حمد الكعبي

توّجت العلاقات الإماراتية السعودية على الدوام بأبهى النجاحات وأزهى المكاسب والإنجازات، وقدمت باستمرار نموذجاً متميزاً ومتفرداً للشراكة الأخوية، والتضامن والتعاون المثمر بأشكاله كافة، والتنسيق الوثيق والود العميق المتناسق في الجوهر والمضمون، وقد جاءت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان للإمارات قبل انعقاد القمة الخليجية تعبيراً عن علاقات راسخة ومودة صادقة ومبادئ شراكة واثقة ووعي بضرورة التنسيق بين الأشقاء في مواجهة تحديات المرحلة على الصعد الإقليمية والدولية كافة، وأظهرت تطابقاً في وجهات النظر يقدم أكثر من دليل على المكانة المتميزة التي تتمتع بها العلاقات بين أبوظبي والرياض، والرغبة في التنسيق التام والكامل لتحقيق التقارب والتآزر بين دول المنطقة كافة، بما يضمن أمنها وسلامتها، والوقوف سداً منيعاً ضد التحديات التي تحول دون تنميتها ونهضة شعوبها.

وتشكل هذه الروابط نموذجاً للعلاقات الأخوية، في ظل الانسجام التام وتكامل الرؤى تجاه القضايا والموضوعات الإقليمية والدولية، وضمن شراكة ثنائية نموذجية ضاربة بجذور العلاقات بين البلدين في أعماق التاريخ، وتعززها روابط الدم والمصير المشترك.

ولم يكن التناغم والتناسق على الصعيد السياسي فحسب بل تجاوز كل ذلك بخطى واثقة وثابتة ليشمل مختلف الصعد الأخرى الاقتصادية والاجتماعية، وصولاً إلى المسار العسكري وتشكيل التحالف العربي، حيث أسس ذلك التحالف لعلاقة تاريخية أبدية معطرة بدماء شهداء البلدين الذين جادوا بأرواحهم الطاهرة ودمائهم الزكية في سبيل نصرة الحق ورد الظلم.

لقد أصبحت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة تمثلان الركيزة الأساسية في حفظ أمن واستقرار المنطقة، وهما صمام أمانها بما تبذلانه من جهود من أجل الدفاع عن المصالح العربية، ومن خلال حرصهما على تماسك ووحدة الصف واجتماع الكلمة، والدفاع عن مصالح النظام الإقليمي العربي والشعوب العربية كلها.

وتستند هذه العلاقات القوية والاستراتيجية بين الإمارات والمملكة إلى أسس راسخة من الأخوة، والرؤى والمواقف والتوجهات المتسقة تجاه قضايا المنطقة والعالم، وتصب شراكتهما في دعم المصالح المشتركة وتعزيزها، وتمثل ركناً أساسياً من أركان الأمن الجماعي لمجلس التعاون لدول الخليج والأمن القومي العربي، إضافة إلى دعم منظومة الأمن والاستقرار بالمنطقة والعالم كله، وخاصة مع ما تتميز به سياسة البلدين من توجهات حكيمة ومواقف معتدلة وواضحة وسعي لنشر قيم السلام والاستقرار وتعزيز روح الحوار بين الحضارات والثقافات سواء على المستوى الإقليمي والدولي، وهما بذلك تقدمان المقاربة النموذجية والرد الحازم في مواجهة نزعات التطرف والتعصب والإرهاب. ولذلك تلقى سياسة البلدين كل إشادة وتقدير من قبل الشعوب والدول المُحبة للسلام كافة والمتطلعة إلى الاستقرار.

إن قوة وصلابة التعاون والتضامن والتعاضد الراسخ بين البلدين والعمل المشترك في مختلف المجالات وخاصة فيما يتعلق بمواجهة التحديات في المنطقة، ورؤيتهما المشتركة لتحقيق الأمن والاستقرار ومجابهة مخاطر الإرهاب والتطرف، كل ذلك يمثل نموذجاً إرشادياً مثالياً بكل المقاييس، لما ينبغي أن يكون عليه العمل الخليجي، والعربي المشترك.

وتعتبر العلاقات التجارية والاقتصادية بين الإمارات والمملكة هي الأكبر والأوسع بين مثيلاتها في دول مجلس التعاون الخليجي، فيما تعد الإمارات في طليعة أهم الشركاء التجاريين للمملكة على صعيد المنطقة العربية بشكل عام ودول المجلس بشكل خاص، حيث يعد حجم التبادل التجاري بين الجانبين هو الأعلى بين دول مجلس التعاون. ويصل حجم الاستثمارات السعودية في دولة الإمارات إلى نحو 10 مليارات دولار، وذلك من خلال ما يزيد على 2360 شركة سعودية تمارس أنشطتها الاستثمارية في الدولة. وتأتي الإمارات أيضاً في طليعة الدول المستثمرة في السعودية باستثمارات تخطّت 9 مليارات دولار في قطاعات كثيرة أبرزها الصناعة والخدمات.

ويعتبر الخبراء أن توجه دولة الإمارات والسعودية إلى تأسيس مجلس تنسيقي ثنائي يمثل نقلة نوعية ومرحلة جديدة في مسار العلاقات الثنائية الراسخة، إذ إن من شأن هذا المجلس أن يضفي الطابع المؤسسي على أوجه العلاقات الوثيقة بين الدولتين كافة ويساعدهما على تحقيق المزيد من تنسيق المواقف الثنائية كونه يدشن نافذة وقناة للاتصال المباشر والمستمر بينهما، وبالتالي يساعدهما على اتخاذ القرارات اللازمة للتعامل مع القضايا الملحة كافة بشكل آني وفعال ووفق أسس وقواعد مدروسة ومحددة مسبقاً، وهي خطوة كبيرة تقطعها الدولتان نحو تحقيق كل الأهداف والغايات المشتركة، بما يستجيب لتطلعات قيادتيهما ويلبي طموحات شعبيهما الشقيقين، وبما يفتح أفقاً جديداً وواعداً بمزيد من المكاسب والإنجازات على الصعد والمجالات كافة.