومة، والمصالحة مع الإخوان، وتردي الأوضاع الاقتصادية لمستوى ينذر بثورة جياع. واهتمت الصحف بأزمة نقابة الصحافيين التي تفاقمت على إثر الحكم بحبس النقيب يحيى قلاش عامين وإلى التفاصيل:

عدو نفسه

الحديث عن نجاة الرئيس من الاغتيال ما زال الخبر الأول في الصحف كافة، حيث أسفر ما نشر من تفاصيل عن استثارة قريحة الكتاب للكتابةعن هذا الموضوع، محمود سلطان رئيس التحرير التنفيذي لـ»المصريون» له رأي مختلف عن رأي معسكر الرئيس: «كل دولة تحرص على تصدير صورتها إلى العالم، بوصفها مستقرة وآمنة ولا تتعرض لاضطرابات اجتماعية أو أمنية، أو أنها تعاني من أزمة صراع على الشرعية والسلطة، لأن هذه الصورة تترجم في النهاية إلى استثمارات ونشاط سياحي وإنعاش الاقتصاد، وتحسين حياة الناس. أما إذا أعلن رسميا أن أعلى وأهم وأخطر مسؤول فيها (رئيس الجمهورية)، تعرض لمحاولة اغتيال، فإنه في فحواه الحقيقي، إعلان بأن البلد غير آمن، أو هكذا سيفهمه العالم، ورجال الأعمال والمستثمرون.. فمن أين سيأتيك الاستثمار؟ أو كيف سيثق المغتربون ويأمنون على مدخراتهم في مصارف دولة رئيسها نفسه غير آمن على حياته؟ ربما تكون الأوضاع الأمنية في الداخل مستقرة، غير أن الاندفاع نحو الإعلان عن تعرض رئيس الجمهورية لمخطط كبير لاغتياله، شاركت فيه تنظيمات مقاتلة وضباط في المؤسسات الأمنية، ستكون مشاهده طاغية على انطباعات الرأي العام ـ في الداخل والخارج ـ وستتراجع أمامه الثقة في الاستقرار الحقيقي والفعلي.. وما سيترتب عليه من أضرار جسيمة على مصادر الدخل من العملات الأجنبية. ويرى الكاتب أن الإعلان عن محاولة الاغتيال كان مثيرا للدهشة، بل كان صادما، إذ لم نتوقع أبدا أن مصر التي تكابد مشقة قاسية لتجنب الانهيار الاقتصادي والسقوط في الفوضى الاجتماعية والأمنية، تعلن للعالم أنها ليست آمنة».

