فهمي هويدي

استيقظ أهالي سكان غزة في الأسبوع الماضي على صورة النمر الذي تم نقله من حديقة في جنوب قطاع غزة إلى جنوب إفريقيا، وقد استعاد حيويته ووزنه بعد أن كان أقرب للجثة المحنطة، تناقلها الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي تندرا أو دهشة أو تعجبا، وفرحا لذلك الحيوان الذي نال أخيرا حريته من السجن الكبير المسمى غزة، وغضبا وكفرا بهذا العالم الذي قطعت فيه منظمة آلاف الأميال لتنقذ حياة الحيوان، فيما يترك شعب تعداده ٢ مليون إنسان أسرى حدود جغرافية يطحنهم الفقر والبطالة، تعاقب عليهم عشر سنوات حصار، وعدوان تكرر ثلاث مرات في أقل من ست سنوات، ما زالت آثاره ماثلة للعيان، دون أن يسارع المجتمع الدولي الذي تعهد بمليارات الدولارات لإعمار غزة بالإيفاء بواجباته، فيما تقطع المسافات الطويلة لـ«معاينة وإنقاذ الحيوانات التي أنهكها الحصار» كما عنونت أحد المواقع الفلسطينية، تضج مواقع التواصل الاجتماعي بشكل شبه يومي بمناشدة من شاب في مقتبل العمر أو فتاة على شفا الموت تطلب حقها في العلاج بالخارج، تمنعها الحدود وتقف المادة عائقا، وغالبا ما يلفظون أنفاسهم الأخيرة قبل أن تلبى أو يفكر أحد بالاستجابة لهم.

وفى المشهد عجوز طاعنة في السن تقاتل وتجاهد لتسجيل ابنتها لتلتحق بزوجها في الخارج. وطالب اجتهد في الحصول على منحة دراسية انتظر عاما كاملا الخروج من غزة والالتحاق بجامعته إلا أنه لم ينجح، فاضطر ليتقدم للمنحة مرة أخرى وحصل عليها ولم ينجح بالحصول على إذن السفر، وتقدم في العام الثالث وتكرر الأمر نفسه، ثلاث سنوات لا هو حسم أمر البقاء في غزة ولا هو خرج ليطارد حلمه في إكمال دراسته الجامعية.

وصل خبر الحيوانات التي أنهكها الحصار لمنظمات حقوق الحيوان والوفود الطبية والحكومات التي سهلت مرور الحيوانات من حاجز أيريز مرورا بمطار الملكة علياء وصولا لجنوب إفريقيا، ولم يصلهم صوت ٢ مليون إنسان يعتمد أكثر من ٨٠٪ منهم على المساعدات، لم يصلهم صوت مرضى السرطان الذين تقتلهم قلة الإمكانات وعدم المقدرة على الخروج المنتظم من قطاع غزة للعلاج، لم يصلهم صوت مرضى الكلى وهم ينتظرون طوابير على آلات غسيل الكلى نتيجة عدم وجود أجهزة كافية في المستشفيات، لم يصلهم صوت الفقراء المتكدسين فيما يشبه البيوت التي لا تصلح للسكن الآدمي وعرضة لأشكال شتى من المخاطر، لم يصلهم صوت ساكني الكرافانات من المهدمة بيوتهم وقد تعاقب عليهم حرارة الصيف وبرد الشتاء ونال منهم دون أن يفكر أحد في الإسراع من عملية الإعمار أو تغيير آليتها.

إن كفر سكان قطاع غزة بالمجتمع الدولي ويأس شبابه خاصة له عواقب وخيمة، وانفجار قطاع غزة ليس في مصلحة أحد، ولطالما كان التضييق وغياب العدالة وعدم نيل الحقوق مقدمة للميل نحو التطرف والإرهاب.

لقد قامت مصر خلال الفترة الأخيرة بتسهيلات عبر معبر رفح، أسهمت في التخفيف من حالة الاحتقان في قطاع غزة فيما يتعلق بتنقل الحالات الإنسانية والطلبة والإقامات، إلا أن الخطوة التي تم تقديرها من الفصائل الفلسطينية، تحتاج إلى قفزة باتجاه مزيد من التسهيلات، وصولا لانتظام الحركة عبر معبر رفح وفق ما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتكفله المواثيق الدولية. وعلينا كفلسطينيين ومصريين أن نعيد الترابط الشعبي من خلال إجراء مصالحة شعبية بين الطرفين، وقبل هذا وذاك طى صفحة الخلاف بين غزة ومصر وعودة العلاقة لسابق عهدها، فمصر تستطيع بجهودها رفع الحصار عن غزة، وتستطيع تفعيل عملية إعادة الإعمار، وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية.

هنا النص ليس لى، ولكنه يمثل جوهر رسالة تلقيتها في بريدي الإلكتروني من الناشط الفلسطيني المقيم بغزة المهندس محمد يونس حسنة، وقد رشحته لكي يحتل مكاني اليوم.