عبدالله الناصر

أجزم أن أكبر كذبة وأكبر خدعة عرفها الإنسان في عصرنا الحديث هي كذبة حقوق الإنسان..!!

من المؤكد أن البعض سوف يغضب، وربما انتفخت أوداجه وضاق صدره وربما كشر عن أنيابه متكبراً، ومستنكراً ومستهجناً هذا القول... ولكن هذا ليس مهماً، ولن يغير من حقيقة الأمر شيئاً إذ إن هناك طائفة من الناس تزعم أنها تستند إلى العقل والحق فإذا غُمزت من هذا الجانب سلخت العقل واستجابت لنزعة، وثورة العاطفة الشاذة، وهذا ابتلاء تصاب به بعض النفوس المأزومة إما بمرض الكراهية أو بمرض الخنوع الذي ينظر صاحبه أو المُصاب به إلى معشوقه والمفتون به كالغرب على أنه إله الخير والرحمة والعدل..!!

ولكن دعونا نتحدث عن الموضوع بحيادية تامة، وبعيداً عن التشنج والعصبية.. فأقول لو أن عُشر ما ينفق على مصانع الأسلحة في العالم أنفق لسد حاجيات الإنسان الغذائية لما ظل على وجه الأرض جائع واحد، ولو أن عُشر ما ينفق على مصانع الأسلحة أنفق على صحة الإنسان لما بقي مريض واحد بلا علاج، أو أنفق هذا العُشر على التعليم لما بقي على وجه الأرض أمّي واحد.. ولكنها النزعة الشريرة التي تعمل على إهلاك الإنسان.. إذ يقال إن في الكون اليوم أكثر من عشرة آلاف قنبلة ذرية، وعشرين ألف رأس نووي، وهذه كلها ما صنعت لمحاربة العفاريت أو شياطين الجن، وإنما لبني الإنسان..! تخيلوا كم في البحار من الأساطيل الحربية، وحاملات الطائرات، والزوارق، وكم من الغواصات الذرية التي تعوم في باطن البحر ليل نهار..! تخيلوا كم في الأرض من قاعدة عسكرية، ومن مطار جوي، كم بها من مئات الآلاف من الطائرات الحربية، ومن ملايين المقذوفات والصواريخ وقنابل الغاز السامة المحرقة.. تخيلوا كم في الأرض من بلايين البنادق والأسلحة الرشاشة، تخيلوا كم في مخازن الأرض من مليارات الرصاص، تخيلوا هذا كله واسألوا لمن صُنعت؟ طبعاً هذه لم تصنع للاحتفالات، والأعياد، ومهرجانات الحب والسلام وإنما صُنعت لقتل الإنسان.. وتخيلوا كم في السماء من الأقمار الصناعية المرتبطة بالأجهزة الاستخبارية، التي تتنصت على الإنسان حتى تكاد تحسب أنفاسه ودقات قلبه..؟! بل تخيلوا كم على وجه الأرض من ملايين العساكر الذين دربوا ووضعت لهم معاهد وجامعات عسكرية ليتخرجوا بامتياز من أجل قتل ومحاربة الإنسان.

ثم انظروا كيف يحارب الإنسان أخاه الإنسان اقتصادياً.. شركات ومؤسسات جبارة تطحن عظام الفرد البشري، وتنهب قوت الأطفال من أفواههم.. انظروا كيف يحارب الإنسان أخاه الإنسان من خلال البيئة حيث انتشرت سحب ودخان وسموم المصانع في سماء الدنيا مختلطة بسحب الأمطار التي تهطل على الأرض ملوثة بالسموم والأملاح والكبريت والأشعة النووية فلا تنبت الأرض إلا نباتاً ممزوجاً بالسموم والكيمياء، فانتشرت الأمراض الفتاكة والأوبئة التي لم يعرفها الإنسان من قبل.. بل انظروا كيف يحارب الإنسان أخاه الإنسان من خلال السلوك البشري وما أحدثه من قيم الرذيلة والانحراف الأخلاقي لفطرة الإنسان السوية فالزواج المثلي علاوة على كونه سلوكاً أحط من السلوك البهيمي إلا أنه مضرّ وقاتل للنسل الإنساني، فوق أنه قاتل ومهين لكرامة المرأة وطبيعتها كأم وحاضنة وحافظة للوجود البشري..!!

ولو صرفنا النظرة عن هذا كله وتساءلنا هل الإنسان متساوٍ في حقوقه والنظرة إليه كما يزعم الغرب؟

الواقع أن هذا افتراء، وكذب وتضليل بل وبهتان، إذ ليس من العدل ولا من المنطق أن يدعي مدعٍ بأن الطفل في الملاوي أو في أفغانستان، والعراق وفلسطين وسورية والصومال يتمتع بالمزايا والحقوق الإنسانية التي يتمتع بها الطفل في واشنطن أو لندن أو باريس، أو جنيف، ومن يزعم أن منظمات حقوق الإنسان تتعامل مع الجميع على قدر واحد من المساواة فهو كاذب ومفترٍ أثيم، ومناقض للواقع الأخلاقي والإنساني إذ كيف يكون هذا والعالم الغربي نفسه قد قسم الإنسانية إلى ثلاث فئات أو طبقات.. طبقة الصفوة أو النخبة الإنسانية المثالية الراقية والمتمثلة في الغرب.. والطبقة الوسطى، ثم الطبقات المنحطة أو ما يسمى بالعالم الثالث..!!

بل كيف يكون هذا وأحد فلاسفة الغرب المشهورين يقول: إن الإنسان الأبيض نصف إله والإنسان الملون نصف إنسان..؟! لذا فإنه من السخف والاحتقار الإنساني بل من البَلَه أن يتشدق متشدق بامتداح أو التعويل على منظمات حقوق الإنسان، والتي في الغالب ليست إلا أداة في منظومة الألاعيب السياسية البعيدة كل البعد عن الحب والخير والعدل والسلام الانساني الراقي الرفيع...!