خيرالله خيرالله


هناك سباق مع الوقت في غير مكان من الشرق الاوسط وشبه الجزيرة العربية، خصوصا في العراق وسورية ولبنان... واليمن، الى حدّ كبير. بكلام أوضح، هناك سعي لفرض واقع على الأرض قبل تسلمّ الإدارة الاميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب مهمّاتها في العشرين من يناير المقبل.

لا يمكن ادراج إقرار تشريع «الحشد الشعبي» في العراق في ظلّ معركة الموصل التي تسبب بها أصلاً نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق، سوى في هذا السياق. من الآن فصاعدا، سيترتب على كلّ من يريد التعاطي مع العراق، ان يأخذ في الاعتبار ان هناك واقعاً مختلفا في البلد. لم يعد الجيش يمثل التركيبة العراقية المعقدة ويعكسها، أي مذاهب وقوميات ومناطق مختلفة. هذا على الرغم من كلّ ما قيل عن ان الضباط الكبار في الجيش العراقي كانوا ينتمون، في معظمهم، قبل الغزو الاميركي، الى مناطق معيّنة ومدن معروفة ومذهب معروف.

صار هناك ما هو اهمّ من الجيش. صار هناك ما يمكن وصفه بمظلّة للجيش. صار هناك «الحشد الشعبي»، تماما كما يوجد في ايران «الحرس الثوري» الذي يتحكّم بمفاصل السلطة وبجزء أساسي من الاقتصاد.

كما كان هناك استعجال لتشريع «الحشد الشعبي»، كان هناك أيضا استعجال للسيطرة على الموصل. لماذا كلّ هذا الصبر على «داعش» الذي احتلّ الموصل قبل عامين ونصف عام؟ هل آن أوان التخلّص من «داعش» بسبب قرب انتهاء ولاية باراك أوباما من جهة ولان «داعش» ادّى الهدف المطلوب منه من جهة أخرى؟

يبدو ان «داعش»، الذي باتت ايّامه معدودة في الموصل، اقرب الى تنظيم إرهابي انتهت صلاحيته. استُنفد الهدف من خلق «داعش». لم تعد هناك من فائدة تذكر للاستثمار في الجرائم التي ارتكبها. بات في الإمكان إخراجه من الموصل وتمكين «الحشد الشعبي» ارتكاب كلّ ما يريد ارتكابه باسم الدولة العراقية الجديدة التي تحكم من ايران بواسطة شخصيات جاءت الى السلطة على دبّابة أميركية! هل المطلوب في نهاية المطاف التخلّص من «داعش» ام استخدام «داعش» للتخلّص من الموصل، المدينة العراقية الكبيرة التي تميّزت بماضيها الغني وبالشخصيات التي خرجت منها وبتنوعها على كلّ صعيد؟

تسير التطورات بأسرع ما يتوقع وكأن فرصة تدمير حلب لن تتكرّر عندما لن يعود أوباما في البيت الابيض. لذلك نجد ذلك القصف الوحشي الروسي الذي يستهدف هذه المدينة السورية من التنوع الذي لا سابق له، ذلك ان التركيز الروسي على المدنيين وعلى المستشفيات والمدارس. واضح ان الهدف تهجير اكبر عدد من اهل المدينة وضواحيها. مطلوب صراحة الانتهاء من حلب، فيما العالم يتفرّج.

ما يحصل في حلب امر مريب. مريب الى درجة يصعب تصديق ان إدارة أوباما تخلت عن أي دور في العالم، وجلست تتفرّج على عملية روسية ـ إيرانية تستهدف إزالة مدينة من الوجود. هل يكفي ان تكون هذه المدينة سنّية ـ مسيحية حتّى يكون صمت على ما تتعرّض له؟

ليس مفهوما كيف يمكن لرئيس أميركي القبول بكلّ هذا الاستخفاف ببلده، الذي لا يزال الى اشعار آخر القوّة العظمى الوحيدة في العالم، وبفرض امر واقع على الإدارة الجديدة. يخشى ان يكون باراك أوباما مشاركا في الجريمة التي ترتكب في سورية وبخلق امر واقع جديد في هذا البلد الذي صار نصف شعبه مهجّرا. ليس طبيعيا ان تتخلّى الولايات المتحدة عن مسؤولياتها، علما ان كلّ التصرفات التي ميّزت الرئيس الاميركي الأسود اتسمت بالرضوخ لرغبات موسكو وطهران اكان ذلك في أوكرانيا او في العراق او في سورية. تحوّل الشعب السوري الى ضحية أخرى لسياسات رئيس أميركي اعتبر ان الإنجاز الاوّل، وربّما الوحيد لادارته، يتمثل في الاتفاق في شأن الاتفاق النووي مع ايران!

