نادية الشهراني

سمعنا خطبة عرجاء يتهم فيها أحد المتمسحين بالمنابر كل من له أخت أو بنت في المجال الطبي بأشنع التهم وأبشعها في بقعة طاهرة بكى فيها رسول الله وأصحابه خشوعا.. هناك عدة ملاحظات على هذه الخطبة منها ما يتعلق بالمحتوى والأسلوب والتوقيت. 
وجّه الأخ سهامه كالمعتاد على النساء! ومن غير المرأة يتحمل النصال على النصال؟ فهي المتهمة في حال أخطأ الرجل وفقد صوابه بفتنتها له! فالطبيبة أو الصيدلانية والممرضة من وجهة نظر هذا الشخص لم تلتحق بمهنة الطب أو الصيدلة إلا للاختلاط! لا توجد أي أهمية لأحلامها أو طموحاتها أو رغبتها في المساهمة في المجتمع! تصور خاطئ للمرأة ودورها وتأطير للفكر لا يلام عليه هذا الأخ فقط، بل يمتد اللوم لكل من أسهم في تشكيل وعيه ووعي المجتمع تجاه المرأة بهذا الشكل، هذا الشخص لم ينزل علينا من الفضاء الخارجي وبين ظهرانينا من يعتقد أن كلامه صحيح! لنعترف أولا بالخلل، فالاعتراف بالمشكلة دائما بوابة الحل. 
من المعروف أن عقل الإنسان يتحكم في أفكاره، وألفاظه تعكس هذه الأفكار وتظهرها في فلتات لسانه. فالإنسان لا يتكلم عادة إلا فيما يشغل تفكيره وهو يرى البشر من مرآته الذاتية التي تعكس صفاته أولا، فهل كشفت لنا عبارات هذا الأخ ما يخفيه في صدره من رغبات دفينة وصورة مشوهة لأبناء وبنات مجتمعه؟ من المخيف حقيقة أن يتاح المنبر لمن يحمل أفكارا معتلة ويبثها بلا خجل ولا تورية في مسجد يضم مئات المصلين من شيوخ وشباب وأطفال، والذين لا يُعرَف حال أغلبهم، فلعلّ بينهم شابا متهورا يوافق على هذا الغثاء فيعود لأهله وقد عقد العزم على حرمان أخته أو زوجته من التعليم ولو بالقوة، غيرةً وحميةً كما يظن، ويتبع ذلك ما يتبعه من مشاكل أسرية قد تفضي لقطيعة رحم بسبب خطاب غير مسؤول من شخص متعالم!
أو قد يخالف أحدهم رأي المتحدث بتهور ويرد بأسلوب (دق الخشوم) فيحدث ما لا تحمد عقباه في بيت من بيوت الله من مواجهات بعد إيغار الصدور، فالإمام نظريا يسكن في الحي ويلتقي بجماعة المسجد خمس مرات في اليوم، وحديثه في كل خطبة ليس عابرا، بل ينمو في عقول جماعة المسجد وقلوبهم، وبينهم بكل تأكيد من لا يرضى ببذاءة الطرح وقلة التهذيب في بيت من بيوت الله. إن من قيم هذا الدين الأمر بالتطهر وأخذ الزينة عند كل صلاة، كما جاء في القرآن الكريم، والزينة ليست في المظهر فقط، بل هي في العقل واللسان أولى.
لا أشك أن بين الحضور من يرفض هذا الطرح، فلماذا لم يقاطع أحدهم الخطبة؟ لقد كان المأزوم يتحدث للعامة ويؤجج مشاعرهم بصفته أحدهم ومنهم وفيهم، وقد سبقه بذلك فرعون فقال (لا أريكم إلا ما أرى). إن استخدام (نا الفاعلين) في الخطاب -أيا كان- يقيِّد السامع فإن أعلن رفضه لما يسمع وهو في جماعة ستثور عليه، وقد يعاني النبذ والإقصاء، ولذلك فالسلامة في السكوت! 
أما عن التوقيت، فلطالما استخدمت عبارة (الوقت غير مناسب لهذا الأمر) مخرجا من الأزمات، لكنها والله هنا وافقت المعنى! ففي الوقت الذي يدعو كل مسلم ومؤمن من قلبه ألا يؤتى هذا الدين من قبله، وألا يجعله الله فتنة للذين كفروا، وأن يعلي الله شأن هذا الدين ويحفظه ويظهره على الدين كله؛ يخرج علينا هذا المتعالم ليستفز المجتمع ويتهم البشر في أعراضهم، وهي أغلى ما يملكه الأسوياء! ناسيا أن العالم قرية صغيرة وأن ما يقوله في قرية من قرى السعودية سينتقل للعالم في لمح البصر، وستطير به الركبان وسيترجمه المتطوعون ممن لا يريدون خيرا لهذا البلد وأهله، فيستخدمون حديثه الأرعن للاستدلال على حال المجتمع! الوقت يا هذا غير مناسب لحديثك، ولن يكون مناسبا أبدا له، لأنه ببساطة يخالف تفكير الأسوياء. 
على المسؤولين في وزارة الشؤون الإسلامية أولا الاعتذار لمجتمع الأطباء والطبيبات وذويهم عن هذه الإساءة، وعليهم مسؤولية محاسبة أمثال هذا الخطيب والرد عليه وكف أذاه، فالمجتمع لا يجب أن يتحمل تبعات انتقال أحدهم من خانة المنحرفين لصف المهتدين دون أن تتغير أفكاره. نعم نفرح لكل إنسان بالهداية، لكن لا تمنحوا المنبر إلا لمن يستحقه. ولهذا وأمثاله ونفسي أولا أقول ما قاله عليه الصلاة والسلام: (وهل يكبّ الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم)؟.