ميسون الدخيل 

نعم بالتأكيد سمعنا عن غسيل الأموال ونعرف تماما مدى خطورة الأمر ليس فقط على اقتصاد أي دولة بل على النسيج الاجتماعي لما تغطيه من مخالفات أخلاقية وإنسانية وإجرامية من أموال الرشاوى والتهريب والمخدرات والتجارة بالبشر والاختلاسات والصفقات المشبوهة... الخ، ولكن اليوم نجد أن خطرا آخر يهدد المجتمعات، بل قد يكون أشد خطورة لأنه اخترق بل تصدر جميع وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة! إنه غسيل المعلومات، لأنه لا يقوم فقط بالعمل على تزييف الواقع أو حتى تغييره، بل أيضا يصل للوعي الجمعي ويضلله بما يقدمه من معلومات مفبركة تؤدي إلى غسيل العقول والتأثير عليها بغرس مفاهيم جديدة تقدم على أنها حقائق ومن ثم تبدأ حملات الهجوم والتأجيج والشيطنة!
حقا أتساءل هنا لماذا لا تكون هنالك حملة لمواجهة ظاهرة انتشار غسيل المعلومات؟ فهي بالتأكيد كما تدل الشواهد والنتائج على أرض واقع عالمنا العربي والإسلامي بأنها باهظة الثمن من حيث حصدها الملايين من الأرواح ومن حيث تدميرها المكتسبات المادية من بنى تحتية وغيرها! هذا عدا أنها تجر العامة إلى مزيد من السقوط في ظلمات الجهل والتبعية!
يظهر مقطع على اليوتيوب لا نعلم إن كان صحيحا أم مفبركا، أو قد يكون يظهر الحقيقة ولكن العنوان أو التعليق يأخذ المشاهد للاعتقاد بأنه لجهة معينة والواقع هو عكس ذلك تماما! أو قد يظهر لنا عملية إنقاذ لضحايا الحرب، ومن يتابع ويدقق يجد أن نفس الضحية يتم إنقاذها أكثر من مرة ومن أكثر من موقع، ولكن قلة من يلاحظ وقلة من يعلق خوفا من الاتهام بعدم الإنسانية أو الانحياز للفريق الآخر!
وقد يخرج إلينا أحدهم بصورة التقطها ونشرها على التويتر يصحبها تعليق وتنتشر كالنار في الهشيم! ومرة أخرى قلة من يطالبونه بالمصدر أو التوضيح على الأقل! بل هنالك أيضا حالات نادرا ما تجد من يدقق بالصورة التي نشرت ليكتشف بأنها مفبركة لأن العواطف تكون قد طغت، ومن يجرؤ على مواجهة الطوفان، خاصة إن كان عالميا ليقف ويواجه ويبين أن هنالك شيئا ما غير منطقي بالصورة! ويشتهر صاحب الصورة ومن في الصورة ولا يكلف أحدا نفسه بأن يرجع إلى صفحة أو موقع المصور على شبكات التواصل الاجتماعي فقد يكتشف مثلا بأنه يدعم الإرهاب، بل يمجد الانتحاريين منهم، وليس هذا فقط بل قد يكون له صور مع قاطعي الرؤوس وغيرهم من الإرهابيين! ويتم تجاهل كل ذلك ليصبح صاحب الصورة أيقونة ومصورها بطلا، بل إنه قد يرشح لجائزة التصوير الصحفي!
أما فيسبوك فحدث ولا حرج، فالمعلومات المفبركة التي تسبح في فضائه لا تعد ولا تحصى، خاصة تلك التي تنتمي للأحزاب أو المجموعات التي تحمل أجندات سياسية، تخريبية أو إرهابية! فكل منهم يفتح له صفحة ويبدأ ببث الأخبار، صادقة كانت أم كاذبة لا يهم فهم متطوعون، يروجون "المخلل" أو "البطيخ" لا يهم، المهم أنهم يدّعون بأنهم لا يتبعون أحدا ولا يستلمون أموالا من أحد، وكل همهم هو إيصال الحقائق التي يتم التعتيم عليها أو لا يستطيع أحد غيرهم الوصول إليها، وهم بدافع الإنسانية يبثونها إلينا لنستيقظ ونتحرك! نعم نتحرك وننقسم ونهاجم، ونلعن ونقذف ونشوه، فالمصدر بات بنظرنا موثوقا والناشر ناشطا يريد تثقيفنا نحن الجهلة!
أما كيف يتسلل هذا الخبر أو ذاك أو هذا المقطع أو تلك الصورة إلى وسائل الإعلام الرئيسية (MSM) فإنها قصة أخرى، تبدأ بأن يلتقط أحد المحررين الخبر من إحدى الوسائل وينشره، ثم تلتقطه وسيلة إعلامية أخرى وتقوم ببعض التغييرات في العنوان فيظهر كأنه خرج من عندها، وتلتقطه ثالثة وقد تضيف إليه بعض البهارات كتقديمه في إطار رؤية أو تحليل، أو قد تعرضه بطريقة يتم حجب الحقائق أو المعلومات المصاحبة ذات الصلة بشكل جزئي أو كلي بحيث تخلق الانطباع مغايرا للواقع، المهم يأتي هنا القارئ أو المشاهد والذي يؤمن بمصداقية المصدر ويعيد النشر بطريقته في إحدى وسائل التواصل الأخرى، وتتحول المعلومة إلى واقع ويستمر النشر والانتشار ويرتفع العدد وترتفع معه المصداقية!
لقد أصبحت الأعداد تتحكم بنا، لا يهم المصداقية أو التوثيق المهم كم عدد من قرأ، شاهد الخبر أو التقرير، عدد "اللايكات" أو عدد إعادة "التغريدات"! وإن صادف وخرج أحد وتحدى وأظهر الحقيقة وتم حذفها من المصدر، لن تجد اعتذارا أو حتى تنويه إلى أن الخبر الذي نشر لم يكن صحيحا! نعم يعتذرون عن خطأ في نشر خبر موت أو وضع اسم شخصية تحت صورة شخص ثان أو خلل فني ما، فنجد أن جل الاعتذارات من هذه النوعية، أما التراجع عن خبر مفبرك أو عدم إظهار الحقيقة كاملة، فنادرا ما يحصل، وإن تم يكون ذلك في نطاق ضيق جدا بحيث يمر مرور الكرام لدرجة لا ينتبه له الغالبية! 
عندما تنشر وسائل الإعلام الرئيسية معلومة ما يفترض المستقبل بأنهم قد قاموا بكل ما يجب للتأكد من مصداقية الخبر بحيث تتم الغربلة ليظهر فقط الصحيح والموثق، ولكن حين تلتقط معلوماتها دون التدقيق من المصادر تخسر مصداقيتها وتفتح المجال أمام وسائل الأخبار البديلة بالتقدم واحتلال الساحة، بل التحكم بها، وهنا تكمن الخطورة، لأنها المصنع الرئيسي لغسيل المعلومات وتقديمها بصورة تخدم أجندات كل من يريد التحكم بالرأي العام لفرض توجه أو تجييش أو حتى حشد الدعم للهمجية تحت غطاء الإنسانية.