ندّد ثم نام

ما يجري في القدس من اعتداءات إسرائيلية غاشمة طاولت حتى مصادرة حق الفلسطينيين في إقامة الشعائر الدينية للأسف الشديد، لم يلق اهتمام سوى قلة من الكتاب على رأسهم فهمي هويدي في «الشروق»: «العبث الإسرائيلي في مسألة رفع الأذان في مساجد القدس والبلدات الفلسطينية داخل إسرائيل يعيد إلى أذهاننا معاناة المسلمين في الأندلس بعد سقوط دولتهم هناك قبل خمسة قرون. حين جرى إذلالهم، أغلقت مساجدهم وأجبروا على تغيير أسمائهم ولباسهم كما حظر ختانهم وأجبروا على تعميد أطفالهم. بعدما انتكست الدعوة إلى إقامة الدولتين وما عاد هناك أثر لفكرة الدولة الواحدة، صار الجهد المبذول الآن يستهدف اقتلاع الفلسطينيين لتكريس فكرة الدولة اليهودية التي تطهرت من «الأغيار» وصارت وطنا لليهود دون غيرهم. ومعلوم أن قرار حظر الأذان لعدم إزعاج اليهود وأقرته اللجنة الوزارية للتشريع، جاء عاما في البداية. المشهد يستحق الملاحظة والقراءة من أربع زوايا، من ناحية يعكس القرار مدى الجرأة التي تتصرف بها قوى اليمين الإسرائيلي، التي لم تعد تتورع عن قهر الفلسطينيين وقمعهم. من ناحية ثانية فإننا لابد أن نلاحظ إسهام الخذلان والوهن المخيم على العالم العربي في تشجيع الإسرائيليين على التمادى في الجرأة والعربدة.. حين نطل على المشهد من الزاوية الفلسطينية ــ وتلك ملاحظة ثالثة ــ فسوف نرى جانبا معتما تقف فيه السلطة القابعة في رام الله المكبلة برباط التنسيق الأمني مع إسرائيل، الذي فيه من الموالاة بكثر ما فيه من الممانعة ولا تسأل عن المقاومة. لكننا سنلاحظ وجها مضيئا ومشرقا يتمثل في موقف الكنائس التي تبنت رفع الأذان للصلاة، متحدِّين بذلك العنف الإسرائيلي، كما يتمثل في تأهب الشباب الفلسطيني لانتفاضة جديدة تسجل الاحتجاج والغضب ورفض التغول الإسرائيلي. من ناحية رابعة فإننا لا نستطيع أن نتجاهل دلالة التزامن بين تنامي العربدة الإسرائيلية وانتخاب الرئيس الأمريكي الجديد الذي زايد على الجميع في انحيازه لإسرائيل. ويتساءل الكاتب عن موقف الجامعة العربية مما جرى وهل يستحق الذكر أم لا؟ لأن نائب الأمين العام للجامعة اكتفى بإصدار بيان شجب فيه القرار الإسرائيلي، واعتبره استفزازا خطيرا وتصعيدا مرفوضا، معتبرا أن البيان وشدة الاستهجان هما غاية ما تملكه الجامعة، وأن الأمر لا يستحق اجتماعا أو تشاورا بين الدول الأعضاء».

أفرجوا عن الأبرياء

بالكاد عثرنا عن من يطالب بالإفراج عن عناصر الإخوان من السجون عماد الدين حسين رئيس تحرير «الشروق» يقول: «يحق لأي مواطن أن يؤمن بفكر الإخوان، طالما أنه لا يمارس ذلك على أرض الواقع، أي لا يكون حركيا أو تنظيميا، نحن لا نستطيع أن نمنع الناس من الإيمان بأي شيء، فإذا كنا نعجز عن إقناع الناس ألا يكفروا بالله ويصبحوا ملحدين، فهل نجبرهم على عدم الإيمان بجماعة انضموا إليها منذ عشرات السنين؟ أفضل شيء تفعله الحكومة وأجهزتها في الأيام المقبلة أن تفرج عن أي مسجون يثبت أنه بريء بغض النظر إذا كان يؤمن بفكر الإخوان أو غيرهم. خروج أي إخواني بريء من السجن يعني إطفاء حريق ملتهب في مكان ما ونزع فتيل قنبلة موقوتة ستنفجر في أي لحظة. ما الذي يمنع من إطلاق سراح إخواني بريء، ليمارس حياته الطبيعية، وفي اللحظة التي يتم ضبطه يمارس أي عمل تنظيمي في إطار الجماعة، التي صارت محظورة وإرهابية يحق القبض عليه وسجنه من جديد. إطلاق سراح أي إخواني بريء سيصب في النهاية في صالح الحكومة وأجهزة الأمن، لأنه ــ أغلب الظن ــ سوف يخرج من السجن ليركز على حياته الخاصة وحياة أهله وأقاربه. وبالتالي سيخفف من الاحتقان الشديد الموجود في المجتمع. أعلم أن الظروف والمناخ والحالة التي تدفع بعض الزملاء في لجنة العفو الرئاسية لإطلاق تصريحات متشددة تقول: إنه لن يتم إطلاق سراح أي إخواني لمجرد أنه إخواني. هي تصريحات لتهدئة بعض الرأي العام الثائر، وبعض الجهات التي ترى في إطلاق سراح أي مسجون خطرا يهدد الأمن القومي. لو أن معيار السجن الوحيد هو الانتماء للإخوان، بغض النظر عما إذا كان هذا المسجون مدانا أو ارتكب بعض الجرائم وخالف القوانين، ففي هذه الحالة نسأل الزملاء في اللجنة: هل سنلقي القبض على أي إخوانى خارج السجن لمجرد أنهم إخوان؟».

