عبدالله بشارة

 يلتقي قادة دول مجلس التعاون في اليوم السادس من ديسمبر 2016، في اجتماعهم السنوي لبحث القضايا محليا واقليميا ودوليا، وسيكون اللقاء في مملكة البحرين، ذات الصلابة السياسية والانضباط الاقتصادي، والنزعة التراثية المتجلية، والواعية للحقائق، الجميل منها والقبيح وكذلك المؤذي.
وسيكون أمام القادة الملف الشائك، الذي يقرأ الواقع كما يتحسسه المواطن ويتهيب منه، وكما يقرأه القائد ويخطط لتجاوزه، وكما يصر الشعب الخليجي على المقاربة معه بصراحة وحرفية وبحزم، ومن أهم النداءات التي لابد من الوقوف عندها صوت الضرورة الاتحادية الصارخ بعزم خليجي جماعي على معالجة المعلقات والمهددات بقوة تصحيحية، ومن أبرز وسائلها اعلان الانتقال من التعاون إلى الاتحاد.
ولا يغيب عن القادة المعاني الكبيرة لقرار الانتقال، وما تولده من الشعور بالغبطة، بأن العمل الجماعي الخليجي يتجه نحو التكامل الشامل، بكل المسارات، وأبرزها ثقل الدبلوماسية الاتحادية، ومناعة آليات الردع، والمتانة الاقتصادية للمحفظة الخليجية، هذا الحس الذاتي يزيد من صلابة المواطنة الموحدة ويرفع الاعتزاز بالهمة الموحدة، ويوفر الاطمئنان بأن أسوار المنطقة غير قابلة للتجاوز.
ونلاحظ قرارين اتخذهما القادة في الأسبوع الماضي، أولهما اجتماع مجلس الدفاع الخليجي المشترك في لقائه في الرياض وقراراته بالمزيد من تطوير العمل الميداني العسكري، والثاني المناورات المشتركة البحرية في البحرين تحت اشراف وزراء الداخلية، الذي رسخ مفهوم الأمن الخليجي الموحد، وكان مؤشرا على وحدة اللحمة وعزم الارادة.
فالاتحاد ليس جديدا، فالنظام الأساسي ينص على التكامل وصولا الى الوحدة، وهنا الوحدة لا تعني مفهوم حزب البعث وغيره من دعوات الانصهار، وإنما الترابط المتكامل، والمثال الذي نريده ترابط البنلكس بين هولندا وبلجيكا ولكسمبورغ، ففي الترابط الكونفدرالي لا توجد أثقال على حساسية السيادة، ولا يثير المخاوف من اقتباسات على شكل الاتحاد الأوروبي.
وقد تعاملت الدول الأعضاء مع خطوات الاتحاد خلال السنوات الماضية، بقدر كبير من المسؤولية الجماعية، وأظهرت تقبلا للمزيد من الحيوية الجماعية عبر التكامل مع الرغبة في تبسيط الآليات والاصرار على اختزال البيروقراطية ومنعها من التورم الوظيفي، وبشكل يؤمن استمرار الارتياح المتوافر في صيغة التعاون.
ومن تجربتي في المجلس، أتصور أن الواقع الحالي للمجلس يفي بالمطلوب مع تغيير عنوان المجلس ليصبح مجلس الاتحاد الخليجي، وسيكبر ويتطور وفق الحاجة، لكن الأهم من كل شيء أن ينطق القادة بمصطلح الاتحاد وترك التفاصيل للمجلس الوزاري ليخيط الثوب الخليجي وفق التطور واملاءات الضرورة.
كلمة الاتحاد لها صدى ليس فقط في قدرة الخليج على مواكبة العصر، وإنما على المغزى الذي تحمله كرافعة مستقبلية للمسار الخليجي، وتأكيد الحفاظ على النظام السياسي المستقر وعلى نظافة الوعاء الذاتي وحمايته من تسلل التشويهات والمغالطات، كما ترفع القامة الخليجية بكل جوانبها إلى مرتبة أعلى حكمة وسمعة ومستقبلا.
ولا ننكر أن أهم انجازات مجلس التعاون، تأتي من مناعة الهوية الخليجية التي كسرت محاولات صدام حسين وحزبه البائس للتسلل إلى مواقع القوة الخليجية التراثية لتفتيتها وتلويث منابعها، كما تفوقت في تطويق المغامرات الراديكالية الايرانية وأفشلتها، وبقيت الهوية والجغرافيا الخليجية كما صاغها المهندسون الأولون.
وقد اتسعت المخاطر منذ قيام المجلس بعد أن تضخم الارهاب بوصول داعش إلى حدود الخليج الشمالية، وتعدياته إلى اليمن برفقة الحوثية، وغير ذلك الاصرار على الارهاب المستغل للدين، وكذلك ما أفرزته الانتخابات الأميركية من فوز للفكر العنصري الانعزالي.
وهنا نستذكر ما يردده الرئيس الأميركي أوباما والرئيس القادم ترامب باستمتاع الخليج بالحماية الأميركية الذي يصفها بالحماية المجانية، بما يوحي من دون مشاركة خليجية، رغم تواصل مشتريات الخليج من الاسلحة الرادعة ورسم الخريطة الدفاعية وفق المشاركة الاستراتيجية مع واشنطن ولندن، فالخليج يملك الاصرار على رفض الرادع الخيري الذي يخلو من مبدأ المشاركة الخليجية مع الحلفاء.
وقد اجتمعت في البحرين مجموعة خليجية يتجاوز عددها أربعمئة شخص، وأعدت وثيقة جماعية تدعو الى الاتحاد، ترجمة لرغبات خليجية حادة، كما جاء تصريح الشيخ خالد بن أحمد بن خليفة وزير خارجية البحرين خلال الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية، بأن موضوع الاتحاد مطروح في مداولات القمة، بما يعبر عن وعي قيادي بأحكام الضرورات.
كنت في البحرين الأسبوع الماضي، وتلمست النزعة القوية في ضرورة الاسراع والتناغم مع حجم الأخطار والتحضير لمواجهات مفاجئة قد يحملها قطار المستقبل في منطقة يتسيدها التخريب ويدمرها صراع الطوائف ويجهدها الانشقاق، ويظل مجلس التعاون واحة سليمة في قلب الأفران الحارقة، لكنها بحاجة إلى قرار استثنائي يقيها الحريق.