الديبلوماسية على خط الدفع لتشكيل الحكومة هل يتم الاكتفاء بتخفيف الضغط المسيحي ؟

روزانا بومنصف

دخلت الديبلوماسية الغربية على خط المساعي الجارية لتشكيل الحكومة في ضوء ما بدأ يستشعره كثر من ان مخاض الحكومة قد يستهلك وقتا طويلا، تبعا لذرائع معلنة وأخرى غير معلنة، وقد تكون تضمر اهدافا معينة لكنها تعيد لبنان الى وضع خطر، باعتبار ان انتخاب رئيس الجمهورية خطوة جيدة لكنها تبقى ناقصة ما لم تستكمل بحكومة تتولى مواجهة المشكلات التي تعترض البلاد .

وسجلت مواقف الديبلوماسيين الأجانب الزوار او المبعوثين الدائمين في لبنان اصرارا لافتا على ضرورة التعجيل في تشكيل الحكومة العتيدة. فوزير الخارجية الالمانية الزائر فرانك فالتر - شتاينماير شدد على تأليف الحكومة بسرعة، وكذلك فعل السفير البريطاني هيوغو شورتر بعد لقائه الرئيس نبيه بري في عين التينة، ومثلهما ممثلة الامين العام للامم المتحدة سيغريد كاغ . فانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وفق مصادر معنية بدأت تبحث عن التفسيرات الفعلية غير الظاهرية لعرقلة تأليف الحكومة ولا ترى ان ذرائع الحقائب كافية لعرقلة عهد في انطلاقته، هو خطوة مهمة على طريق ملء الشغور في الموقع المسيحي الأول والوحيد في المنطقة على نحو يتوافق مع إرضاء الأفرقاء المسيحيين. وهذه الخطوة توجه رسالة مهمة على الصعيد السياسي تفيد بنزع هاجس اساسي عملت عليه بعض الدول المؤثرة، وذلك على قاعدة توجيه رسالة طمأنة للمسيحيين في لبنان والمنطقة إلى استمرار مواقعهم واحترامها وتثبيتها. وهذا الامر يخفف من ضغوط كان يمارسها الفاتيكان وفرنسا، والبعض يقول روسيا ايضا، من اجل إغلاق هذا الملف لما يعنيه من ابعاد في لبنان والمنطقة، خصوصا ان روسيا ومن منطلق تذرعها بتبني حماية الاقليات في سوريا تدفع بحماية المسيحيين ايضا في لبنان انطلاقا من ان الوجود المسيحي فيه معبر وله دلالات كبيرة وانعكاسات في دول المنطقة.


وثمة من يقول ان الافرقاء المسيحيين أفادوا من الثغرة التي تمثلت في الفراغ الرئاسي ومما لحق بالمسيحيين في المنطقة للدفع بموضوع استعادة حقوقهم التي كان النظام السوري بحكم وصايته على لبنان في تنفيذ اتفاق الطائف وفق تفسيره له قد ارسى قواعد ساهمت في اضعاف حضورهم في مؤسسات الدولة ولبنان ككل، وذلك فيما لا يرغب الشيعة ولا السُنة في لبنان اعطاء اي مؤشر يفهم منه اي استهداف يستكمل او يزيد على ما يحصل في المنطقة.


ولذلك لا يندرج الخلاف على الحكومة تحت عنوان يمس هذا الواقع، بل انه يرفع لواء المطالبة بحقائب وزارية بما فيها حقيبة لزعيم مسيحي، وإن كان الواقع الراهن يخفي نقزة كبيرة من التحالف العوني - القواتي وتداعياته. وينبغي الاقرار بان هذا الاندفاع المسيحي مقلق لأفرقاء آخرين كثر بصرف النظر عن حقهم في ذلك ام لا، في حال كان هذا الاندفاع سيواصل العزف على الوتيرة السابقة نفسها من اجل تحقيق المزيد من " استعادة" المواقع. والمرجح ان يؤدي هذا الوضع الى مشكلات اكبر مما حصل حتى اليوم، في وقت لفتت مراقبين كثر الإحاطة العربية كما الإيرانية لرئاسة الجمهورية على نحو يوجه رسائل ترحيبية وداعمة للموقع المسيحي الوحيد في المنطقة. والخشية المعبر عنها من الطموح المسيحي لعودة متوازنة الى الدولة تشكل احدى ذرائع العرقلة الحكومية في شكل اساسي، خصوصا في ظل اندفاع "القوات اللبنانية" الى الظهور في موقع رأس الحربة دفاعا عن رئاسة العماد ميشال عون، على ما لاحظ مراقبون كثر في مواقف نواب "القوات" وسياسييه، في حين ان كتلة الرئيس عون النيابية كما محيطه مبتعدان عن الانخراط في اي نقاش، حتى بعد الرسائل السياسية التي وُجهت الى رئيس الجمهورية.


تبعا لذلك، فان الخشية التي أثارها كثر لدى اعلان نية الرئيس سعد الحريري دعم ترشيح العماد عون، والمتعلقة باحتمال ان ينفذ الجزء المتعلق بانتخاب عون ويعلق الجزء المتعلق بتأليف الحريري الحكومة العتيدة الى اجل غير مسمى، بدأت تعود الى الواجهة بمعنى انهاء إقفال ملف الهاجس المسيحي وضغوطه الخارجية ولكن من دون انهاء موضوع الحكومة، بمعنى امكان حلحلة الوضع في لبنان على النحو الذي يخرجه من حال الاستنقاع . فالجزء المتعلق بالمساعدة او تسهيل تأليف الحكومة يقع على الرئيس عون تنفيذه مع حلفائه وتذليل العراقيل من أمامه، ما دامت هناك تسوية ساهمت في ايصاله الى الرئاسة . وما لم يحصل ذلك بسرعة فان شكوكا كبيرة ترسمها مصادر سياسية متعددة حول التعقيدات التي تعوق إنجاز تشكيل الحكومة واحتمال الاضطرار إلى الانتظار مجدداً لحلحلة في المنطقة من اجل ان يفرج عن الحكومة، أو طلب تنازلات كبيرة من رئيس الحكومة المكلف، والذي سبق ان رفع عنوانا لما اقدم عليه هو انقاذ البلاد ومنع الوصول الى الفراغ مع اقتراب موعد اجراء الانتخابات النيابية المقبلة. واستحقاق هذه الانتخابات بدأ يلح اقترابه بالنسبة الى البعثات الديبلوماسية التي تود ان ترى انتخابات في موعدها، علما ان ثمة مخاوف تطاول على نحو ملح الوضع الاقتصادي انطلاقا من ان انتخاب رئيس للجمهورية اعطى مؤشرا ايجابيا أنعش الوضع، لكنه سيبقى غير كاف من دون حكومة تباشر عملها بسرعة وتتولى تثبيت المناخ الايجابي، لئلا يبقى مناخا عابرا ومن دون ركائز تدعمه.