أعيدوهم إلى السجون

لم يكد عماد الدين حسين ينتهي من كلامة إلا وبادره كرم جبر في «روزاليوسف» ليندد بالإفراج عن بعض ممن أطلق سراحهم: «وقفة ضرورية مع ما صرح به القيادى الإخواني المنشق ثروت الخرباوي، في حواره مع عزة مصطفى في قناة «صدى البلد»، فهو جاد ومهم وخطير، قال: «إن عددا كبيرا من الذين تم الإفراج عنهم مؤخرا بينهم مجموعة كبيرة من شباب جماعة الإخوان، ومعظمهم أحرقوا واقتحموا وحطموا أقسام شرطة، وتم ضبطهم في أعمال عنف، ورفعوا علامة رابعة بعد خروجهم واستفزوا المصريين، تأكيدا على عودتهم لممارسة أعمال العنف التي حبسوا بسببها. نحن أمام احتمالين لا ثالث لهما.. إما ما يقوله ثروت الخرباوي مجرد افتراضات وتكهنات، مما يحتم عليه أن يوضح موقفه ويقدم للرأي العام ما لديه من معلومات، لأننا على أبواب قائمة إفراج ثانية، وإذا كان شباب الإخوان قد نجحوا في التسلل خفية للأولى، فالمؤكد أنهم سيقتحمون علانية الثانية، والخرباوي هو الوحيد الذي صرح بذلك، وربما لم ير غيره الشباب الذين رفعوا علامة رابعة.. أما الاحتمال الثاني فهو أن يكون كلام الخرباوي صحيحا، وأن شباب الإخوان المتهمين بالعنف خرجوا في العفو الرئاسي، رغم تأكيدات أعضاء اللجنة الخماسية أن القائمة لن تشمل إخوانيا واحدا. كان من الأفضل الإعلان عن القضايا، التي حوكم فيها المفرج عنهم، وهل أخذوا في تظاهرات عادية، كما أكد أعضاء اللجنة، أم في قضايا جنائية تضمنت عنفا وتخريبا، وما مدة العقوبة المحكوم بها، لأن جميع الأسماء بلا استثناء لم تكن لمشاهير، أو أشخاص معروفين بمشاركتهم في المظاهرات، فأهم من الإفراج هو ألا يعود المفرج عنه لممارسة العنف، وهو الأمر الخطير الذي يحذر منه ثروت الخرباوي، دون أن يدعم كلامه بالأدلة والقرائن».

الداخلية متهمة

ونتحول نحو الحرب على وزارة الداخلية ويشنها جمال أسعد في «اليوم السابع»: «الحل تطبيق القانون بحزم على الجميع حتى نردع المتجاوزين ونحافظ على كرامة المواطنين. لو أثبت الطب الشرعي أن موت المواطن المصري مجدي مكين كان نتيجة لضرب وتعذيب أفضى إلى الموت، من جانب عدد من أمناء الشرطة، ومعهم ضابط صغير، فهذه ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة لتلك الممارسات الممقوتة والمرفوضة من بعض الذين ينسون أنفسهم ويسقطون القانون ويسيئون إلى النظام، ويتصورون أنهم فوق القانون، بل فوق البشر. مع العلم أن تلك الممارسات التي تنسب إلى بعض رجال الشرطة لا تمر مرور الكرام، حيث أن هناك ربطا بين الشرطة وبين نظام الحكم، ما جعل العرف الجمعي يطلق على الشرطة « الحكومة» دون كل الوزارات، ولذا فهذه الممارسات تسيء إلى النظام وإلى الحكم، بل وفي ظل الظروف والتحديات التي يعيشها الوطن، والتي يعاني منها المواطن غير القادر بالأخص، تخصم تلك الممارسات من الرصيد الشعبي للنظام. وعلى الرغم من المتغيرات اللاحقة لـ30 يونيو/حزيران ودستور 2014 الذي ينص على دور الشرطة في حماية أمن وأمان وحقوق المواطن، إضافة لاهتمام السيسي ورفضه لهذه الممارسات، حتى إنه كثيرا ما قدم اعتذارات لمن عانوا منها، بل طلب تعديل قانون الشرطة، ومع ذلك لا نجد آذانا صاغية من أمثال هؤلاء الذين يصرون على الإساءة للمواطن، التي هى إساءة للوطن وللنظام، فكان من الطبيعي أن يستفز الرأي العام، ويستنفر أمام حادثة مجدي مكين، حيث أن هذه الممارسات المسماة بالفردية قد تجاوزت كل الحدود، وقد تخطت كل المعقول في ظل ظروف نحن في أشد الحاجة فيها للتوافق الوطني».

