عبدالله بن بجاد العتيبي

 في زيارة تاريخية بكل المقاييس يزور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز دولة الإمارات العربية المتحدة، في تجلٍ كبيرٍ لتحالفٍ تاريخي غير مسبوقٍ بين البلدين الشقيقين، تحالفٍ مهد له التاريخ، وعززته الجغرافيا، ودعمته السياسات والتوجهات، وأثبتته المواقف والقرارات، وأصبح يفيض به المستقبل الواعي.

يحل الملك سلمان في قلب الإمارات وقلوب «عيال زايد» قيادةً وشعبًا بوصفه القائد العربي الأقوى والأكثر تأثيرًا، بوصفه الأب المحبوب والقائد المحنك، لم تترك قيادة الإمارات وشعبها فرصةً من الفرص إلا وعبرت عن ذلك الحب وذلك التحالف المظفر مع الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية.
تطأ قدما الضيف الكبير دولة الإمارات وقد اتفقت رؤى القيادتين وتشابكت مصالح البلدين وبلغ تحالفهما مبلغًا غير مسبوقٍ في التاريخ الحديث بين بلدين عربيين، ولا أكثر من اختلاط دماء الأبطال الزكية على جبال اليمن الشقيق وسهوله، حيث اختلط الدم السعودي بالدم الإماراتي دفاعًا عن اليمن وشعبه وعن مصالح البلدين وشعبيهما.
العلاقات التي تربط البلدين ضاربة الأطناب في التاريخ، فروابط التاريخ والجغرافيا، واللغة والثقافة، والعادات والتقاليد، كلها معطياتٌ مشتركةٌ لشعبين شقيقين ومتشابهين، وفي الدولة السعودية الحديثة كانت الروابط وطيدةً مع حكام الإمارات منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز، وقد تعززت أكثر مع تقلد الشيخ زايد بن سلطان مقاليد الحكم في منتصف الستينات، وزادت أكثر مع إعلان الاتحاد وقيام دولة الإمارات العربية المتحدة 1971.
كان قرار وقف تصدير النفط دعمًا للموقف العربي في حرب 1973 قرارًا قاده الملك فيصل والشيخ زايد، وكان له بالغ الأثر في نتائج تلك الحرب والمكتسبات التي حصلت بعدها، ويتذكر أبناء البلدين العلاقة الوطيدة والروابط العميقة التي جمعت بين الملك خالد والشيخ زايد في مناسباتٍ متعددةٍ ومتواصلة.
المنحى التصاعدي للعلاقات التاريخية يتضح أكثر في زمن الملك فهد، بحيث ازداد تلاحم البلدين تجاه التحديات الدولية والإقليمية، فكان موقف البلدين صارمًا في دعم أفغانستان ضمن المحور الغربي المناهض للشيوعية آنذاك، وكذلك كان الموقف صارمًا في مواجهة تحدي ما كان يعرف بالثورة الإسلامية في إيران.
ولا ينسى أبناء دول الخليج الوقفة الصادقة والقرار الحاسم للملك فهد بعد احتلال صدام للكويت، وكان الشيخ زايد حاضرًا بكل قوةٍ لدعم جهود تحرير الكويت وقاتل جنود الإمارات بجوار جنود السعودية على جبهةٍ واحدةٍ مع قوات التحالف، وخرج القائدان والبلدان ظافرين في تلك الحرب وتم تحرير الكويت وطرد صدام حسين.
قبل تولي الملك عبد الله سدة الحكم توفي الشيخ زايد مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، فكان الملك عبد الله وأخوه الملك سلمان على رأس الوفد السعودي لتشييع الراحل الكبير، واستمرت العلاقات مع القيادة الجديدة بقيادة الشيخ خليفة بن زايد في تصاعدٍ وازدياد.
التقارب الكبير في المواقف السياسية تجاه ما كان يعرف بالربيع العربي وصل بالعلاقات إلى ما يشبه التحالف القوي، فإنقاذ البحرين من أعمال الشغب المدعومة من إيران كان موقفًا حاسمًا، وإنقاذ مصر من جماعة الإخوان المسلمين كان تعميقًا أكبر لتلك العلاقات، وقد وقفت القيادتان موقفًا تاريخيًا في مواجهة ضغوط الدول الكبرى في تلك المواقف، وقد نجت البحرين ومصر من مصير مظلمٍ بفضل هذا التحالف المظفر.