تنعكس الاحداث السورية على لبنان. لا يتعلّق الامر بوجود ما يزيد على مليون ونصف مليون لاجئ سوري في هذا البلد الصغير وما يشكلّه ذلك من أعباء عليه. هناك آثار سياسية تترتب على التدخل المباشر لـ«حزب الله» بصفة كونه لواءً في «الحرس الثوري» الايراني في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري. لم يكتف «حزب الله»، ومن خلفه ايران بفرض فراغ رئاسي طوال سنتين ونصف سنة. يريد الآن، بعد انتخاب رئيس للجمهورية ان يكرّس خرقا للدستور في مجال تشكيل الحكومة اللبنانية.

صار «حزب الله» يقرّر من هو رئيس الجمهورية في لبنان. صار «حزب الله» يقرّر من هم وزراء هذه الحكومة. لديه رغبة في ان يكون كلّ الوزراء الشيعة من حصّة الثنائي الذي يشكّله مع حركة «امل». يضع «فيتو» على تولي «القوات اللبنانية» حقائب معيّنة وكأن وزراء «القوات» ليسوا مواطنين لبنانيين يمتلكون الحقوق التي يمتلكها ايّ مواطن آخر وتترتب عليهم الواجبات نفسها التي تترتب على مواطن ينتمي الى «حزب الله ويحقّ لهم ان يكونوا في ايّ موقع يسمح لهم به الدستور الذي ساوى بين اللبنانيين.

هناك بكلّ بساطة رغبة في تكريس تغيير كبير في لبنان، ان على صعيد انتخاب رئيس الجمهورية او كيفية تشكيل الحكومة فيه. سيمهّد ذلك لمرحلة يطرح فيها جدّيا التخلص من اتفاق الطائف الذي كرّس المناصفة بين المسيحيين والمسلمين لمصلحة المثالثة بين المسيحيين والسنّة والشيعة.

يُعتبر هذا الغياب الاميركي عن كلّ احداث الشرق الاوسط فرصة لا تفوت لفرض امر واقع في لبنان وصولا الى يوم لا يعود فيه اللبناني يعرف بلده او قادرا على ان يتعرّف اليه.

من لبنان الى اليمن، هناك من يستغل حال الفراغ في الولايات المتحدة. ليس تشكيل الحوثيين (انصار الله) و»المؤتمر الشعبي العام«الذي يتزعمه الرئيس السابق علي عبدالله صالح حكومة تقف في مواجهة الحكومة»الشرعية«سوى دليل آخر على مدى الاستخفاف بطرح وزير الخارجية الاميركي جون كيري. عرض كيري أخيرا في اثناء وجوده في مسقط الخطوط العريضة لمشروع يستهدف إيجاد تسوية في اليمن. لعلّ اهم ما في طرحه تقليص صلاحيات الرئيس الموقت عبد ربّه منصور هادي الذي لا وزن شعبيا له في اليمن وتشكيل حكومة وحدة وطنية. بالنسبة الى علي عبدالله صالح و»انصار الله»، هناك مجال لخلق امر واقع في صنعاء في انتظار الإدارة الجديدة. لم يتردد الجانبان في التصعيد ما دام لا يوجد من يمنعهما من ذلك.

أمور كثيرة ستحصل من الآن الى ان يتسلّم ترامب مهماته. كيف سيتعامل الرئيس الجديد مع الذين يفرضون واقعا جديدا في العراق وسورية ولبنان واليمن؟ انّه سؤال نهاية 2016. لا شكّ انّه سؤال كبير تتطلب الإجابة عنه نمطا جديدا في التفكير الاميركي، بل ثورة على ما تركه أوباما من آثار مدمّرة أعطت انطباعا فحواه انّ اميركا خسرت الحرب الباردة ولم تربحها...