هل كان عون أصرّ على الرئاسة لو أنه قرأ أسباب عزوف شهاب؟

اميل خوري

هل كان الراحل الكبير الرئيس فؤاد شهاب على حق عندما قرر العزوف عن الترشح للرئاسة مرة ثانية وقال لمن كانوا يلحّون عليه بذلك: "إن الوضع دقيق جداً. نحن مقبلون على مرحلة وأحداث خطيرة في لبنان وفي محيطنا، وستكون أمامنا صعوبات ومشكلات سياسية وعسكرية وقد نضطر الى استخدام الجيش، وعندئذ سيعارض رئيس الحكومة أياً يكن، ويرفض على غرار ما حصل مع سواي فتتكرر الأزمات، وأنه على رغم الصلاحيات الواسعة لرئيس الجمهورية فإنها لن تسمح له بمواجهة الأحداث، فأجد نفسي عندئذ عاجزاً عن التصرف مما يسيء الى صورتي لدى الناس. فهل يريد لي من يلحّون عليّ بالترشح إنهاء حياتي السياسية بفشل كهذا؟ فإذا كانوا مقتنعين بترشيحي وبأن في امكاني أن أحكم فليعدّلوا الدستور حتى يكون في وسعي التصرّف ومواجهة المفاجآت والمصاعب التي أتوقعها، في حين أن من يطالبون بتعديل الدستور يريدون أن يكون في الاتجاه المعاكس، أي تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية لا تعزيزها". هذا ما جعل الرئيس شهاب يقرر العزوف نهائياً عن الترشح للرئاسة لأنه كان يرى أن الظروف السياسية التي تحيط بالبلاد لا تتيح له حرية الحكم، فأصدر بياناً جاء يه: "أمام الضغوط التي تعرّضت لها بغية ترشحي للرئاسة الأولى، رأيت من واجبي قبل اتخاذ قرار نهائي أن اتفحص بروية معطيات الوضع العام وانعكاساتها على مختلف الميادين لأتبيّن الامكانات التي يمكن أن تتوافر لي لخدمة بلدي ولما يتطلب هذا الوضع من أجل مستقبل البلاد ومستقبل أبنائها. وفي ضوء الخبرة التي اكتسبتها خلال ممارستي المسؤوليات المتعددة وخصوصاً في رئاسة الدولة، وانطلاقاً من تطوّر الأوضاع السياسية والاقتصادية، ومن خلال نظرتي الخاصة الى معنى السلطة والمهمات التي يجب أن تؤديها الدولة، والهالة التي يجب أن تلازمها، ونظراً الى ما يمكن أن يتلاءم وأسلوبي الخاص في العمل ولما يأمله اللبنانيون من رجل خبر الحكم، يبدو لي الموقف على الوجه الآتي: إن المؤسسات السياسية اللبنانية والاصول التقليدية المتبعة في العمل السياسي لم تعد في اعتقادي تشكل أداة صالحة للنهوض بلبنان في جميع الميادين، ذلك أن مؤسساتنا التي تجاوزتها الأنظمة الحديثة في كثير من النواحي سعياً وراء فعالية الحكم، وقوانينها الانتخابية التي فرضتها أحداث عابرة وموقتة، ونظامنا الاقتصادي الذي يسهّل سوء تطبيقه قيام الاحتكارات، كل ذلك لا يفسح في المجال للقيام بعمل جدي على الصعيد الوطني، وهذا العمل هو الوصول الى تركيز ديموقراطية برلمانية أصيلة صحيحة ومستقرة، والى إلغاء الاحتكارات ليتوافر العيش الكريم والحياة الفضلى للبنانيين في اطار نظام اقتصادي حر سليم يتيح سبل العمل وتكافؤ الفرص للمواطنين بحيث تتأمن للجميع الافادة من عطاءات الديموقراطية الاقتصادية والاجتماعية الحق، وان الاتصالات التي أجريتها والدراسات التي قمت بها عززت اقتناعي بأن البلاد ليست مهيأة بعد ولا معدّة لتقبّل تحولات لا يمكنني تصوّر اعتمادها إلا في اطار احترام الشرعية والحريات الأساسية التي طالما تمسكت بها. واستناداً الى هذه المعطيات قرّرت ألا أكون مرشحاً للرئاسة (كتاب "جمهورية فؤاد شهاب")".

وجاء في ختام مقدمة الراحل فؤاد بطرس لهذا الكتاب: "في سياق استعراض الظروف والتوقعات طرح عليّ سؤال: هل تعرف سابقة كان على سياسي لبناني أن يختار بين مصلحته الخاصة ومصلحة البلد فآثر مصلحة البلد على مصلحته الخاصة؟ فأجبت بأني لا أذكر سابقة من هذا القبيل، وأنه لا يسعني إلا أن أعبّر عن الألم والمرارة بل الخوف أيضاً عندما أقابل بين ما كان عليه لبنان مؤسسات وشعباً وما صار اليه اليوم، وما يمكن أن يكون عليه في المستقبل إذا بقي اللبنانيون على هذا التشرذم المعيب في الرؤيا كما في الأهداف".


الواقع أن الأسباب التي جعلت الرئيس شهاب يعزف عن الترشح للرئاسة هي للتأكيد أن هذه الأسباب لا تزال قائمة إن لم تكن أضحت اكثر سوءاً، فهل يستطيع الرئيس عون أن يفعل في ظل هذا الوضع الشاذ ما لم يستطعه الرئيس شهاب، فظل مصراً على انتخابه رئيساً ولم يقبل بأي رئيس سواه، في حين أن الرئيس شهاب عندما سمّى الياس سركيس مرشحاً قال: "إن الناس سيتساهلون معه أكثر من تساهلهم معي. فلو عدتُ رئيساً فسيظن الناس أن المشكلة انتهت ولن يبصروا بزة مرقطة، ولا فدائياً يتمشى في شوارع بيروت، وسيمهلون سركيس أكثر ولن يحاسبوه كما يمكن أن يحاسبوني. فالناس تتوقع مني المعجزات، فيحين أن هذه أصبحت مستحيلة، لكنهم لن يطلبوا ذلك من الياس سركيس وإن كنت سأساعده على العمل وعلى دعمه بالطاقات التي لديّ حتى يكون هو صاحب القرار والأمر".


لو أن الرئيس عون قرأ الاسباب التي جعلت الرئيس شهاب يعزف عن الترشح للرئاسة، هل كان أصرّ على أن يكون هو الرئيس من دون سواه، أم كان فعل ما فعله الرئيس شهاب بتسمية مرشح بديلاً منه لأن المطلوب منه هو أكثر بكثير مما هو مطلوب من سواه، خصوصاً في ظروف أصعب من تلك التي كانت سابقاً؟
إن التاريخ هو الذي سيحكم على الرئيس عون إذا كان قد أخطأ أو أصاب.