زياد الدريس

عادت مناقشات فكرة (الاتحاد الخليجي) إلى سخونتها من جديد، بعد أن أشعلها الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز في العام ٢٠١١، ثم خفتت لدواعٍ عديدة من داخل الفكرة ومن خارجها.

يظن البعض بأن التماثلات الإثنية والاجتماعية لسكان الخليج هي الكفيلة وحدها بإنجاز الاتحاد، فيما يظن آخرون على العكس تماماً أن التناقضات والفروقات بين شعب دولة خليجية وأخرى هو الذي يجعل فكرة قيام الاتحاد غير مستساغة.

يلتبس علينا الاعتقاد بأن التشابهات بين الشعوب هي الذريعة الوحيدة للاتحاد في ما بينها، ولن أضرب مثلاً بمفارقات دول الاتحاد الأوروبي، وهو المثال المكرور والمستهلك. ولكن بمجموعة دول (البريكس) التي لا يجمعها لا مشتركات تاريخية، ولا حتى جوار جغرافي، وعلى رغم ذلك تُعدّ الآن من أقوى التكتلات على الخريطة السياسية الدولية.

وإزاء جدل الهوية ونزعات الانفصال أو الاتحاد، فإن من الخطأ الظن بأن صراع الهوية المحتدم الآن إزاء فكرة الاتحاد هو حكر على المجتمع الخليجي، بل هو موجة عالمية تغشى الشرق والغرب. هذا الصراع الاجتماعي/ الإيديولوجي لم يوفّر حتى الدول الأوروبية المتقدمة، التي بدت خلال العقود الماضية أنها وصلت إلى استقرار اجتماعي هويّاتي لا يمكن لأي أيديولوجية أن تعبث به!

لن أسوق نماذج أوروبية متنوعة لهذا الصراع المفاجئ، لكن سأستغني عن ذلك كله بنموذج من الدولة التي بدت أكثر دول أوروبا تخلّصاً من صراع الأيديولوجيات بعد الثورة الفرنسية التي أكملت نقائص عصر النهضة الأوروبية. فرنسا هذه تدير حوارات واستفتاءات عديدة، خصوصاً منذ ثلاث سنوات حول (الهوية الفرنسية)، وذلك بعد تكالب مظاهر عدة مثل: التحاق فرنسيين بـ «داعش»، صعود شعبية زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبين، العودة للمز اليهود بعد أزمة 2008 المالية.

المطالبات الانفصالية في بلجيكا وإسبانيا وبريطانيا على أساس عرقي، هي مظهر أكيد من مظاهر صراع الهويات في دول مدنية «متحضرة»!

ما الذي يجري؟!

هناك في الحقيقة عودة عالمية إلى (الهويات الصغرى)، بعد أن جرّب العالم الطعم الواحد والمتشابه للعولمة خلال العقود الثلاثة الماضية.

من المفارقات أن يكون أحد أهم عوامل العودة الشعبية هذه (البدائية، كما يراها كثيرون) هو سبب تقني متطور وهو ثورة الاتصالات ووسائطها!

كما أن منظمة اليونسكو نفسها التي تعكس النَّفَس العالمي الثقافي باتت تولي اهتماماً أكثر بالثقافات الصغرى من خلال اتفاقيات حديثة للحفاظ على التراث الشفوي والاهتمام باللغات المحلية للشعوب الأصلية.

الحالة غير المستقرة لهويات العالم ستستمر سنوات مقبلة، نتاج حقبة ما بعد العولمة. قد تطول هذه الحقبة بسبب تأثيرات اقتصادية تتلبّس اللبوس الثقافي أو الديني أحياناً.

الهوية الخليجية ليست بمعزل عن هذه الريح الكونية، وستستمر في حالة عدم استقرار وتجاذبات دينية واجتماعية متنافرة أحياناً، لكن هذا لا يمنع ضرورة استمرار محاولات الوصول إلى توافق هويّاتي، وإن كان نسبياً وربما موقتاً أيضاً.

وعلى رغم تعاطفي مع قيام الاتحاد الخليجي، إلا أني أرى أن فكرة اتحاد الجزيرة العربية التي سبق أن كتبت عنها هنا تحت عنوان (مجلس تعاون الجزيرة العربية) أولى وأجدى.