نوح فيلدمان

عندما زعم «لورانس ليسيج» أستاذ القانون في جامعة «هارفارد» أن أعضاء «المجمع الانتخابي» ينبغي أن يخالفوا وعودهم ويصوتوا لهيلاري كلينتون بدلاً من دونالد ترامب، اعتبرته يغرد خارج السرب، وإن كان مخطئاً. لكن عندما نشرت صحيفة «واشنطن بوست» في نهاية الأسبوع الماضي مقالة افتتاحية له يكرر فيها نفس الزعم، جعلني ذلك أفكر في أن بعض الناس ربما يأخذون كلامه على محمل الجد، وهو أمر من شأنه أن يمثل خطراً داهماً على الديمقراطية، ويسيء إلى الجمهورية الأميركية. لذا مع احترامي الكامل لمثل وقيم «ليسيج»، أوضح السبب في أن مخالفة كبار الناخبين لوعودهم كان من شأنها تقويض القيم الديمقراطية التي تمثل أساساً لنظام الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، ولن تحافظ عليها.

ودعوني أبدأ بتجربة ذهنية، ماذا لو كان ترامب هو من فاز بالتصويت الشعبي وخسر في المجمع الانتخابي؟ كيف كان سيرد «الديمقراطيون» إذا زعم أساتذة بارزون وشخصيات عامة أن على ناخبي كلينتون أن يخالفوا تعهداتهم وينتخبوا ترامب؟

بالطبع، كان «الديمقراطيون» سيعتبرونها محاولة انقلاب. وسيكونون محقين، فالتصويت في المجمع الانتخابي لطالما كان تكليفاً. والهدف منه ببساطة هو تنفيذ نتائج النظام الانتخابي الأميركي، برغم كل عيوبه.

ولم يحدث أبداً أن قرر الناخبون الذين خالفوا وعودهم، نتيجة الانتخابات الرئاسية، وذلك لسبب جيد، وهو أن فعل ذلك سيمثل تغييراً في قواعد اللعبة في اللحظات الأخيرة. وسيشوه ذلك النزاهة وحكم القانون. ومن شأنه أن يرسل رسالة مقلقة بشكل كبير مفادها أن نتائج الانتخابات لا تؤخذ بجدية باعتبارها نتيجة عملية محكمة قانونياً.

ويقدم «ليسيج» حجتين إحداهما دستورية والأخرى ديمقراطية لصالح العدول عن النظام، وكلتاهما غير مقنعة. فمن الناحية الدستورية، يكرر «ليسيج» الزعم الخاطئ القديم والتمييزي بشكل كبير، وهو أن «المجمع الانتخابي» كان المقصود منه أن يكون «صمام أمان» أو «مفتاحاً لفصل الدائرة» بحيث يسمح لكبار الناخبين بتجاهل نتائج التصويت العام. وينسب المؤلف هذه الفكرة إلى «ألكساندر هاميلتون».

وفي حين يستشهد «ليسيج» بالمقال الـ68 من «أوراق الفيدراليست» التي دعا فيها الآباء المؤسسون للولايات المتحدة إلى قبول الدستور الأميركي، فإن «ألكسندر هاميلتون» لم يذكر فيه أي شيء من هذا القبيل. وجوهر المقال هو أن «المجمع الانتخابي» أفضل من وجود كيان تشريعي قائم مسبقاً يمكن أن يحيد عن المسار بسبب مؤثرات خارجية. ووصف «هاميلتون» «المجمع الانتخابي» بأنه «تصرف مباشر من الشعب الأميركي»، لذا فهو ليس «صمام أمان»، وإنما «صنبور» يتحكم فيه الشعب!

ولو أنه كان من المقصود أن يتخذ «المجمع الانتخابي» قراراً من أي نوع، لمنح الدستور كبار الناخبين سلطة اختيار الرئيس في حال عدم حصول أي مرشح على أغلبية. لكنه لم يفعل. وبدلاً من ذلك، أناط «الدستور» بمجلس النواب التصرف في مثل هذه المواقف. ومثلما أشار «هاميلتون» إن «المجمع الانتخابي» يمثل «صفقة واحدة»: يتشكل ليصوت ثم يختفي من الوجود!

وينزع ذلك أيضاً عن حجة «ليسيج» النظرية الديمقراطية، والتي تعني أن «المجمع الانتخابي» يمنح بعض الصلاحيات غير المتناسبة لولايات صغيرة، لها ثلاثة أصوات بحد أدنى، وهو ما ينتهك مبدأ «صوت واحد لكل شخص»، وهذا حقيقي، لكن لا علاقة له بالحياد عن النظام، إذ إن هذا الهيكل وضعه الدستور، وثمة طريقة لتغيير ذلك، بالوسائل الديمقراطية، وليس بتصرف اعتباطي من خلال انخراط مجموعة من الناخبين غير المعروفين في تغيير ثوري.

والشيء الخطير في الدعوة إلى مخالفة كبار الناخبين لوعودهم ليس أنهم سينصتون لها، وإنما الرغبة في اقتراح كسر للأسس الدستورية في نظام ديمقراطي، فيما تبدو المرحلة الراهنة هي الأشد خطراً على هذه الأسس.

وثمة مشكلات تنطوي عليها قواعد اللعبة، وبالتأكيد أود لو أرى تعديلاً للدستور الأميركي يلغي «المجمع الانتخابي»، غير أن الحل ليس أن نكسر قواعد اللعبة. وقد كان من الممكن خوض الانتخابات بصورة مختلفة وفق قواعد مختلفة، لكن من المستحيل أن نتكهن بثقة بما كانت ستؤول إليه النتيجة.

وعندما يخسر شخص التصويت الشعبي، ويفوز في «المجمع الانتخابي»، فإن ذلك يمثل تحدياً حقيقياً للشرعية الديمقراطية في النظام الدستوري، لكنه ليس تحدياً للشرعية الدستورية للنتيجة الانتخابية.

وبالنسبة إليّ، سأدافع عن الدستور، والتقاليد الدستورية وحكم القانون، وأدعو زميلي النابغ الذي يسير عكس التيار إلى القيام بذلك.