«عيّل صايع»

بات من قبيل المألوف ظهور شخص كل فترة يدعي أنه المهدي المنتظر، وهو ما دفع أسامة غريب في «المصري اليوم» للقول: « تغلغل الاعتقاد بفكرة المهدي المنتظر لدى المسلمين كان سببا في أن يظهر كل فترة أحد النصابين فيزعم أنه المهدي المنتظر، وهو يأتي في العادة ومعه زفة من المستفيدين يبايعونه ويقدمونه للرعية، حتى إذا ساءت الأحوال في وجوده اكتشف الناس حقيقته وعرفوا أنه دجال. وفي العادة ينتهى الأمر بمقتله على يد من خدعهم. ولقد كنت أعتقد شخصيا بعد ظهور عبدالعاطي قبل سنوات أنه هو المهدي المنتظر الذي سيملأ الأرض كبيبة شامي وفتة كوارع وبيكاتا بالشامبينيون، لكن غياب عبدالعاطي عن الصورة نفى أن يكون هو المهدي المنتظر. بعد ذلك وجدنا أن الأقدار كانت تخبئ لنا واحدا من نوع آخر، فلا هو يعد بالكفتة ولا بالشفاء، وإنما هو عبارة عن شخص صايع تم اكتشافه في الوقت نفسه الذي اكتشفوا فيه العُكش، وهو ينتمى إلى المدرسة الهجائصية نفسها. المهم أن الدفع بشخصيات هزلية كهذه وقت الجد هو للمساعدة على تمييع القضايا الحقيقية وسحب الوعى عبر شغل الناس بالأوهام وجعلهم يتلهون بالكلام الفارغ.. وما حكاية المهدي المنتظر التي صارت حديث الناس وحكاوى القهاوي إلا مصداقا لما أقول، ولا يهم بعد ذلك ما يفعله الناس بهذا الشخص، حتى إذا فتكوا به، فهو في النهاية مجرد عيّل صايع».

