إياد أبو شقرا

على هامش المحنة السورية، ما زال لبنان في انتظار تشكيل أول حكومة في العهد الرئاسي الجديد.
لبنان، الذي كان حتى 2011، حسب تعريف حافظ الأسد، ثم بشار الأسد من بعده، «خاصرة سوريا الرخوة»، يبدو ظاهريًا في وضع أقل سوءًا من وضع «الشقيقة الكبرى».
إذ لا حرب تدميرية علنية في لبنان اليوم. ولا عملية تهجير مذهبي معلنة وممنهجة تجري بقوة السلاح وتحت رعاية دولية رسمية. وليس ثمة حاجة إلى تداعي الشرق والغرب من أجل رسم استراتيجيات لمكافحة جماعات متطرفة تتحرك على أرضه، خصوصا أن هذه الأرض تضبطها ميليشيا تحظى برضا إقليمي ودولي.. في أعقاب حصر الإرهاب بجهة واحدة بعينها، وتناسي الجهات الأخرى.
وهكذا، فوضع لبنان «ممتاز» مقارنة بوضع سوريا، إلا أن هذا لا يعني أن الأمور مشجعة، بدليل المراوحة في عملية تشكيل الحكومة العتيدة برئاسة الرئيس المكلف سعد الحريري.
عندما تبنى «حزب الله» ترشيح زعيم التيار الوطني الحر العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وعطّل البلاد سنتين ونيفا لضمان فرضه رئيسًا، انقسمت الآراء في تفسير التبني أولاً، والإصرار على تعطيل جلسات انتخاب في البرلمان ثانيًا، ثم التعامل مع عون رئيسا ثالثًا.
في الأساس، قبل التوصل إلى «ورقة التفاهم» بين الجانبين، ما كان «حزب الله» من مناصري عون، ولا كان عون من المؤمنين بـ«مقاومة» «حزب الله». بعدها، وعلى طريقة عفا الله عما مضى، وقّع الجانبان «ورقة التفاهم» في فبراير (شباط) 2006، وصارا «حليفين» حميمين في وجه تحالف هشّ هو «14 آذار». وكان هذا الأخير قد خلقته ظروف التصدي لما سُمي «دولة النظام الأمني السوري - اللبناني» إثر اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري ورفاقه في فبراير 2005، وتضامُن «حزب الله» مع نظام دمشق الذي كانت قد وُجّهت إليه يومذاك أصابع الاتهام بالجريمة.
منذ 2006 وفّر عون التغطية السياسية شبه الكاملة لتصرفات «حزب الله» وسياساته، داخل لبنان وخارجه. وفي المقابل، جعل الحزب تفاهمه مع «التيار العوني» نموذجًا لتعامله مع المكونات الطائفية والمذهبية اللبنانية.
كان الكلام المعلن لقادة الحزب أنهم يدعمون عون من منطلق إيمانهم بـ«الميثاقية» كونه الأقوى مسيحيًا. مع أن هذا لم ينطبق على موقف الحزب من الزعيمين الأقوى في الشارعين السني والدرزي. إذ أسقط الحزب حكومة سعد الحريري «التوافقية» في يناير (كانون الثاني) 2011 وشكّل حكومة بديلة. وعلى الصعيد الدرزي، لم يكتف بالعمل على تحييد وليد جنبلاط، بل اصطنع بدائل حتى لمنافسه التقليدي الوحيد الأمير طلال أرسلان، بهدف منع نشوء وحدة مواقف درزية.
رياح مارس (آذار) السورية ذلك العام، كان لا بد أن تعني اعتبارات جديدة في الملعب اللبناني. ومع انكشاف هزال القدرات الذاتية للنظام السوري ظهر الحجم الحقيقي للمشروع الإيراني الذي اضطر «حزب الله» للتدخل مباشرة في القتال داخل سوريا. ومن ثم، اكتسب أبعاده الإقليمية والدولية التي نرى مع الاتفاق النووي الأميركي – الإيراني، ثم التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا وسط صمت إدارة باراك أوباما.
لبنان في هذه الأثناء، صار مشهدًا ثانويًا. غدا ملاذا للاجئين والنازحين، وأرضًا محكومة بقوى «الأمر الواقع» التي كانت مُتَّهمة ورعاتها حتى الأمس القريب بـ«الإرهاب».
كذلك، دفع التعطيل السياسي، أمام خلفية الانهيار الاقتصادي وتصاعد الاستقطاب الراديكالي الشيعي – السنّي محليًا وإقليميًا، إلى عقد صفقة سياسية فوقية. لكن لا جذور الخلاف اللبناني – اللبناني عالجها «ترئيس» عون والحريري، ولا تحصين لبنان تحقق طالما أن بعض القوى المحلية ترى أن «اتفاق الطائف» ما عاد يفي بمتطلبات المرحلة.
لبنان «الخاصرة الرخوة» ما زال كذلك، بينما انتقلت الهشاشة من داخله إلى الحيز الإقليمي. وهذا ما يعقّد اليوم مهمة طبقة سياسية تثبت في كل يوم أنها لا تؤمن بالتعايش، ولا تجرؤ على المصارحة، ولا تحسن قراءة المتغيرات... ولا يظهر أنها قادرة على التعلم من أخطائها.