وليد خدوري

فوجئت الأسواق الأربعاء الماضي، باتفاق «أوبك» لخفض الإنتاج. فعلى عكس ما كان متوقعاً، ونظراً الى الخلافات النفطية والسياسية الحادة بين المنتجين داخل المنظمة وخارجها، شكل الاتفاق المبني أساساً على اتفاق الجزائر، سابقة مهمة في تاريخ المنظمة، ما يؤكد أهمية استمرارها. وتكمن أهمية الاتفاق في إعادة توازن العرض والطلب في الأسواق من خلال تقليص التخمة في الإمدادات، إذ إنها ستؤدي الى نقص فعلي في المخزون التجاري القياسي الذي يلقي ظلاله السلبية على الأسعار. وهذا سينسحب أيضاً على زيادة الأسعار منذ النصف الأول من عام 2017، ما يساعد موازنات الدول المنتجة بعد نحو سنتين من الضغوط عليها.

يبدأ تنفيذ اتفاق فيينا الذي يقلص إنتاج المنظمة 1.2 مليون برميل يومياً ليصبح 32.5 مليون برميل يومياً، في الأول من كانون الثاني (يناير) المقبل لمدة ستة أشهر، مع خيار تمديدها لفترة مماثلة في حال موافقة المجلس الوزاري للمنظمة في اجتماعه المقبل في 25 آيار (مايو). وقد خصصت المنظمة معدلات إنتاج جديدة لدولها الأعضاء، منها السعودية التي ستقلص إنتاجها 486 ألف برميل يومياً الى 10.068 مليون. ويُذكر أن المملكة تخفض إنتاجها عادة بعد فصل الصيف نظراً الى تراجع الاستهلاك الداخلي، بخاصة انخفاض استعمال مكيفات الهواء. ثم إيران التي ستستمر في نطاق إنتاجها للشهرين الماضيين 3.75 و3.78 مليون برميل يومياً، فالمعدل الجديد المخصص لها هو 3.797 مليون برميل يومياً، ما يعني أنها لم تحصل على معدل 4 ملايين برميل يومياً الذي سجلته قبل العقوبات، ولا على حصة 12.7 في المئة من إنتاج المنظمة كما كان وضعها قبل العقوبات أيضاً، وهما المطلبان اللذان أصرت عليهما طهران. وسيخفض العراق إنتاجه 210 آلاف برميل يومياً ليصل معدله الى 4.351 مليون برميل يومياً، والخفض العراقي هو من الأرقام الرسمية للحكومة العراقية لا من أرقام المصادر الثانوية التي احتجت عليها بغداد. وكان اتفاق الجزائر استثنى نيجيريا وليبيا وإيران من الخفوضات بسبب انخفاض إنتاجها نتيجة النزاعات السياسية فيها والحصار الدولي. وطلبت إندونيسيا استثناءها أيضاً لأنها تستهلك وتستورد من النفط الخام أكثر من إنتاجها، لكن طلبها رفض، فعلقت عضويتها في المنظمة موقتاً. ويبلغ إنتاج إندونيسيا 722 ألف برميل يومياً. وستستمر «أوبك» في الاعتماد على المصادر الثانوية لأرقام الإنتاج، وشكلت لجنة من ثلاث دول (الكويت، الجزائر وفنزويلا) بالتعاون مع سكرتارية المنظمة للتدقيق بأرقام الإنتاج. كما وافقت الدول غير الأعضاء على خفض إنتاجها 600 ألف برميل يومياً، منها 300 ألف برميل لروسيا، ما يجعل مجمل الإنتاج المخفض للدول المنتجة داخل «أوبك» وخارجها 1.8 مليون برميل يومياً. ولعبت روسيا دوراً مهماً في المفاوضات مع كل من دول المنظمة، والدول خارج «أوبك».

رسمت مسودة الاتفاق بعد مشاورات ماراتونية طوال الشهر الماضي، ومساومات أخذت في الاعتبار عوامل سياسية داخلية ومالية ضاغطة استمرت حتى اللحظة الأخيرة، إذ تبين أن البنود العريضة كانت متوافرة عند بدء الاجتماع الوزاري في فيينا، من دون الوصول الى اتفاق نهائي، ما استدعى مزيداً من المفاوضات على التفاصيل للوصول الى الاتفاق النهائي. والمهم في الاتفاق الإعلان عن شفافيته، ما أثار ارتياحاً في الأسواق ورفع الأسعار نحو 9 في المئة ليزيد سعر نفط «برنت» على 50 دولاراً. ومن المحتمل أن يتراوح النطاق السعري ما بين 50 و55 دولاراً للبرميل في حال تنفيذ القرار بصدقية، وهو أمر يمكن التأكد منه في منتصف كانون الثاني المقبل تقريباً، مع بدء تحميل الناقلات لصادرات شباط (فبراير).

لكن على رغم الأهمية الكبرى للاتفاق، فهو يشكل خطوة في مرحلة طويلة ستواجهها المنظمة مستقبلاً. فصعود الأسعار الى 50 - 55 دولاراً أو حتى الى نحو 60 دولاراً، يعني انتعاش صناعة النفط الصخري الأميركية وإمكان زيادة إنتاجها ثانية بطاقة أعلى مما هي عليه حالياً. فكلفة إنتاج النفط الصخري تتراوح ما بين 55 و75 دولاراً للبرميل. والشركات في حاجة ماسة الى دفع بلايين الدولارات من الديون المستحقة عليها للمصارف التي استدانت منها في مرحلة انطلاقتها الأولى. وطبيعة صناعة النفط الصخري من حفر مستمر للآبار وتوسيع المسام الصخرية تزيد من تكاليفها. لكن حقيقة الأمر أن تقنية الحفر الهيدروليكي للصخور أصبحت حقيقة واقعة وتتقدم باستمرار. وهي ثورة في صناعة النفط يجب أن نتعايش معها.

هذا يعني أن الدول المنتجة أمام مرحلة اقتصادية دقيقة. فسقف الأسعار سيكون متأثراً الى حد كبير بتكاليف صناعة النفوط غير التقليدية (منها النفط الصخري). هذا يعني أن ارتفاع النطاق السعري للنفط الخام سيكون محدوداً، إذ إن الزيادة الى مستويات قياسية مرة أخرى (عندما تجاوزت 100 دولار)، ستعني تدهور الأسعار الى الحضيض ثانية، لأن هذا سيعني زيادة كبيرة في الإمدادات تفوق العرض. فمعدل إنتاج النفط الصخري الأميركي لوحده بلغ نحو 5 ملايين برميل يومياً مع الأسعار القياسية.

تواجه الدول المنتجة خيارات قليلة، أهمها المبادرة بتغييرات أساسية وجذرية في الاقتصادات المحلية. فلا يمكن توقع ازدياد جنوني في الأسعار تفرضه المضاربات ومصالح دول أخرى في تحسين اقتصادات بدائل الطاقة التي تحتاج الى أسعار نفطية قياسية لنجاحها. هذا يعني ضرورة تبني الدول المنتجة برامج اقتصادية صلاحية وشفافة، تأخذ في الاعتبار مساهمة اكبر لدور القطاع الخاص والمصارف العربية في الاستثمارات والمشاركة في تشييد البنى التحتية، وتبني سياسات ذكية ومفيدة لليد العاملة المحلية في قطاعات منتجة، لا لتوسيع الوظائف الحكومية البيروقراطية.