الصحافيون في خطر

تواجه نقابة الصحافيين بعد الحكم بحبس نقيبها يحيى قلاش خطرا وجوديا استدعى العديد من الكتاب بمن فيهم أنصار النظام لدق ناقوس الخطر، ومن هؤلاء حمدي رزق في «المصري اليوم» الذي كان وراء الدعوة بالتدفق على مقر النقابة أمس: «زحف الصحافيين إلى نقابتهم واجب مهني. لا يجوز فيه «فرض الكفاية»، أن يحضر البعض، ويتغيب كثير من الوجوه الصحافية التي لم تتخلَّ عن نقابتها يوما. الحضور اليوم مطلوب ليس اعتراضا على حكم قضائي، الطعن عليه له طرائقه القانونية المستقرة، ولكن لأسباب مهنية وصحافية أولا قبل أن تكون سياسية، تَدَاعَى على المهنة خلق كثير، تَكَالَب الأكلة على قصعتها، لسنا قلة وللأسف كثرة، ولكن كغثاء السيل، وهذا ما جاد به الحديث الشريف في التشبيه، وأراه ماثلا مجسدا أمام ناظري. أول الأسباب، للاحتشاد حتما ولابد أن تثبت شامخة نقابة الصحافيين بوجوهها المعتبرة، في وجه تحدٍ هو الأخطر من نوعه، سجن النقيب يحيى قلاش والزميلين خالد البلشي وجمال عبدالرحيم، سابقة وتحدٍ خطير تواجهه النقابة لأول مرة في تاريخها الطويل، وحتما ولابد أن تتجسد وحدة الصحافيين، حفاظا على نقابتهم، وحماية لمهنتهم. وثانيها: لا نملك رفاهية فشل أو تفشيل النقابة عمدا في مواجهة أزمة هي الأخطر في تاريخها المديد، تُجاوز في خطورتها تحدي القانون 93 لسنة 1995 الذي أجهضته انتفاضة الصحافيين، وأسكنته قبره قبل أن يسعى بين الصحافيين سجنا، فشل النقابة هذه المرة أخشى إعلانا لوفاتها. وثالثها: النقيب- وإن اختلفت من حوله ومن حول مجلسه الآراء، وفق تعدد الرؤى والتوجهات- هو نقيب كل الصحافيين، وفي هذه الأزمة تحديدا لا سبيل سوى الالتفاف حول النقيب، فليلتف من حوله شيوخ الصحافيين كتفا بكتف مع شبابهم، رمزية الالتفاف والوحدة واجبة، لا وقت للشقاق والاختلاف، لا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم. رابعها: الحضور الكثيف، وفي القلب منهم قامات صحافية ونقابية محترمة ومعتبرة، رسالة إلى السلطة بأن الأزمة تهم وتلم كل الصحافيين، لا تخص فريقا، ولا شخوصا، النقابة كنقابة والمهنة كمهنة في اختبار جد عصيب. خامسها: هذا يوم تُختبر فيه إرادة الصحافيين، وإذا اجتمع الصحافيون في مبناهم على حوار ناضج وعاقل يؤمه شيوخ المهنة، فسينيرون الطريق أمام شبابها، ويضعون النقاط فوق الحروف لبيان موقف النقابة المعبر عن المجموع النقابي، لا يناقض فريق فيه فريقا، بل على قلب واحد».

أنقذوا التعليم

هناك شبه اتفاق بين الجميع على أن التعليم في مصر يواجه أزمة تاريخية وهو ما دفع وجدي زين الدين رئيس التحرير التنفيذي لـ«الوفد» أن يدق ناقوس الخطر: «عندما اعتلى محمد علي حكم مصر وأراد تنفيذ مشروعه الوطني، انصب اهتمامه الأول على أمرين، الأول هو تأسيس الجيش الوطني، والثاني هو النهوض بالعملية التعليمية، على اعتبار أنها المفتاح إلى بناء الدولة، وكلنا يعرف البعثات التي أرسلها محمد علي إلى أوروبا في كافة المجالات، التي عادت برؤى وفكر جديدين. وأنشأ لذلك المدارس المختلفة في مصر، التي كانت بمثابة جامعات في ذلك الوقت، ومن هنا احتلت مصر مكان الصدارة، ليس في المنطقة حسب، وإنما على الصعيد الدولي، لدرجة أن الدولة المصرية أزعجت الدول العظمى في هذا التوقيت، ولأول مرة تتفق الدولتان الكبريان إنكلترا وفرنسا وتتركان الحرب الدائرة بينهما من أجل وقف زحف الدولة المصرية، وكانت معاهدة لندن الشهيرة ضد الدولة المصرية. هذه النبذة التاريخية الهدف منها أن سر تقدم الدولة المصرية في عهدي محمد علي وإبراهيم باشا ابنه، كان وراءها في المقام الأول النهوض بالتعليم.. وما أحوجنا الآن إلى الاهتمام بالتعليم وإعادة النظر فيه، حتى نضمن تحقيق المشروع الوطني الجديد بعد الثورتين العظيمتين 25 يناير/كانون الثاني و30 يونيو/حزيران، ومن أجل بناء الدولة الحديثة لابد من نسف العملية التعليمية الحالية واستبدالها بمنظومة جديدة تتفق والواقع الجديد للبلاد. ويرى الكاتب أن تطوير التعليم الذي دعا إليه مؤتمر شرم الشيخ هو البداية الحقيقية، ومن الممكن أن يدخل الوزير الهلالي التاريخ من أوسع أبوابه، لو استمر في النهج المطالب بتغيير منظومة التعليم قبل الجامعي».

