جهاد الخازن

أشرت غير مرة الى كتـّاب افتتاحية جرائد أميركية كبرى مثل «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست»، واتهمت بعضهم (بعضهم لا كلهم) بأنهم ليكوديون يريدون خراب الدول العربية لتبقى إسرائيل في أرض فلسطين التاريخية على أساس خرافات لا آثار إطلاقاً في بلادنا لوجودها قديماً.

أعود الى الموضوع اليوم بعد أن عدت من سفر وقرأت افتتاحية في «واشنطن بوست» تقول إن الرئيس عبدالفتاح السيسي قام بانقلاب على حكومة منتخبَة شرعياً، أي حكومة «الإخوان المسلمين». ما لا يقول كتـّاب الافتتاحية إن تظاهرات مليونية قامت ضد حكم الرئيس حسني مبارك فاستقال، وإن تظاهرات مليونية أكبر حجماً قامت ضد حكم «الإخوان» في سنة واحدة وتدخل الجيش لإنقاذ البلد من حرب أهلية.

ما لا يقول الليكوديون في الجرائد الأميركية أيضاً هو إن عدد سكان مصر يقترب الآن من مئة مليون نسمة، في بلد لا يكاد يُطعِم عشرة ملايين. أنا أذهب الى مصر من لندن، وأصل على متن الطائرة البريطانية نحو الساعة الحادية عشرة ليلاً. الدلتا، وهي أخصب أرض في العالم، كلها مضاءة ببيوت السكن، والنيل على جانبيه زراعة بعرض ميل واحد، وهناك واحات صغيرة، والبقية صحراء، والأرض لا تكاد تطعم عشرة ملايين. لو حكم مصر اينشتاين العصر لفشِل في توفير مقومات عيش كريم لأهلها، فالمطلوب الآن هو رفع مستوى التعليم وبناء مشاريع كبرى زراعية وصناعية، وتعاون مع الدول العربية والأجنبية والمنظمات الدولية للنهوض بمصر وأهلها.

العلاقات مع الدول العربية القادرة متينة جداً، ومع أن المملكة العربية السعودية أوقفت تصدير منتجات النفط الى مصر، فإن أساس العلاقة لم يتزعزع حتى في فترة قطع العلاقات مع مصر بعد اتفاقات كامب ديفيد، وصندوق النقد الدولي قدَّم لمصر قرضاً بمبلغ 12 بليون دولار ليس لأن السيسي وسيم، بل لأن حكومته أجرت إصلاحات اقتصادية أيّدها الصندوق.

الافتتاحية الليكودية في جريدة باعها يهود أميركيون ليهود أميركيين تهاجم وزير الخارجية الأميركية جون كيري لأنه قال «إن قادة مصر يتخذون قرارات صعبة لتسير البلاد نحو الرخاء». هم يعرفون عن مصر أكثر مما يعرف وزير وراءه أجهزة اقتصاد وإستخبارات ترصد البلدان الأخرى وتوفر له معلومات صحيحة لا «إسرائيلية الهوى»، تناسب كلاب الحرب من ليكود.

أعرف مصر من الرئيس السيسي (وحسني مبارك قبله) حتى سائق السيارة التي تستقبلني في المطار والسعاة في مكاتب «الحياة». كذلك أعرف دول الخليج العربي معرفة مباشرة، وما سمعت من قادة الكويت والإمارات العربية المتحدة وكل بلد هناك هو الإصرار على مساعدة مصر لتنهض من جديد وتستعيد دورها القيادي ضمن المجموعة العربية. مضى زمن أرسلت فيه مصر معلمين واقتصاديين لمساعدة الدول العربية الحديثة الاستقلال، وهذه الدول تساعد الآن مصر رغم أنف كل ليكودي يكتب في جريدة أميركية.

قبل بضعة أيام فقط، كتبت نقلاً عن الأخت فايزة أبو النجا، مستشارة رئيس الجمهورية للأمن القومي، عن محافظة الوادي الجديد وعن مشاريع اقتصادية جديدة في طول مصر وعرضها. الكويت تقدم الى مصر مساعدات من كل نوع، بما فيها منتجات بترولية، والشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، زار مصر معلناً تأييد بلاده الكامل لها.

ثم تأتي جريدة لا تذكر جرائم إسرائيل وإرهابها ضد الفلسطينيين وقتلها مئات الأطفال لتتحدث عن آية حجازي التي تصفها بأنها أميركية. هي مصرية متجنسة بالجنسية الأميركية، وهي تدافع عن أطفال الشوارع وأنا أؤيد مثل هذا العمل. إلا أن مصر مئة مليون إنسان وليست مواطنة واحدة تحمل جنسيتَيْن، وواجب الحكومة المصرية أن تعمل للمصلحة العامة.
أكمل غداً.