محمد حسن الحربي

بعد أن نجحت لتصبح الأولى عالمياً في (المساعدات الإنسانية)، وفقاً للتقارير الدوليّة، قررت اليوم دولة الإمارات العربية المتحدة، أن تصبح الأولى في مسعى حماية التراث الثقافي البشري في العالم كله، نجحت في أن تكون مختلفةً وفي مهمة مختلفة تعدُّ الأكثر خصوصيةً. ترى، كيف تتطور الأفكار هنا لتأخذ أقصى مداها؟ كيف تعرّفت الأمجاد أبوظبي فتوطنت فيها؟ إنها قصة نجاح مثيرة. في مؤتمر (الحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر) أوقات الحروب والأزمات، هل غير أبوظبي مدينة مرشحة لتكون مقراً رئيساً لتأسيس (قوة ضاربة) أخرى لحماية التراث الثقافي البشري في العالم؟ لا يبالغ المرء إنْ قال إنه لا تبدو بين مدن العالم، مدينة قادرة على هذه المهمة، إلاّ هي. والإنجازات التي تحققت على أرض الواقع في مدى العامين الماضيين في الإمارات، على سبيل المثال لا التحديد، كلها تؤشر على ذلك بوضوح.

في العام الماضي جرى إصدار (قانون تجريم إزدراء الأديان والتمييز العنصري وخطاب الكراهية) ليكون الأول عربياً وإقليمياً.

وفي العام الحالي سعت أبوظبي لتنجز (منهاج أخلاقي) تربوي قيمي، جرى إدراجه ضمن مناهج التعليم في المدارس بمختلف مراحلها التأسيسية. وفي العام الحالي أيضاً، احتفت أبوظبي عبر مشروع (كلمة) بإنجاز 900 كتاب مترجم في مختلف المعارف الإنسانية، لتنقل بذلك قطاعات واسعة من المجتمع الإماراتي، إلى ما يقرؤه العالم اليوم ويحظى باهتمامه. وفي العام الحالي، وفي خطوة لن تكون الأخيرة بالتأكيد، أصدرت الإمارات (قانون القراءة)، الذي يهدف إلى جعل القراءة تتعدى العادة لتصبح سلوكاً اجتماعياً لدى الأفراد. أما أحدث الخطوات، والعام الحالي على وشك الأفول، فهي (إعلان أبوظبي) الذي صدر في ختام مؤتمر «الحفاظ على التراث العالمي»، الذي جاء فيه تأكيد الإمارات على أنها ستضيف إلى مسؤولياتها الدولية مسؤولية جديدة، ومهمة من نوع خاص، لا تقدر عليها سوى البلدان المتميزة، مع إدراكها التام أن مهمة نوعيّة كهذه لا يمكن تنفيذها إلا بتعاون دول العالم، والعمل على ضفر جهودها الإنسانية مع بعضها بعضاً. هذا ما أكد عليه صراحةً صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في كلمته إلى الحضور الدولي، الذي أولته الأمم المتحدة أهمية بالغة ممثلة بمنظمة اليونسكو، قال: (الاهتمام بالتراث الثقافي العالمي ليس مسؤولية مجتمع أو دولة بعينها فقط، إنما هو مسؤولية الحكومات والشعوب حول العالم، كونه إرثاً إنسانياً تشترك فيه كل البشرية). لماذا أبوظبي مرشحة لأن تكون مقراً رئيساً لمثل هذه المهام الضاربة والمتفرّدة؟ كون البُنى الثقافية التحتية فيها مكتملة كلها، وترفدها باستمرار إمكانيات من كل نوع تعدُّ هي الأحدث تطوراً، البُنى الثقافية بشقيها: التراثي الذي له علاقة بالموروث الاجتماعي، بصفته أحد المكونات الأبرز للهوية الإماراتية، في بعدها الخليجي العربي والإنساني. وبشقها المعاصر الذي له علاقة بمفردات المواكبة العالمية للفكر والآداب والفنون والموسيقى ومستحدثاتها، لتشكيل ذائقة جمالية فردية جماعية متحضرة، ذاتية التطور والاستمرار بانفتاحها على الآخر الضروري والمختلف حضارياً. هذه كلها تجعل من مدينة أبوظبي، التي تنضح إنسانية حانية، ومسوّرة بالحب والأمان، المدينة الأكثر بروزاً في الاستحواذ على الثقة والالتزام بمهامها، وبترجمة شعاراتها إلى برامج عملية جديّة، لطالما جاءت نتائجها بما يفوق المتوقع دائماً.