ربيع مسموم

وعن ثورات الربيع العربي وهل هي ثورات أم مؤامرات يقول محمد علي إبراهيم في «مصر العربية»: «ماذا ستستفيد الأجيال القادمة إذا عرفت خطيئة رئيس أو ميزته.. هل قدرنا أن نظل نتخبط في سراديب الماضي وأنفاق سراب مميت. الذين يخوضون حروب الماضي هم أعداء الصحافة وخصوم الحقيقة وأصدقاء التزوير. أما أولئك الذين يتجادلون حول ثورات الربيع العربي، وهل هي مؤامرات أم ثورات؟ والحقيقة أنني أراه جدالا عقيما، الذي يهمني كصحافي قديم أن ما حدث في ستة أعوام كلف العالم العربي 614 مليار دولار، طبقا لما أعلنته الأمم المتحدة مؤخرا. إذن ليست ثورات أو مؤامرات، بل كوارث استنزفتنا وقطعت الأرزاق وشردت العمالة ونسفت السياحة. لم نسأل أنفسنا في خضم انشغالنا بالسؤال الأبدي هل كانت ثورات أو مؤامرات؟ إن هذا المبلغ المهول يكفي لبناء آلاف المصانع والمدارس والمستشفيات والجامعات».

لماذا المشير؟

عودة المشير طنطاوي وزير الدفاع السابق إلى الأضواء، فضلا عن تعاظم دور الجيش في الحياة العامة، أثار تساؤلات الكثيرين، وممن اهتم بهذا الظهور محمد أمين في «المصري اليوم» ليومين متابعين: « أعرف أن تدخل المشير غير تدخل الجيش في قضية النوبة تحديدا، ولكن السؤال: ولماذا ينتظر المحافظ، حتى تكون هناك أزمة، فيتدخل الجيش أو المشير؟ فلماذا لا نقوم بمهمتنا؟ أليس المحافظون رؤساء جمهورية في أقاليمهم؟ ثم أين دور قيادات المحليات؟ ولماذا ننتظر حتى يقطعوا طريق أبوسمبل ويهددوا السياحة؟ ودون لف أو دوران، فإن الأزمة تكشف عن تقصير محافظ أسوان، وتدخل الجيش يعني أن المحافظ فشل سياسيا وفشل في مهمته كمحافظ. مفترض أن المحافظ، أي محافظ، يقظ وجاهز لاحتواء مشكلات مواطنيه.. والمفترض أنه يتحرك بسرعة، ومفترض أيضا أن هناك نواب برلمان يتحركون معه لاحتواء الأزمة، بحيث تبدو الحكاية ممارسة سياسية لا ممارسة أمنية، فالحلول الأمنية تعقد المشكلات. عندما يغيب صناع السياسة، تتحرك أجهزة الأمن، ويتدخل الجيش. تدخلات الجيش في أزمات السلع تعني أننا بلا حكومة، وتدخلات الجيش في الاحتجاجات الشعبية تعني أن السياسة غائبة، وتعني أن المحافظ في الطراوة. وحين يتم حل هذه المشكلات، دون أن نشعر، تبقى عندنا دولة.. تدخل الجيش دائما معناه فيه حاجة غلط».

