وحيد عبد المجيد

علامة استفهام كبيرة أمام السؤال عن مستقبل العلاقات الأميركية الأوروبية. جدل واسع في كثير من الدول الأوروبية حول احتمالات التغير في هذه العلاقات للمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. قلق أقوى من أن يخفيه لجوء مسؤولين أوروبيين إلى الدبلوماسية وانتقاء كلماتهم بعناية، فقد فوجئ الأوروبيون بفوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية، رغم أن واجب صانعي السياسة الإعداد لمختلف الاحتمالات، وخصوصاً في دول تملك الكثير من أدوات استشراف المستقبل، ولذلك فما أن ظهرت نتيجة الانتخابات حتى بدؤوا في بحث ما ستكون عليه العلاقات مع الإدارة القادمة في ضوء المؤشرات المقلقة التي حملها خطاب ترامب الانتخابي بشأن قضايا كبرى بالنسبة إلى أوروبا مثل العلاقات الأمنية في ظل حديثه خلال حملته عن ضرورة أن يتحمل الأوروبيون تكلفة أكبر في الدفاع عن القارة لأن واشنطن توفر نحو 70% من هذه التكلفة. وقل مثل ذلك عن العلاقات التجارية في ظل النزعة الحمائية التي تبناها ترامب في خطابه الانتخابي، كما أن الأوروبيين معنيون بالكثير من القضايا العالمية التي تضمن خطاب ترامب مواقف تجاهها تختلف عن الاتجاهات الراهنة للسياسة الأميركية، مثل قضية الاحتباس الحراري والاتفاقات المتعلقة بالمناخ.

وبخلاف الحكومات والأحزاب التقليدية التي يعتريها القلق من بعض السياسات التي قد يتبناها ترامب، تبدو الأحزاب القومية المتطرفة في أوروبا أقوى من أي وقت مضي بعد أن أنعشتها نتيجة الانتخابات الأميركية، ومنحتها شعوراً بالثقة في قدرتها على أن تقود «القارة العجوز» في المرحلة القادمة، ودعمت لديها الأمل الذي خلقه نجاح أحدها في حملته لإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

فقد تجمدت الأحزاب التقليدية، وأخفقت في تجديد نفسها، فضعفت قدرتها على قراءة الواقع وما يحدث فيه من تحولات. وصار هذا الجمود أحد أهم العوامل المؤدية إلى صعود الأحزاب القومية المتطرفة، إلى جانب حالة الخوف التي أنتجها الإرهاب ودفعت شرائح اجتماعية عدة إلى التشكك في قيم أوروبية أساسية مثل الحرية وقبول الآخر والتسامح.

وفي الوقت الذي تنتظر أوروبا تبلور سياسة الإدارة الأميركية الجديدة بعد دخول ترامب البيت الأبيض، تتجه الأنظار إلى فرنسا التي تستعد لانتخاباتها الرئاسية القادمة في أبريل ومايو 2017. فقد اكتسبت هذه الانتخابات أهمية أكبر لأن فوز ترامب يدعم مركز ماري لوبن مرشحة حزب «الجبهة الوطنية»، الذي يُعد أقوى الأحزاب القومية المتطرفة في أوروبا. ولذلك اعتبرت «لوبن» نتيجة الانتخابات الأميركية «نصراً للجماهير على النخبة، وتطوراً يجعل في الإمكان تحقيق ما كان يُروج له في الماضي على أنه مستحيل»، كما بدأت على الفور اتصالات بين حزبها وفريق ترامب عن طريق «ماريون ماريشال» ابنة شقيقه زعيمة الحزب.

وأصبح متوقعاً أن تكون ماري لوبن رقماً صعباً في الانتخابات القادمة، وخصوصاً بعد أن نجحت في الحد من غلواء خطاب حزبها، فبدا أنه اختلف عما كان في عهد والدها جان – ماري، رغم أنها لم تغير شيئاً في مضمونه الذي يشبه خطاب ترامب في كثير من جوانبه. ومن أهم هذه الجوانب النزعة الحمائية التجارية والانغلاق الاقتصادي، وهذا هو أكثر ما يمكن أن يؤذي أوروبا إذا حققت لوبن بدورها «المفاجأة»، لأن نزعتها الحمائية تشمل السعي إلى إخراج فرنسا من الاتحاد الأوروبي عبر إجراء استفتاء كما حدث في بريطانيا.

كما تتفق لوبن وترامب في اتخاذ موقف حاد ضد المهاجرين، ولكن فيما تبدو لوبن أقل قسوة في موقفها تجاه المهاجرين غير الشرعيين حيث تقبل إمهال من لا يجدون عملاً منهم ثلاثة أشهر للحصول على وظيفة أو الرحيل، فهي تتخذ موقفاً أكثر حدة تجاه المهاجرين الذين صاروا مواطنين فرنسيين يحميهم الدستور ويمنحهم مواطنة كاملة، ويظهر ذلك في تعهدها بأن تكون الأولوية لـ«الفرنسيين الأصليين» في برامح الرعاية والخدمات الاجتماعية.

وربما يؤدي ازدياد حظوظ لوبن في الانتخابات الفرنسية إلى تفضيل فريق ترامب عدم الإفصاح عن كل اتجاهات سياسته تجاه أوروبا، واتباع منهج متدرج، انتظاراً لنتائج هذه الانتخابات.

وهكذا، فإذا كانت نتيجة الانتخابات الأميركية طرحت سؤالاً كبيراً عن مستقبل العلاقات مع أوروبا، فالأرجح أن نتيجة الانتخابات الفرنسية ستكون العنصر الأكثر أهمية في الإجابة عن هذا السؤال، وإذا كان فوز ترامب ينبئ بتغير في هذه العلاقات، فالأرجح أن مدى هذا التغير سيرتبط بنتيجة الانتخابات الفرنسية.