فواز العلمي

دولنا الخليجية ما زالت تواجه تحدياتها المشتركة، ومن أولوياتها تخفيض اعتمادنا على النفط كسلعة وحيدة للدخل، وتوسيع وتعميق قاعدتنا الإنتاجية، وتوطين وظائفنا

تنفيذا للمادة الرابعة من النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي، التي تنص على تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها، وتعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات، تنعقد اليوم في المنامة عاصمة مملكة البحرين القمة الخليجية رقم 37. فبالإضافة لانفرادها بالدين الأوحد وتميزها بالمجتمع الموحد وتحدثها بلغة الضاد الواحدة، تتميز دولنا الخليجية بامتلاكها 44% من مخزون النفط والغاز العالمي، الذي يعادل 15 ضعف قيمة الناتج الإجمالي العالمي السنوي، و60 ضعف قيمة التجارة العالمية، و47 ضعف الميزانية السنوية لدول أميركا وأوروبا مجتمعة. 
إلا أن دولنا الخليجية ما زالت تواجه تحدياتها المشتركة، التي من أولوياتها تخفيض اعتمادنا على النفط كسلعة وحيدة للدخل، وتوسيع وتعميق قاعدتنا الإنتاجية، وتوطين وظائفنا، وتحقيق الأمن المائي والغذائي لشعوبنا. ولكي نتوصل إلى النتائج المرجوة في قمة التكامل الاقتصادي علينا البدء فورا في مواجهة تحدياتنا من خلال تنفيذ الخطوات الأساسية التالية:
أولاً: زيادة فتح الأسواق الخليجية للتجارة البينية لتيسير انسياب السلع والخدمات والاستثمار، واستثناء الدول الأخرى من المزايا المتبادلة داخل حدوده. وهذا سيسهم في رفع نسبة التبادل التجاري الخليجي إلى أكثر من النسبة الحالية التي لا تتعدى 11%، بينما تصل إلى 71% في السوق الأوروبية المشتركة، و82% في دول ميركوسور التابعة لأميركا الجنوبية، و64% في دول مجموعة آسيان الشرق آسيوية. 
ثانياً: إبرام اتفاقيات التجارة الحرة مع الأسواق المماثلة ذات المصلحة الاقتصادية المباشرة، مثل تركيا والصين والهند واليابان وأستراليا ونيوزيلندا وماليزيا، إلى جانب المجموعة الأوروبية وعددها 27 دولة، ومجموعة آسيان وعددها 10 دول في شرق آسيا، ودول الميركوسور وعددها 6 دول في جنوب أميركا. وستحقق هذه الاتفاقيات العديد من المكاسب والفوائد لاقتصاديات الدول الخليجية نتيجة لزيادة فتح أسواق الدول المستهدفة أمام صادراتنا، وتوفير المناخ الاستثماري الأمثل لقطاع أعمالنا، وتوليد الوظائف في مؤسساتنا وشركاتنا من خلال استغلال المزايا المتوفرة لهذه الترتيبات الإقليمية في قواعد وأحكام النظام التجاري العالمي.
ثالثاً: توحيد الأنظمة التجارية الخليجية، وخاصة أنظمة الشركات والسجل التجاري والوكالات، والمنافسة، والمواصفات والمقاييس، ومكافحة الإغراق والدعم والحماية الوقائية، وحماية حقوق الملكية الفكرية والصناعية، وتراخيص الاستيراد والتثمين الجمركي، والفحص قبل الشحن. وهذا سيسهم بشكل مباشر في تحقيق التكامل المأمول للسوق الخليجية المشتركة ويثري القيمة الحقيقية للمحتوى الخليجي ويؤدي إلى زيادة ثقة المستثمرين في أسواقنا الواعدة.