ضد الشعب

«لماذا تتعمد الحكومة إخفاء الحقيقة لحجم ما نستورده.. هل ذلك لأنها لا تعلم حجم هذه الواردات، وبالتالي لا سلطان لها عليها؟ أم تعرف وتخشى أن تقول الحقيقة.. ويعرف الناس حجم عجزها عن مواجهة مافيا الاستيراد؟ كان هذا تساؤل عباس الطرابيلي في «الوفد» الذي تابع قوله، وإن تحججت بالخوف من عقوبات يمكن أن تفرضها منظمة التجارة علينا بحجة أن مصر تحارب مبدأ حرية التجارة.
ولقد حرصت ـ مثلا ـ طوال مشاركتي في مؤتمر الشباب في شرم الشيخ على أن أحضر ورش العمل الاقتصادية.. علني أعرف رقما محددا لحجم هذه الواردات واعترف بأنني عجزت. فقد صرح وزير المالية بأرقام، وصرح وزير التجارة بأرقام، بل صرح رئيس الحكومة بأرقام أخرى.. وانتقلت العدوى إلى حتى أساتذة المالية والاقتصاد سواء في الجامعات، أو مراكز الدراسات.. فهل نحن ـ فعلا ـ نجهل حجم ما نستورده؟ أم تخشى الدولة أن يعرف الشعب نوعية ما نستورده، ويحصل المستوردون على الموافقات اللازمة؟ أم أن مافيا الاستيراد صارت لها الكلمة الأولى في هذا العالم الرهيب؟ أقول ذلك لأن هناك من يقول إننا نستورد بحوالي 80 مليار دولار في السنة.. وهناك من يقول 70 مليارا، بل هناك من يقول إنها أكثر من ذلك وربما تتجاوز «85» مليار دولار، بينما ما نقوم بتصديره يدور حول «20» مليار دولار.. وبسبب هذه الفجوة التي تتجاوز ثلاثة أمثال الصادرات ـ على الأقل ـ يزداد الطلب على الدولار. وأسأل هنا: هل اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب تعرف الرقم الحقيقي أم هي تماما، مثلنا.. نحن الشعب، آخر من يعرف؟ رغم أن الرقابة المالية على أعمال الحكومة هي المهمة الأساسية أمام البرلمان، بل ما قامت فكرة البرلمانات إلا لهذا السبب، أم أن البرلمان ـ وبالتالي لجنته الاقتصادية يعلم، ولكنه يعجز عن إعلان الناس بهذه الحقيقة شديدة المرارة؟ وما دمنا أمام حكومة لا تجرؤ على إعلان حجم صادراتنا وبرلمان لا يناقش أوضاعنا الاقتصادية، فإننا نتوقع أن تفعل الحكومة أي شيء.. وللصحافة المصرية «كل الحق» في تجاهلها لما يدور داخل البرلمان وداخل لجانه. اللهم إلا إذا كنا نعيش عصرا تتحالف فيه الحكومة مع البرلمان من أجل هدف واحد.. هو التعتيم وإخفاء كل شيء عن الشعب.. ولهذا نعيش الآن عصر التحالف بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ويتبقى لنا أن نقرأ الفاتحة للسلطان».

النوبة تستغيث

يعيش النوبيون مظلمة تاريخية كما يرى البعض من بينهم ماجدة الجندي في «الأهرام» التي تؤكد أنه لا ثقة مطلقا لا في جهاز تنفيذي، ولا في مجلس نواب المصريين وأهالينا في النوبة «حسموا» الأمر، لا الحكم المحلي ممثلا في المحافظ، ولا الوزراء ولا أعضاء مجلس النواب لهم مصداقية. لابد أن يتسرب كثير من الوجع إلى قلبك، وتشملك غلالة من الكمد، (فوق ما تعانيه)، ويتسرب إلى داخلك «قلق» حقيقي، وربما خوف، وأنت تتلقى الأنباء حول ما يجرى من أهالينا النوبيين، وكلام عن اعتصام أو مسيرة قيل إنها قطعت طريقا ثم نُفي الكلام، وأوقفت مسارا، وإنها لثلاثة أيام يبيت أصحابها من الشباب النوبي على الإسفلت، بعد كل ذلك لابد أن نعي أن النوبة «ممثلة في شبابها، وكذلك بعض شيوخها الذين ظهروا في الفضائيات هذه المرة لا تطرح مجرد مشكلات» حتى إن تراكمت، لكن أخشى ما أخشاه أن يوظف الكلام عن «الهوية النوبية» التي هي حق ومصدر ثراء، حقيقي للهوية الثقافية المصرية إجمالا، باتجاه نغمة «عرقية» تتخلل الكلام الذي سمعناه، وهنا مكمن الخطر والخوف. أهالينا النوبيون أصحاب حق في الحفاظ على الخصوصية التي علينا جميعا أن نحافظ عليها، كما نحافظ على خصوصية غيرها من أقاليم مصر من الإسكندرية إلى أسوان، لكن كما أقول، هناك خيط رفيع فاصل بين طرح معاناة أهالينا النوبيين المهضومة حقوقهم، وأزمة «الوعود» التي تذهب أدراج الرياح، بالعودة والاستقرار في بيئة معادلة لما كانوا فيه قبل التهجير الذي صاحب بناء السد العالي، في أوائل ستينيات القرن الماضي، وبين ما يطرح أحيانا وسط ضجيج تحت عنوان «القضية النوبية»، وهنا الكلمة تفرق والمطروح الآن وتحت هذا العنوان «تراكم» من الفواتير ماطلت الحكومات المتعاقبة في الوفاء بها، حتى اختفت الثقة ما بين أهالينا النوبيين وجهاز الدولة التنفيذي، وتفجرت الأزمة عند الإفصاح عن حدود المليون ونصف المليون فدان المزمع استصلاحها والتي أظهرت الخرائط، أن جزءا منهما يقع ضمن أراض نوبية».