بلغت هذه العلاقات أوجها في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وعضديه محمد بن نايف ومحمد بن سلمان، والشيخ خليفة بن زايد وعضديه محمد بن راشد ومحمد بن زايد، ففي مواجهة المشروع الإيراني الراعي للإرهاب في المنطقة، قرر البلدان بناء تحالفٍ عربي لإنقاذ اليمن من براثن أتباع إيران الطائفية الإرهابية، فكان قرار الحرب العسكرية المظفرة، وكانت عاصفة الحزم وإعادة الأمل، حيث في هذه الحرب التاريخية اختلطت مجددًا دماء الأبطال الزكية من «شهداء» البلدين على أرض اليمن الشقيق.
لقد كانت مشاركة البلدين في الحرب على الإرهاب فاعلةً ومؤثرةً على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وهو جامع مشترك كبيرٌ يضاف لما سبق، فقناعة القيادتين راسخة بأن آفة الإرهاب هي شرٌ محضٌ على البشرية جمعاء، وأن واجب الدول العربية والمسلمة هو المشاركة في حربه، بل وأخذ زمام المبادرة في القضاء عليه.
لم يألُ البلدان والقيادتان جهدًا في دعم الدول العربية والشعوب العربية، في معارك النفط والتحديث كما في السلم والحرب، وكانت السياسات المتفقة نبراسًا لتعزيز رخاء البلدين ومصالح الشعبين الشقيقين، وردع جميع الأطماع والاعتداءات من بعض الأصدقاء، فضلاً عن الأعداء، وانتصر البلدان واستمرت ملاحم التحديث والبناء.
إن هذا التاريخ الطويل والعلاقات القوية والمتصاعدة إيجابًا مؤشرٌ مهمٌ على مستقبل البلدين والشعبين، وأن هذا التحالف القائم اليوم الذي يقود الدول العربية ويدافع عن مصالحها ومصالح شعوبها هو لبنةٌ كبرى تدفع باتجاه مزيدٍ من التحالف وكثيرٍ من التأثير، وتطلعات الشعبين توازي طموحات القيادتين في بناء علاقاتٍ أكثر تقاربًا وتماسكًا وأبلغ فعلاً وتأثيرًا على كل المستويات.
هناك تحدياتٌ تتعلق بتعزيز جميع الملفات المعطلة في إطار مجلس التعاون الخليجي، ودفعه باتجاه مزيدٍ من النجاح والفاعلية، وهناك تحدياتٌ إقليمية تتمثل في إيران التي تحتل الجزر الإماراتية الثلاث، والتي تتطابق سياسة البلدين تجاهها، وهناك التوسع الإمبراطوري الطائفي الإيراني على بعض العواصم العربية كبغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وهذه التحديات ستتم مواجهتها بذات الحزم الممزوج بالحكمة.
هناك تحدياتٌ دوليةٌ كبرى تواجه البلدين، فمع صعود اليمين في الدولة الحليفة الأكبر في الولايات المتحدة الأميركية، ومع توقعات صعوده في بعض البلدان الأوروبية سيكون على قيادة البلدين التعامل معه بالسياسات الأفضل التي تعود بالنفع على البلدين والشعبين، وما يبعث على أمل عريضٍ هو نجاح البلدين في تجاوز انحيازاتٍ سابقة قريبةٍ لبعض قيادات تلك البلدان ضد مصالح البلدين ولصالح خصومهما في المنطقة.
البلدان يتنافسان في التقدم والرقي، فلدى الإمارات رؤية 2030 ولدى السعودية رؤية 2030، وكلتاهما رؤية طموحة وتحتاج لكثيرٍ من الصبر والعمل والإنجاز لتصل بالبلدين إلى شاطئ التنمية المستدامة والتقدم المستمر، وهو مؤشرٌ مهمٌ على اتجاه البلدين بقوةٍ وثباتٍ نحو مستقبل أكثر بهاء وبياضًا.
أخيرًا، سيرى الملك سلمان بعينه حجم المحبة التي يكنها له شعب الإمارات العربية المتحدة من أعلى القيادات إلى عامة الناس، وهذه العلاقات العميقة تمثل نموذجًا يحتذى.