عبدالله بشارة

تدعو ساعة اليوم جميع الكويتيين إلى قراءة عميقة للمبادئ، التي جسدها الدستور، للوقوف على المتانة الاخلاقية التي يتوقعها الدستور من نواب الأمة، ويسطر معانيها بكلمات بسيطة، فحواها تصل الكويت إلى الرقي والتطور عند التقاء فريق القيادة السياسية بطموحات أعضاء المجلس التشريعي في تعاون وثيق ووفق منظور مشترك للمسيرة المستقبلية.
ويحارب الدستور بقوة الأداء الاستعراضي الاجوف، وينبذ الفزعة المغامراتية التي تأتي بأطروحات تتعارض مع معاني الدستور وتفجر الاحتقان وتؤرث الازمات.
لا يوجد في الدستور شيء اسمه المعارضة وفق تعريفاتها العالمية، فلا مكان لتداول السلطة ولا موقع للحكومة البديلة أسوة بالديموقراطيات المكتملة البناء، وهنا نستذكر معا أن المعارضة في الكويت هي صوت الناقد الساعي نحو الأجود والباحث عن الأفضل، وليس المتشوق للاحلال، فالمنطلق الدستوري هو الشراكة المستديمة والمتميزة، بتحقيق التعاون حسب مبدأ التضامن الذي يسطره الدستور، ولا مجال للقفز على بنوده عبر أجندة خاصة لمجموعة لها رغبة لتشريعات لا يقرها الدستور، وتتناقض مع النهج التاريخي لمجتمع الكويت.
وتأتي الأزمات، في معظم الحالات، من غياب الالتزام بالدستور ومن الدفع بمقترحات لا تستوعبها الكويت، غريبة على شخصيتها ولا يهضمها جسد التكوين، فالأمل أن تتسيد الحكمة تصرفات النواب بابتعادهم عن الحدة في الفكر والقول، لأن المطلوب العاجل يتمثل في تجميل الكويت وتطويرها وتنظيفها من مهازل الفساد، والقضاء على الخمول الفكري، وتحريك الغيرة الوطنية للعطاء والانضباط وتعبئة الطاقة الوطنية الكامنة تجاه فضيلة الابداع، ومعالجة المشاريع المقترحة من السلطة التنفيذية بالواقعية واللين.
لا يمكن قبول ما يستهوي جماعة الاسلام السياسي وحرصها على نحت مجتمع جاف وغليظ ليس له عنوان لا في جغرافية الكويت ولا في تاريخها، ولا يعقل أن يستمر الهدر المالي ــ كما وعد بعض النواب ــ في تجاهل لواقع عالم اليوم، الذي شح فيه المال وتقلصت فيه مظاهر الدلع الاجتماعي، فهناك واقع تعيشه الكويت لا تبدله التمنيات.
أحلام الحملات الانتخابية عن البنزين وعن الحماية الدائمة لامتيازات المواطن لن ترى النور بالسهولة التي يتصورها بعض النواب، فاقتصاد العالم يتعرض لتبدلات أدخلتها التكنولوجيا وغيرتها العولمة وأضرت بها تجمعات الارهاب، كل ذلك دفعت المجتمع العالمي نحو التقتير وتقليص الرفاهيات والابقاء على الضرورات.
ولعل المجلس الجديد يكتفي في مطلع عمله بفتح دواليب الفساد ويزيل المحميات المصطنعة التي تحمي الفاسدين، بما في ذلك تجار الاقامات وفضحهم مع مساعديهم في ادارة الدولة، فضرورات الأمن القومي للوطن تلزم الدولة بحكومتها ونوابها تقديم علاج جذري للتركيبة السكانية المختلة في منطقة ممتلئة بالمخاطر والانفجارات.
كل ذلك يستوجب الكف عن عرض المقترحات القابلة للاشتعال والمعكرة للهدوء، فالمجلس يرتكز على بنود دستور مستنير، وليس حديقة هايدبارك موقع الثرثرة الارتجالية والخفة، فالأمل بحيوية الشباب وبوعيه وواقعيته التي كسبها من مطالعاته لطبيعة الحياة وشروط التقدم وتشخيصه لأولويات الكويت.
جاءت انتخابات الكويت بأمل التغيير والتطوير حاملة الدلائل على شغف المجتمع بالعمل الجدي الملتزم بالدستور، والواعي لشروط الانتماء للدولة الجاهزة للطوارئ والمخاطر، التي تقرعها الأجراس في هذه البقعة المشتعلة.
مشكلة العالم ليس في ضعف المواثيق ولا في البيانات، إنما المشكلة في فقر العالم لرجال حكمة ومنظور وشجاعة قيادية، فالحياة يكدرها المغامرون من زعامات ومن أفراد، ونتذكر فاقدي الأهلية من بعض القادة العرب ونرى تركتهم في مجتمعات الحطام والدمار.
ومغزى هذه العبارات أن تبدأ المرحلة بالتضامن والمشاركة الايجابية الفاعلة وليس المشاغبة، وذلك انسجاما مع حقائق الانتخابات التي تتمثل في انحسار البرلمانية الخدماتية، وعلو الشبابية الواعدة، وانخفاض حدة الطائفية، وتذبذب التفاهمات القبلية، وارتفاع توقعات المجتمع في تناغم حكومي عبر مقترحات وخطط تناسب ظروف اليوم، فقد تعاظمت حيوية الرأي العام، فلم يعد يهضم وجود مندوبين بشكل نواب، ولن يغفر لمن يقحم الوطن بأزمات لا مكان لها، أو يخطو تجاه إحياء القبليات والطائفيات، بخلق جبهات ترتكز على مفاهيم التفرقة، ولا بد أن نستلهم جميعا حكمة الوحدة الوطنية ومتانتها في احتضانها الجميع من دون تفرقة.
ويعي سمو الشيخ جابر المبارك رئيس مجلس الوزراء كل هذه الاشكاليات التي عشناها، ويستخلص واقع اليوم في اختيار عناصر مفعمة بالحماس، مؤهلة للواجب، قادرة على استيعاب التحدي، تملك الثقة بالنفس، وعليه طرح البرنامج المدروس يدافع عنه شخصيا، جالسا على مقعد القيادة، وسينال شرعية الدعم الوطني من الجميع إذا قدم نهجاً جديداً يستوعب التبدلات.