وليد أبي مرشد

 وكأن فلسطين وجدت لتُلقى تبعات الآخرين عليها.
لا تمطر غيمة دون أن يطالها منها رذاذ.
عام 1917 ناءت المملكة المتحدة بحمل أعباء الحرب العالمية الأولى فتوسلت دعم القادرين ماديًا فكان آنذاك - في صدفة خير من ألف ميعاد - زعيم الجالية اليهودية البريطانية، البارون وولتر روتشايلد، الذي سارع إلى مدها بالدعم المادي المطلوب لقاء ثمن سياسي دفعته فلسطين.. أي وعد بلفور الشهير.
عام 1948، وبعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، ارتأى المنتصرون (الحلفاء) تعويض مواطنيها اليهود عن اضطهاد نظامها النازي لهم بمنحهم «وطنًا قوميًا» في فلسطين - فيما عرف بـ«هبة من لا يملك لمن لا يستحق».
حتى «صديق» القضية العربية، أي الاتحاد السوفياتي، لم يجد في سبعينات القرن الماضي وسيلة لاسترضاء الغرب وخفض التوتر المتصاعد مع الولايات المتحدة سوى حل على حساب فلسطين.. فأدلى بدلوه في تهويدها باتخاذه قرارًا برفع «كوتا» الهجرة اليهودية إلى إسرائيل. (توثق إحصاءات إسرائيلية عدد المهاجرين اليهود من الاتحاد السوفياتي إلى «أرض الميعاد» بـ40 ألفًا بين عامي 1960 و1970، ليرتفع إلى 250 ألفًا في العقد التالي).
.. اللائحة تطول لمن يود متابعتها. ولكن أغرب ما فيها أن تسعى إسرائيل إلى تحويل انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة إلى ضربة المعول القاضية على هوية فلسطين وكيانها.
منذ أن فاز ترامب بالرئاسة الأميركية واليمين الشوفيني الإسرائيلي حائر في كيفية ترجمة فوزه إلى ورقة نعوة لمشروع الدولتين، الفلسطينية والإسرائيلية.
فوز ترامب - صديق إسرائيل الصدوق حسب وصف بنيامين نتنياهو - شجع اليمين الإسرائيلي على الدعوة، جهارًا، إلى طي حل الدولتين - الأميركي أصلاً - والذي يعتبر المكسب «اللفظي» الوحيد للقضية الفلسطينية منذ عام 1967. أما الحافز الذي توسله اليمين الإسرائيلي للمطالبة بالتخلي، نهائيًا، عن حل الدولتين فقد كان تصريحًا أعطاه لإذاعة الجيش الإسرائيلي، جيسون غرينبلاط، أحد مستشاري ترامب في حملته الانتخابية قال فيه إن ترامب لا يعتبر المستوطنات الإسرائيلية (في الأراضي الفلسطينية المحتلة) عائقًا في وجه التسوية السلمية.
رياح اليمين الأميركي الجمهوري حركت سفن الشوفينية الإسرائيلية فدعا الكثير من «الليكوديين» وقادة الأحزاب اليمينية الأخرى إلى تجاوز حل الدولتين نهائيًا والتأسيس لدولة يهودية واحدة على أرض فلسطين. وكان أصرحهم وزير التربية في حكومة نتنياهو، نفتاح بينيت، الذي بشر، في لقاء في القدس مع اتحاد الصحافيين الأجانب، أن «عصر الدولة الفلسطينية انقضى. وفي عرضه لدوافع استنتاجه لخص الوزير الإسرائيلي الظروف المواتية للقضاء نهائيًا على مشروع الدولتين فور فوز ترامب، مع تنامي الهواجس الأوروبية من أحداث الشرق الأوسط وحالة التشرذم العربية مما يتيح لإسرائيل فرصة (إعادة ترتيب كل شيء والتفكير في كل شيء)».
لا جديد في ترقب اليمين الإسرائيلي الفرصة السانحة لتحقيق يهودية دولة إسرائيل. ولكن توقع تطابق سياسة ترامب «الرئيس» مع أقوال ترامب «المرشح» مبالغ فيه داخل إسرائيل وخارجها أيضًا، خصوصًا إذا صدر عن قادة تيارات حزبية تأمل في تحويل أمانيها الآيديولوجية إلى واقع سياسي.
بعيدًا عن الادعاء بأن موقف دونالد ترامب من التسوية السياسية في فلسطين قد تكون أفضل من موقف سلفه باراك أوباما، يصعب الافتراض بأن هذا الموقف سيكون مستقلاً تمامًا عن نظرة «المؤسسة» الأميركية إلى مصالحها في الشرق الأوسط. ومما يعزز هذا التوقع أن حملة ترامب الانتخابية أنها لم تخلُ من رسائل متناقضة على أكثر من صعيد. ورغم أن حملته الانتخابية كشفت عن أولوياته الداخلية واهتماماته الخارجية، يبدو من المستبعد أن تكون التسوية الفلسطينية في مقدمتها.
أما طاقة إسرائيل على التفرد بحل أحادي للقضية الفلسطينية فيكفي تقييمه بالاستشهاد بملاحظة جلعاد شير، المندوب الإسرائيلي السابق إلى مفاوضات السلام في عهدي إيهود باراك وإسحق رابين كما نقلتها عنه صحيفة «نيويورك تايمز» (عدد 25 - 11 - 2016). جلعاد شير لاحظ، بصفته «شاهدًا من أهله»، أنه «رغم أن معظم حكومات إسرائيل خلال العقود الأربعة المنصرمة كانت حكومات يمينية، لم تقدم أي منها على ضم إنش مربع واحد من أرض الضفة الغربية إلى إسرائيل».