الياس الديري

أجل، معهم كل الحق الذين يتأفَّفون من المدلَّلين، وأصحاب الشروط، وطالبي عَسَل الملكة وحقائب العزّ ولبن العصفور، كما الذين يقولون لعشَّاق "السياديّة" إن مصلحة البلد وأهله هي الأهم.

والتعجيل في إنجاز التأليف هو المطلوب الذي ينادي به الجميع.


فتجربة الفراغ المرَّة والصعبة ذاقها اللبنانيون مرّتين في حقبة واحدة. وكان مردودها تفريغ البلد من آلاف الشبان ومئات العائلات، في اتجاه الهجرة البعيدة الدائمة، لا القريبة الموقتة. ثم تفريغ مواسم السياحة والاصطياف. وتفريغ الأسواق التجارية من روادها. وتفريغ مصادر الانتاج والتصنيع، حتى بدت بيروت أحياناً كأنها مهجورة...
مع بداية عهد جديد، ورئيس جديد، ورغبة جديدة، ووعود بالكثير من الجديد والتجديد على كل الصعد وفي كل المؤسسات والمجالات، تقضي المصلحة العامة، والمصلحة العليا، ومصلحة الناس أن يعجّل الرئيس سعد الحريري في عمليَّة التأليف، بالتفاهم والاتفاق مع الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه بري، بمصارحة جماعيَّة بواقع الحال، وحالات الزمان على لبنان، وحال العالم العربي من حول الوطن الصغير... ومصارحة "عشّاق الحقائب" بأنهم فلقونا بلطفهم و"تضحياتهم"، وأنانيّاتهم.


فالوقت ليس وقت دلال، وغنائم، وحصص. فليراعوا شعور الرئيس الجديد الذي لم يتمكّن بعد من التحرّك في اتجاه ما تحتاج اليه الدولة والمؤسَّسات من إصلاح وتغيير وتجديد على كل الصعد. فالحكومة لا تزال رهينة مطالب فلان وشروط علاّن...
لبنانيو الاغتراب، كما لبنانيو الهجرة الموقّتة في بعض دول الخليج، ينتظرون خروج البلد من عقدة تأليف الحكومة والشروط العرقوبية، ليحزموا الحقائب حالاً وسريعاً. ومثلهم كثيرون من الأشقاء المحبّين الذين هبّوا هبة واحدة فرحاً بانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، مؤكِّدين للرئيس عون استعدادهم لتلبية كل ما يطلبه لبنان، رغبة منهم في عودة هذا البلد الى ما كان عليه، وما كانوا يقصدونه صيفاً وشتاءً.


ظنَّ اللبنانيون بعد احتفالات عيد الاستقلال ان حكومة العهد الأولى ستكون جاهزة ومنصرفة الى مسؤولياتها خلال أيام قليلة، إن لم يكن خلال ساعات. ولم يخطر في بال أحد أن الأنانيين المعروفين بسوابقهم سيخرجون الى الساحة ليضعوا ما تيسّر من العصي في دواليب الحكومة.


وها هم اليوم يواجهون وضعاً معقّداً، يحاصر عملية التأليف من هذا الصوب ومن ذاك، ومن هذا العاشق للحقائب "المميزة" الى ذاك. من دون أي اهتمام بالنتائج السيئة التي تلحق بالبلد من جرّاء هذه الكباشات والمبارزات "السياديّة".
من هنا كان الكلام أمس موجّهاً الى الرؤساء الثلاثة، والإلحاح عليهم بتجاوز الشروط وأصحابها، والإقدام على ما يخدم مصلحة البلد ويستجيب لمطالب الناس وتوقعاتهم.
تسألينَ عن سقمي؟ صحتي هي العجب!...