رابعاً: الإسراع في تسهيل حركة النقل السريع بين الدول الخليجية من خلال ربط البنى التحتية والخدمية بالجسر البري للسكة الحديدية وشبكات المياه والكهرباء والاتصالات وتقنية المعلومات. وهذا سيساهم بتطبيق مبدأ المنفذ الجمركي الموحد وتعظيم قدرات السوق الخليجية المشتركة وتحقيق نسبة التبادل التجاري المأمولة.
خامساً: وكما سبق أن ذكرت فلا بد من إنشاء المخزون الاستراتيجي الخليجي الآمن للمياه، من خلال تكوين بنك للمعلومات المائية، ورسم خارطة الموارد الطبيعية، وتحديد المكامن الجوفية الآمنة لتخزين المياه، بالإضافة إلى تشجيع القطاع الخاص على تصنيع معدات التحلية وقطع غيارها ونقل تقنياتها. ونظرا لاعتمادها على المياه المحلاة بنسبة لا تقل في المتوسط عن 65%، والمياه الجوفية النابضة بنسبة 35%، فإن الدول الخليجية ستحتاج إلى 88 مليار متر مكعب من المياه العذبة سنويا، مما يتطلب ضرورة رفع استخدام الطاقة الشمسية والنووية لرفع كفاءة محطات التحلية وتخفيض كميات النفط المستخدمة لتشغيلها بمعدل مليوني برميل يوميا. 
سادساً: توسيع وتعميق القاعدة الإنتاجية الخليجية لتخفيف اعتمادنا على النفط كسلعة وحيدة للدخل. وهذا يتطلب منا زيادة فتح الأسواق الخليجية للاستثمار بشقيه الخليجي والأجنبي، لضخ المزيد من رؤوس الأموال في الصناعات التكميلية أفقيا ورأسيا، ومضاعفة عدد المدن الاقتصادية وتشجيع بناء التجمعات الصناعية، وتوفير الدعم الكامل للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي لا تزيد عن 45% من قطاع الخدمات الخليجي. وهذا سيؤدي إلى مضاعفة صادراتنا غير النفطية من 22% إلى 50% من إجمالي الصادرات، وتخفيض وارداتنا من 90% إلى 40% من إجمالي الاحتياجات. 
سابعاً: إعادة هيكلة التعليم بمختلف مراحله لتوجيه مخرجاته طبقا لمتطلبات أسواق العمل الخليجية وتوطين الوظائف لتأمين مستقبل أجيالنا القادمة وزيادة المحتوى الخليجي المحلي. فالتقديرات الإحصائية المتوقعة للنمو السكاني بدول الخليج العربية تشير إلى أن عدد السكان الإجمالي سوف يزيد بنسبة 57% خلال العقد القادم، ليرتفع عدد الخليجيين منهم بنسبة 89% خلال المدة نفسها ويصبح عددنا 57 مليونا في عام 2020، فإن هذا الارتفاع سيؤدي إلى زيادة المعروض من القوة العاملة الخليجية بنسبة تفوق 112% عما هي عليه اليوم، لتصل إلى 23 مليون خليجي قادر على العمل بعد 4 سنوات. 
ثامناً: زيادة نسبة مساهمة قطاعنا الخاص في الناتج الخليجي الإجمالي من 40% إلى 65%، لتتماشى مع النسب المماثلة في دول العالم، حيث تفوق 60% في كل من الصين والهند، و70% في كوريا وتايوان وسنغافورة، و80% في أوروبا و85% في كل من أميركا واليابان. وهذا يتطلب مضاعفة جهودنا وتنسيق أعمالنا وتوظيف قدراتنا لزيادة المحتوى المحلي.
لا شك أن هذه القمة ستسعى للتأكيد على تكامل اقتصادنا الخليجي، الذي سيمنحنا الفرصة المثالية لتعظيم قدراتنا الذاتية وتحقيق أهداف رؤيتنا المستقبلية وتشجيع مكاسب شعوبنا، ليصبح هذا التكامل أكبر قوة اقتصادية في منطقة الشرق الأوسط، وسادس أقوى شراكة استراتيجية في العالم أجمع.