بلد بحكومتين

وأخيرا إلى «المصري اليوم» ومقال الكاتب سليمان جودة عن بلد بحكومتين: «ما معنى أن تعلن وزارة التضامن الاجتماعي أن مشروع قانون الجمعيات الأهلية، الذي تقدمت به هي، لم يؤخذ به في مجلس النواب، وأنه تم تجاهله بالكامل، وأن المجلس أخذ بمشروع قانون آخر تماما، كان أحد الأعضاء قد تقدم به، ليمر في البرلمان بسرعة الصاروخ؟ من حق أي نائب في البرلمان، بالطبع، أن يطرح مشروعا بأي قانون، ومن حق مجلس النواب أن يأخذ به، وأن يناقشه، ثم يمرره سريعا كما حدث مع مشروع القانون الذي نتحدث عنه.. غير أن السؤال هو: لماذا وما الهدف؟ إذا ما كنا أمام مشروع قانون جاهز ومتكامل ومطروح من الحكومة؟ إن مشروع القانون الخاص بالوزارة، الذي تم تجاهله لم يهبط على الوزارة من السماء، ولا هو مقبل من جانب جهة تعمل ضد البلد، ولا هو مشروع شيطاني نبت فجأة، دون أن ينتبه أحد. إنه مشروع خضع للدراسة والنقاش على يد الوزارة لفترة طويلة، بل إنه نوقش على مستوى الحكومة كلها، ووافقت عليه، ثم إنه كان محلا لحوار أدارته الوزارة المختصة حوله، بحيث يمكن القول إنه كان محققا لمختلف وجهات النظر، وكان مرضيا للوزارة المعنية من ناحية، ولأطراف العمل الأهلي في البلد عموما من ناحية أخرى.. فلماذا تم تجاهله، ولماذا تم ركنه في الأدراج، ولماذا خرج مشروع قانون آخر فجأة، ولماذا تم تمريره بهذه السرعة؟ إن رصد عدة مخالفات لعدة جمعيات أهلية في أجواء 25 يناير/كانون الثاني 2011، ثم بعدها، ليس معناه أن نصادر العمل الأهلي كله، وليس معناه أن نضع المذنب والمصيب في سلة واحدة، وليس معناه أن ننفخ في الزبادي سيرا على المثل الشعبي الذائع، وليس معناه أن ننظر إلى كل جمعية أهلية على أنها متهمة إلى أن يثبت العكس، ليس معناه هذا كله لأن الطبيعي أن نطلق الحرية لأي عمل أهلي غير حكومي، وأن نضع له ضوابطه العادلة التي تضمن أن يكون إيقاعه متزنا، وأداؤه إيجابيا، فلا يمارس عملا يضر بالوطن على أي مستوى. تمرير مشروع قانون مختلف مئة بالمئة عن مشروع الحكومة أمر غير مريح بالمرة، لأنه يدل على أشياء كثيرة لا تبعث على الاطمئنان، منها – مثلا – أن البرلمان لا يثق في الحكومة، وأخطرها أن في البلد حكومتين، واحدة يرأسها المهندس شريف إسماعيل، وأخرى لا يعرف عنها الرجل شيئا».