محمد الرميحي

في غضون الأسبوع الحالي سوف تُعقد في المنامة عاصمة البحرين، القمة رقم 37 لدول مجلس التعاون الخليجي، وهو المجلس الذي أُنشِئ في عام 1981 جزئيًا بسبب حرب شعواء في الجوار. عام 2016 ليس هناك حرب واحدة فقط، بل عدد من الحروب، بعضها مجاور، وبعضها ملاصق لدول مجلس التعاون، في اليمن وفي العراق وفي سوريا. كما أن خرائط التوجُّهات الاستراتيجية يُعاد رسمها في العواصم الكبرى والمتوسطة من العالم، البعيدة والقريبة، وبعضها خرائط لمنطقتنا تُرسَم في غيابنا. تحكم النقاشَ بين المهتمين حول تطوير مجلس التعاون نظريتان؛ الأولى تقول إن المجلس يسير حثيثًا في التعاون المشترك نحو الوحدة، وقد حقق الكثير من الإنجازات على صُعد كثيرة، فدعونا نعمل على تعميق تلك الإنجازات حتى تصل إلى خواتيمها الطبيعية! ويضرب هؤلاء بعدد من المؤشرات على صحة توجههم، فيشيرون إلى التعاون في بعض القطاعات الاقتصادية والخدمية، على سبيل المثال لا الحصر (التجارة البينية) التي تضاعفت خمس عشرة مرة بين عامي 1984 و2014 بين دول المنظومة، أو صعود رقم ملكية الشركات المساهمة والعقار لأبناء مجلس التعاون في مجمل دول المجلس، صعودًا فلكيًا، من خمسة آلاف إلى نصف مليون، كما يشيرون إلى التعاون العسكري والأمني الجاد، وحتى الجانب الثقافي، وكثير منه في مراحل متقدمة، وهي إشارات محقة، ولكنها نظرية الأناة والخالية من المنظور الاستراتيجي الردعي المطلوب وتفتقد الإحساس بأهمية الزمن! أما النظرية الثانية، فتقول إن هذا التراكم الكمي في بعض القطاعات لا يفي بالغرض الاستراتيجي، ونحن في أزمنة التغيير المصيري، فالمرحلة الانتقالية التي يعيشها العالم، والمخاطر المحيطة بالإقليم التي يكاد لهيبها يُحس، والتحديات الضخمة من جهة والمنافع الكبرى من جهة ثانية، تحتم كلها على دول المجلس، التي تتماثل في كثير من العناصر، أن تخطو الخطوة الاستراتيجية المستحقة؛ إعلان النية للتوجه إلى اتحاد في غضون سنوات قليلة، محدد بوقت ودقيق في التنفيذ وغير قابل للتسويف على أقل تقدير. يدفع إلى ذلك الأمر قضيتان دوليتان لهما من الأهمية والثقل ما يؤثر على أمن دول الخليج وبقائها؛ أولاهما أن القطبية الواحدة تلفظ أنفاسها، أو هي في طريقها إلى التراجع على المستوى العالمي، وثانيتهما أن التحالف في القطبية الثانية البارزة (روسيا الاتحادية) يميل إلى الدولة الإيرانية وحلفائها في المنطقة، وهما (روسيا وإيران) تغادران اليابسة التي عرفت بهما تاريخيًا إلى مناطق السهل والبحر. آخر تصريح لجنرال إيراني قال إنهم بصدد الحصول على قاعدتين بحريتين في اليمن وفي سوريا! حضارة البحر التي تتوجه إليها القطبية الثانية وحلفاؤها، تعني تطويق الخليج من شماله إلى جنوبه، إذا أضفنا إلى ذلك ما بات يسمى بوجود الطابور السادس (تفريقًا عن الخامس الذي يمالئ العدو عن مصلحة مالية ويسبِّب إضرارًا بالوطن، والسادس يمالئ العدو دون قصد وبسبب آيديولوجي!) فإن التطويق يصبح حقيقيًا من الداخل والخارج. وسقوط دولة واحدة، مثل اليمن، في أيدي دولة الفقيه، وفي إطار ذلك التحالف البحري، يعني بدء قاعدة «الدومينو» التي تتداعى لها بقية المكونات بشكل تلقائي! إذا أضفنا إلى كل ذلك نتائج عمل فيروس التفكك في الجوار العراقي والسوري واليمني، نعرف أن بقاء دول الخليج اليوم معًا هو فعل بقاء لا فعل تمنيات وترف. فإمكانيات دول الخليج السكانية، ولا أقصد الموارد المالية، تلك الإمكانيات من حجم الأرض إلى عدد السكان، لا تفي كل منها على حدة باستتباب الأمن الخارجي، بل سوف تعرض منفردة على مرمى ممارسات القوى الأكبر في الإقليم المنفتحة شهيتها على التوسع الكبير المأمول. في الوحدة يتحول الخليج من منظومة دون إقليمية إلى منظومة إقليمية، تُجمع فيها الموارد وتنظم الأولويات وتقوى السواعد وتستطيع بعدها أن تقف على سوية قامات الدول الإقليمية المحيطة، دبلوماسيًا واقتصاديًا وأمنيًا. لقد بقينا في مرحلة عدم اليقين الجيوسياسي حتى تعلمنا أقسى الدروس وأشدها فتكًا على الأرض والإنسان. على رأس تلك الدروس الاحتلال العراقي للكويت، والتكلفة البشرية والمالية والنفسية الباهظة التي دفعت لدحره، كما نعاني اليوم من تدخل في الخاصرة اليمنية متواضع التكلفة على أعدائنا. والتاريخ لا يكرر نفسه؛ فهموم وأوجاع الدول الصغيرة في مرحلة التحول العظمى كبيرة بل ضخمة، تحتاج إلى قرارات على سويتها. نقطة التحول التاريخية في مواجهة التحدي في الخليج اليوم هي القول: نعم للوحدة، واضحة وقوية، ترسل الرسالة المستحقة لمن يريد أن يسمع، فالوقوف على باب التردد أو العجز عن فهم التحولات الكبرى الحاصلة بجوارنا وفي العالم فهمًا حقيقيًا، مغامرة لا قِبَل لنا بها، وشعوب المنطقة في انتظار تصرف الأقوياء القادرين على قراءة التحولات قراءة صحيحة، ومواجه استحقاقاتها. سيبقى كثيرون من أبناء دول الخليج ينظرون إلى استحقاق الوحدة على أنه التحدي الأكبر الذي يواجه الجميع في هذا المنعطف التاريخي، وكما فعل الأقوياء التاريخيون في أكثر من منعطف، عام 1971، والمرحوم زايد بن سلطان في دولة الإمارات التي أخرجت التردد إلى فعل القرار، وأصبح لنا في جنوب الخليج دولة واحدة، كما فعل المرحوم عبد العزيز بن عبد الرحمن قبل مائة عام من اليوم تقريبًا، فإن المطلوب هو قراءة ما فهمه السلف من ضرورة مواجهة هذا التحدي الكبير بتحدٍ مماثل. فكرة السير على قدر قُدرة الأضعف على المسير، قد تكون حكيمة في ملاعب الرياضة، أما في ملاعب السياسة، خصوصًا في أثناء التحول العالمي الكبير، قد تسبب تآكل الطابور حلقة بعد أخرى، حتى يلتفت مَن في الأمام فلا يجد خلفه أحدًا!


آخر الكلام:
هل من الضروري أن ننتظر حتى حدوث كارثة، لا سمح الله، حتى نضع مصالحنا موضع التنفيذ؟!